اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > عمارة دافيد تشيبرفيلد الصوت الآخر.. في المشهد المعماري

عمارة دافيد تشيبرفيلد الصوت الآخر.. في المشهد المعماري

نشر في: 26 مارس, 2023: 09:23 م

د. خالد السلطاني

معمار وأكاديمي

أُعلن مؤخرا (7 آذار 2023) عن فوز المعمار البريطاني "دافيد تشيبرفيلد" (1953)David Chipperfeld بجائزة بريتزكر Pritzker العالمية المرموقة لسنة 2023، الجائزة التى تذكر دوما بانها من ابرز الجوائز المعمارية والمتساوقة في الاهمية مع < جائزة نوبل>.

وقد قوبل اختيار لجنة التحكيم لشخصية "دافيد تشيبرفيلد" لتلك الجائزة بكثير من الارتياح في بعض الاوساط المعمارية، وعند البعض منها عُدّ ذلك الحدث مفاجئا وحتى غريبا، اذ لم يكن "دافيد تشيبرفيلد" شخصية "محبوية" لدى بعض النخب المعمارية ومؤسساتها الرسمية على وجه الخصوص، نظرا لتصريحاته اللاذعة وغير التقليدية عن معنى "العمارة" وعن اهدافها وما يتعين عليها ان تتصف به من سمات وخصائص، هي التى ما انفك المعمار البريطاني يجاهر بها ويعارض بها كثيرين! فهو القائل، مرة، عن زملائه المعماريين " تحول المعماريون الى مجرد <علامة >، وبما انهم باتوا كذلك، فعليهم ان يكونوا مختلفين الواحد عن الآخر، ولهذا فانهم يسعون وراء تنميط انفسهم، ويصبوا ليكونوا متفردين، وفي مواجهة دائمة مع الآخر؛ وبكلمات اخرى، فان "توقيعهم" هو جزء من تلك <العلامة> او "الماركة التجارية"، وبالتالي فهو يعزز من نجاحهم التجاري والمؤسسي. بالنسبة اليّ اشعر بنوع من الخجل، والحرج حيال ذلك، او في الاقل اعتبره امرا غير مثمر. فبالنسبة لي ارى <العمارة> اكثر أهمية من <المعماريين>!" كما تذكر حادثة مسابقة مبنى محطة الكهرباء في الضفة الجنوبية لنهر التايمز، كواقعة لعدم رضى كثيرين لمواقفة الصلبة والمخالفة. ففي تلك المسابقة تم تضمين اسم مكتب "دافيد تشيبرفيلد" ضمن القائمة القصيرة الخاصة بالمتسابقين وكان مكتبه هو المكتب المعماري البريطاني الوحيد ضمن تلك القائمة. والتى فاز لاحقاُ بها مكتب معماريين سويسريين، الا ان الصحف المسائية الصادرة في ذلك اليوم شنت عليه هجوما لاذعا ودعته " بالمعمار الحداثي العدواني" كما قالت عنه بانه" مصمم بلا مقاييس!" زيادة في التهكم والسخرية منه.

ولد "دافيد تشيبرفيلد" في لندن عام 1953، وانهى تعليمه المعماري في مدرسة "الجمعية المعمارية" البريطانية (الـ "اي اي" A. A.). ومابين اعوام 1980 -1985، عمل في مكاتب معمارية بريطانية معروفة امثال مكاتب "دوغلاس ستيفن"، و"نورمان فوستر"، و "ريجارد روجرز"، بعد ذلك اسس مكتبه الخاص به ودعاه "H92"، (والاسم يدلل على عيار لاغمق لون قلم رصاص؛ كناية عن تمرد صاحبه! وقد غيره لاحقا الى <دافيد تشيبرفيلد معماريون>). ومكتبه اليوم صمم ما يقرب من 100 مشروع مهم في بريطانيا وخارجها وله فروع اضافة الى مكتب لندن، في شنغاي وبرلين وميلانو.

يسعى "دافيد تشيبرفيلد" وراء مقاربة معمارية خاصة ميزت اعماله التصميمية، واضافت الكثير الى ذخيرة منتج العمارة المعاصرة. وقد استطاعت لجنة تحكيم جائزة جائزة بريتزكر ان تجد سمات محددة في نتاجه المعماري عندما اشارت بان عمارته تتميز دائما " بالاناقة والرزانة والاحساس بالديمومة، فضلا على ما يتمتع به من تكوين واضح وتفاصيل مدروسة. ان عمارة مبانية لطالما اتسمت لغتها بالوضوح والاصالة وهي تنزع الى مراعاة نوعية السياق التى تتواجد فيه، كما انها تتميز، اضافة الى ذلك، بحضور مؤثر وقوي في المشهد. وفي عصر المغالاة بالتسويق، ومغالاة بالتصميم، ومغلاة بالاسراف، حقق المعمار توازناً بين لغة عمارته الحداثية الاختزالية Minimalism وبين التعبيرات الحرة، بين التجريد والاناقة الصارمة".

كما لاحظ بعض النقاد ومتابعي عمارة "دافيد تشيبرفيلد"، بانه لا يسعى وراء فهم العمارة بكونها شبيهه لمقاربة "الفن من اجل الفن"، وانما دوما يصطفي العناصر الضرورية التى تسهم في اثراء تعبيرية المبنى، وليس تلك التي فقط يمكنها ان تمجد المعمار بكونه فناناً. وهو يعتبر نفسه شخصاً مثابراً يتسم بالعزم، ويعرف ما يريد اكثر من انه شخص موهوب!

