طالب عبد العزيز
لم ألتق عربياً من اهلنا في الاحواز- كلهم من الشيعة-إلا وحدثني عن نفوره وبغضائه لنظام الحكم في ايران، وهناك إجماع على أنَّ الحكومة تمارس اضطهاداً وتمييزاً يبلغ درجة عليا في العنصرية بحقهم، وهذا أمر نلمسه في زياراتنا المتكررة الى أهلنا وأبناء عمومتنا، المنتشرين في الجنوب الايراني كله، والذين يكررون علينا قولهم: بانهم عربٌ وعراقيون، ويتطلعون الى يوم خلاصهم من محنتهم مع النظام. ألم يكن الشيخ خزعل مرشحاً لعرش العراق ذات يوم؟
كلنا يعرف أنْ ليس في هذا القول من جديد، لكننا نعجب من إصرار الأحزاب والقوى الدينية العراقية من محاولاتها في نقل الانموذج الايراني الى بغداد!، وإذا تأملنا القضية من أربع جهاتها لن نعثر على موجب لذلك، فالحكومة الايرانية ذاتها تضيق ذرعاً بقيود نظامها، وتسعى جاهدة الى التخفيف منها عن شعوبها، نتيجة الرفض العارم لها، وما التظاهرات التي هزت مدن الجمهورية الاسلامية الاخيرة، اثر مقتل الناشطة مهستي اميني ببعيدة عنا، ومن يتجول في الجنوب العربي هناك ويقارن بينها والمدن الاخرى يخلص الى الاسباب تلك.
في فهم التجارب لا بدَّ من البدء من حيث انتهى الآخرون، وتكرار الاخطاء إمعانٌ في أمرين أولهما الغباء وثانيها التعمد والاصرار عليه، ومؤسف أنَّ مقاليد البلاد بأيدي الاثنين معاً، فما حدث في التصويت على قانون سانت ليغو يفصح أكثر، ويأخذنا الى مهاوي لا يعرف أحدٌ خلاصاتها. ترى ماذا لو أنَّ أبناء التيار الصدري قرروا شيئاً آخرَ؟ على الرغم من وجودهم خارج البرلمان الآن، وماذا لو اتفقوا مع قوى المعارضة وملأوا الشوارع هتافات واسلحةً، ما الذي سيجنيه جماعة الإطار من ذلك؟ ثم أين العقل السياسي خارج تحديات العاطفة والتشنجات والمصالح الضيقة؟
أنْ ترضي إيرانَ وأنت غاضب لأبناء شعبك قضية بلا منطق، وأن تمنح ولاءك لحكومة يكرهها ابناء جلدتك من العرب الشيعة لهو أمر عجاب، وبلا مخرجات صحيحة، وينطوي على ارتدادات مخيفة، فضلاً عن خيانة الضمير وبخس حق القوم الذين أنت منهم. حين أجبر النبي محمد(ص) على الخروج من مكة قال:" والله إنك لخيرُ أرض الله، وأحبُّ أرض الله إلى الله، مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ وأَحبَّكِ إلَيَّ، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ."
أمريكا عدوة الشعوب، لعله عنوان كتاب قرأناه، ثم عرفنا بأنَّ دولة الولايات المتحدة إنما قامت على إبادة سكان القارة الاصليين، من الهنود الحمر، وأنَّ جرائمها توالت على طول وعرض القرن العشرين، من فيتنام وكوريا الى أفغانستان الى العراق وسوريا وليبيا.. ثم يأتي من يعتقد بأنَّ أمريكا تعاضد الشعوب المضطهدة، وتمنحها الديمقراطية وتساعدها في انقاذها من الفقر!! وأنها تصطرع مع إيران لأنقاذ العراق، غير مدرك بأنَّ أفضل صراع للاقوياء هو الذي يتم خارج خرائط دولهم. لا نعرف متى يدرك حكامنا (الوطنيون) جداً بأنَّ مصلحة العراق تقتضي الاخلاص للأرض والناس والنأي عن تقريب هذا وتلك.
حالُ العرب في الاحواز لا يختلف عن حالنا في النخل، كلنا بماء واحد، وكلنا ضحايا انظمة دينية، لا تقيم وزنا لمصلحة شعوبها. الولاء المفرط لإيران، الذي يتخذه جماعة الإطار لن يتقدم بالبلاد خطوة للأمام، وما حدث في مبنى البرلمان أثناء التصويت سيكون وبالاً على البلاد، هناك احتقان يكاد ينفجر في الاوداج، والله نسأل ألّا يحيقَ المكرُ السيءُ إلّا بأهله.