حيدر نزار السيد سلمان
في كتاب جعفر الخليلي(هكذا عرفتهم)نجد هناك الكثير من سيَر شخصيات نجفية وعراقية وعربية، وفيه حوادث تدور داخل النجف القديمة، وعندما كتب مؤرخ النجف الأول جعفر محبوبة كتابه التوثيقي التاريخي (ماضي النجف وحاضرها) وزّع الأسر النجفية على محلات المدينة التي دارت فيها أحداث كثيرة ومهمة،
وعندما كتب زهير الجزائري عن ذكرياته النجفية فقد أرّخ للأحداث وجغرافيتها، وفضلاً عن هؤلاء هناك الكثير ممن كتب عن المدينة وسردياته التي دارت في هذه الأزقة والحارات المليئة بالجوامع والمقابر لشخصيات مؤثرة وفيها بيوتات تراثية مازال يسكنها أهلها، والحقيقة أن من يريد أن يشاهد ماقرأه في الكتب التي تحدثت عن النجف وعن مساكن شخصياتها فالكثير منها مازال موجوداً، ويمكن لمحبي التاريخ ان يعيشوا اوقات صمت روحي يسترجعون فيه التاريخ ورح المدينة النابض.
تشكّلت الأطراف الأربعة التي تتكون منها المدينة القديمة (الحويش، المشراق، البراق، العمارة) بشكل متوازِ مع الضريح المقدس للإمام علي بن أبي طالب ليشكلا نسيجاً عمرانياً واجتماعياً واحداً، فكل واحد منها مكملٌ للآخر بل هما وحدة واحدة لايمكن الفصل بينهما، وأية عملية فصل ستفقد الثاني أساسه، ولعلّ الوصف الدقيق للشاعر الشعبي النجف يوسف الترك يضيف معنى مثيراً، فقد وصف الأطراف الأربعة بالأخوة الموزعين على أربعة بيوت تحت أنظار أبيهم الراعي المحب الإمام العظيم، لكن كل ذلك وغيره لايبدو نافعا أمام محاولات محو هذه الأطراف وإزالتها لأغراض توسعة الصحن العلوي، وبدل أن تتحول هذه الأطراف الى جزء من الصحن بعد اصلاحها واعمار ماتخرب منها ووضع العلامات الارشادية للاستدلال على المواقع والاماكن المهمة يجري عملٌ محموم لشرائها وإزالتها، وبالفعل تمّت أعمال إزالة لعدد من المواقع التراثية ورغم المعارضة من قبل مثقفين وأكاديميين وغيرهم فإن إدارة العتبة العلوية تبدو وكأنها عزمت على ماتريد فعله.
لايمكن ان نحصر مسؤولية التصدي لمايحدث بالنجفيين وحدهم بل لابد ان تتوسع لتشمل الجمعيات والنقابات الثقافية والعلمية وكذا تشمل المعماريين والفنانين المهتمين بالتراث والحفاظ عليه؛ لإيقاف أعمال التخريب المتعمد، بل لابد من تدخل الحكومة بشراء مايمكن شراؤه وتحويله الى اماكن تراثية.
وهنا نسأل السؤال المهم: من سيُنقذ تراث النجف وحاراتها القديمة؟ ومن سيتحرك ليقول كلمته للتاريخ؟
فالأمم الطارئة تبحث عن بقايا أثر، لتتباهى به، ونحن نزيل إرثًا ماديا ومعنويًا عمره مئات السنين!