يعتقد "دافيد تشيبرفيلد" بان بواعث اختياره ليكون فائزا لجائزة بريتزكر هذا العام، تتمحور بكون لجنة التحكيم أعارت أهمية خاصة ليس فقط الى خصائص العمارة التى اجترحها؛ وأنما الى مساهمة المعمار في ايجاد حلول للمشكلات الوجودية في المجتمع الحديث، ويقول بهذا الصدد ".. يتعين الحكم على جميع اعمالنا ليس من منظور الاقتصاد لوحده، ولكن ايضا من تأثيراتها الاجتماعية والبيئية". وهو لديه نظرة خاصة واصيلة حول قضايا العمارة الاساسية الآخرى، فهو يعتقد أنه يجب البحث والتقصي عن الجمال في الحياة الطبيعية، كما ان الثقافة لا يتعين عليها ان تحفز وتحث على الاستهلاك. ويرى بان تلبية المتطلبات الاسكانية هي حق اجتماعي لكل شخص غير قابل للتصرف"! واثناء خطابه لقبول جائزة بريتزكر، اشار "دافيد تشيبرفيلد"، بانه يقبل تلك الجائزة المرموقة بكونها تعير اهتماما خاصا الى امكانات وقدرة العمارة في ايجاد حلول واقعية للقضايا الكبرى مثل التغيرات المناخية وعدم المساوات الاجتماعية "وكمعماريين يتعين علينا اداء دورا مؤثرا وواضحا في خلق عالم ليس فقط جميلا وانما عادلا وراسخاً ايضاً".

من ضمن مبانية العديدة والمهمة يعتبر مشروع تجديد "غاليري جيمس – سيمون" (2018) James – Simon Galarie في برلين المانيا، احد ابرز مشاريعه في السنين الاخيرة والذي اولت اليه هيئة تحكيم جائزة بريتزكر إهتماما خاصا. شخصيا، زرت موقعيا ذلك "الغاليري" مؤخرا وصورته، ففي احيازه يقع "متحف بيرغامون" The Pergamon Museum المعروف باقتنائه تحف من الشرق. (وخصوصا مواده المتحفية الخاصة بسامراء العباسية؛ هي التى، الآن، مشغول مهنيا بعمارة وتخطيط تلك الحاضرة الاسلامية). يتضمن برنامج مشروع مكتب "دافيد تشيبرفيلد معماريون" صيانة مباني متحفية مجاورة واضافة اجزاء لفضاءات جديدة لها.

يتعاطي المعمار مع اشكالية تصميم "الغاليري" البرليني بحذر مشوب باحترام جم لعمل زميله السابق الذي يعود الى زمن القرن التاسع عشر. فهو "يستعير" منه تناوب الاعمدة المستمر بايقاع اشكالها "الفرتكالية" ويجعل منها مفردته التصميمية المفضلة وحله التكويني - الفضائي المرغوب. اذ تحضر تلك "الجملة" المعمارية بمقياسها ومقاساتها المتنوعة في جوهر القرارت المتخذة للحلول التصميمية. ان لونها الابيض الساطع وما تنتجه لعبة "الظل والنور" من توظيفات تلك الاعمدة الشاقولية مع ظلال مسقفاتها، ووضوح المفردة التصميمية المستعملة و"مينماليتها" Minimalism المتقشفة واستخدام المناسيب المتفاوته، هي "كل" الادوات التى يتعاطي معه المعمار في حله لمعضلته التصميمية. وفي النتيجة فنحن ازاء عمل ذكي يتسم على بساطة مرغوبة وهدوء تفصيلي يدلل بوضوح عن "وظيفية" الاحياز الجديدة المضافة المثرية للبيئة المبنية التى تتواجد فيها ومعها.

ثمة مشاريع عديدة في مناطق مختلفة من العالم، نفذها بنجاح وبلغة معمارية مميزة مكتب "دافيد تشيبرفيلد معماريون"، اشادت لجنة تحكيم الجائزة بها وبمقاربتها المعمارية مثل: "متحف النهر والتجديف" (1997) في بريطانيا، و"متحف جوميكس Jumex" (2013) في المكسيك، ومشروع "مصلى مقبرة إيناغوا Inagawa ومركز الزوار" (2017) في اليابان، و"مقر "أموري باسفيك" Amorepacific الرئيسي" (2017) في كوريا الجنوبية، اضافة الى المشروع البرليني الذي اشرنا اليه وغير ذلك من المشاريع العديدة التى منحت مكتب "دافيد تشيبرفيلد معماريون" حضورا لافتا في المشهد المعماري العالمي وخطابه. ونرى ان قرار هيئة تحكيم الجائزة المرموقة، كان مصيباً جداً و.. عادلاً ايضاً في اختيارها الفائز لهذا العام.

 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالصور| تظاهرات حاشدة أمام وزارة التخطيط للمطالبة بتعديل سلم الرواتب

805 قتلى وجرحى بأعمال شغب مستمرة في بنغلاديش

مجلس النواب يعقد جلسته برئاسة المندلاوي

خبراء يحذرون: أغطية الوسائد "أقذر من المرحاض" في الصيف

القبض على 7 تجار مخدرات في بغداد وبابل  

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram