علي حسين
ظلَّ القراء العرب منقسمين بين الأدب الألماني وغريمه الفرنسي، صفٌّ طويلٌ منهم تأثروا بسارتر وكامو ورامبو، فيما قلّة قليلة كانت تقترب من أعمال توماس مان وهاينريش بول.
منذ أن قرأت رواية الألماني أريش ماريا ريمارك "ليلة لشبونة" وأنا أتوقف عند محنة الإنسان في مجتمعات يسودها الخوف والانتهازية وأتوقف عند الدرس الذي أراد منا الروائي الشهير أن ندركه، وهو العمل على أن لا يصبح للجهل والخوف قوانين تتحكم في مصائر الناس، فنحن إزاء كاتب ظل يؤمن للحظة الاخيرة بأن الأمم لا يصيبها الخراب إلا عندما يستبيح الجهل الناس، في مدن الجهل والانتهازية نعيش مع ساسة يحوّلون الحق إلى ضلالة والحياة إلى جحيم يكتوي بنارها معظم العراقيين، في مدن الخراب تغيب العدالة وتصبح الديمقراطية مجرد واجهة لسرقة أحلام الناس ومستقبلهم، لتتحول إلى شعارات وخطب يلقيها علينا صباح كل يوم مجموعة من الانتهازيين واللصوص والمزوّرين.
استعدتُ أحداث رواية ريماك "ليلة لشبونة" وأنا أقرأ تقريراً نشرته صحيفة العربي الجديد بعنوان "دبلوماسيو المحاصصة في العراق: فضائح متكررة"، وفيه تقدم الصحيفة جردة بالأعمال الصبيانية وغير المسؤولة التي قام بها عدد من السفراء وكان آخرها ما قام به القائم بالأعمال العراقي في البحرين "مؤيد عمر عبد الرحمن" الذي لا نعرف كيف أصبح سفيرا وما هي مؤهلاته؟.. كنا من قبل قد قرأنا عن فضيحة أولاد السفير العراقي لدى البرتغال سعد محمد رضا الذين قاموا باعتداء وحشي على صبي برتغالي، وشاهدنا كيف تحول أعضاء في حزب الإصلاح الذي أسسه إبراهيم الجعفري إلى سفراء بغمضة عين، والآن يحتلون مواقع في عدد من دول العالم، وقرأنا في الصحف خبر القاء السلطات السويسرية القبض على "اثنين من موظفي البعثة الدبلوماسية العراقية في جنيف تورطا في عملية تهريب سكائر مستغلين صفتهما الدبلوماسية، وبلغت قيمة السكائر ما يقارب المليونين دولار".
أعقبت ذلك حكاية القنصل العراقي في مدينة مشهد الإيرانية الذي حول القنصلية إلى شركة تجارية عام 2018. وشاهدنا السيد حامد البياتي الذي تحول من ممثل للعراق في الأمم المتحدة إلى سمسار عقارات بملايين الدولارات.
في كل مرة نقرأ القائمة التي تضعها الحكومة بالاتفاق مع البرلمان وفيها أسماء السفراء، فهذا ابن النائب فلان، وذاك شقيق النائب علان، وهذه ابنة السياسي المعروف وهؤلاء من عشيرة المسؤول الكبير وهناك الأصدقاء والأحباب، كل هذه "الكفاءات" حولت سفاراتنا إلى ملتقيات تجارية وإلى أماكن وضعت العراق على خارطة الدول الأكثر فشلاً.
منذ أن ترك ساستنا "المعارضة" وجلسوا على كراسي السلطة، كان واضحاً للمواطن أنهم لن يتخلوا عن مقاعدهم، وأنهم يعدون أبناءهم وأقاربهم وأصحابهم لمناصب جديدة، لذلك تراهم يتبادلون الشتائم واللعنات، لكنهم يجلسون تحت قبة البرلمان لكي يفصلوا ثوباً جديداً لسفارات بلاد الرافدين .