فين اندرين
ترجمة: المدى
في العاشر من شهر آذار الماضي، صدر بيان مشترك بين الولايات المتحدة وأوروبا أثناء زيارة أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، لواشنطن.ووفق ماورد فيه، فقد أثار هذا الإعلان المشترك بين الولايات المتحدة وأوروبا ردود فعل، للأسف ليس من مئات الملايين من الأوروبيين الذين من المفترض أن "تمثلهم" السيدة فون دير لاين، ولكن على الأقل داخل الاتحاد الأوروبي.
بدءا، تجدر الإشارة إلى أن هذا البيان متاح باللغة الإنجليزية فقط، وليس باللغة الألمانية أو الفرنسية، أو بأي من اللغات الرسمية الأخرى للاتحاد الأوروبي. وهذه علامة واضحة على زحف الولايات المتحدة على أوروبا.لكن الأمر الأكثر جدية من الشكل هو أن هذا الإعلان المشترك يتبنى موقفًا عدائيًا واضحًا تجاه الصين. وفي الواقع، يعتبر الصين "منافسًا استراتيجيًا".
ويدرك الجميع نزعة الولايات المتحدة إلى اعتبار أية قوة مستقلة تشكل عقبة أمام الهيمنة الأمريكية "منافسة"، فهذا هو المصطلح الرسمي الذي تستخدمه الولايات المتحدة بالفعل لوصف الصين. وبالنسبة لواشنطن، فإن "المنافس" هو ببساطة تعبير ملطف عن "العدو". وإن النظر إلى الصين بهذه الطريقة هو مجرد علامة أخرى على سياسة خارجية تتسم بجنون العظمة لسلطة أميركية تواجه رفضا كبيرا لنموذجها في عالم أحادي القطب.
ومن المؤكد ان لامصلحة لأوروبا على الإطلاق في تبني مثل هذا الموقف. ولكن من خلال التوقيع على هذا الإعلان، فإن السيدة فون دير لاين تربط الاتحاد الأوروبي، وبالتالي سكانه، بموقف مشترك مع الولايات المتحدة ضد الصين، بينما تشير مصادر داخل الاتحاد الأوروبي إلى أن العلاقات الصينية الأوروبية "تتجاوز مجرد اختصاص المفوضية الأوروبية" التي تترأسها أورسولا فون دير لاين.
في هذا السياق، يقول الموقعان المشتركان إنهما يريدان منع "رأس المال والخبرة والمعرفة للشركات الاوروبية من تغذية التقدم التكنولوجي الذي من شأنه تحسين القدرات العسكرية والاستخبارية لمنافسيهم الاستراتيجيين" أي الصين وروسيا.
بالإضافة إلى ذلك، يتهم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في هذا البيان الصين بـ "سياسات وممارسات غير سوقية"، بينما لايمكن اعتبار الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي مثالان في هذا الصدد. إنهم يستغلون الماضي البعيد، عندما كانت المجتمعات الغربية أكثر حرية مما هي عليه الآن، وعندما كان للدول قبل كل شيء دورا سياديا.
وماذا عن أحدث الأمثلة؟ هنالك قانون خفض التضخم الذي تم تمريره في صيف عام 2022، والذي من المفترض أن يكون هدفه خفض التضخم، أو خطة الاتحاد الأوروبي الصناعية للاتفاق الأخضر، وكلاهما مذكوران، بالنسبة للصفقة الخضراء الأوروبية، فهي تمزج بين رأسمالية المحسوبية والرغبة في التخطيط الاقتصادي المركزي، وهذه المرة على المستوى الأوروبي. ومن الواضح أن هذه البرامج تؤكد فقط "السياسات والممارسات غير السوقية" التي كانت موجودة منذ فترة طويلة في الغرب.
ومع ذلك، لا بد من الإشارة إلى أن "جو بايدن يقسم نخب الاتحاد الأوروبي حول الصين". وفي الواقع،لاتريد المفوضية الأوروبية والمجلس الأوروبي قيادة الاتحاد الأوروبي في نفس الاتجاه فيما يتعلق بالصين: وبينما تستمع رئيسة المفوضية الأوروبية فون دير لاين إلى جو بايدن الذي يملي عليها تشديد السياسة تجاه بكين، يريد رئيس المجلس الاوروبي تشارلز ميشيل الأكثر اعتدالاً تجنب المواجهة. ويصر كبار المسؤولين في المجلس الأوروبي، بمن فيهم رئيسه تشارلز ميشيل، على نهج أقل تصادما مع الصين. فمن الواضح أن المجلس، حيث يجلس رؤساء الدول الأوروبية، أكثر تمثيلا لمصالح أعضاء الاتحاد الأوروبي. وتعتبر بعض الدول الأعضاء أن موقف فون دير لاين لا يتوافق على الإطلاق مع موقفه تجاه الصين.فقد قال مسؤول في المجلس الأوروبي: "نحن شركاء للولايات المتحدة ولكننا لسنا دولة تابعة لها. ونعتقد أنه لا ينبغي لنا فصل أنفسنا تمامًا عن الصين ".
ويبدو أن الاتحاد الأوروبي يكافح منذ عدة سنوات من أجل تعزيز موقفه في مواجهة الصين، لأنه ومنذ عام 2019 أصبحت الأخيرة رسميًا " شريكًا للتعاون والتفاوض، ومنافسًا اقتصاديًا ونظاميًا في الوقت ذاته ". ومن المؤكد أن هذا المزيج من الأدوار المتناقضة لا يعطي بكين الكثير من الوضوح. إنها رسالة غامضة ومربكة تعكس الفصام السياسي النموذجي للطبقة الحاكمة الأوروبية في هذا الصدد: فمن ناحية، هنالك الرغبة في إرضاء سيدها الأمريكي باستمرار وفي نفس الوقت الحفاظ على علاقات تجارية جيدة مع الصين. واليوم، تجسد السيدة فون دير لاين والسيد ميشيل هذين الموقفين المتباينين.
وبالتالي فإن هذا الإعلان المشترك بين واشنطن وبروكسل يأتي بنتائج عكسية تمامًا بالنسبة للاتحاد الأوروبي.إنه يسلط الضوء مرة أخرى ليس فقط على الافتقار إلى الواقعية في العلاقات مع الصين ولكن أيضًا الامتياز الذي لا يزال قائما في الغرب. إنه نفس الموقف المتمثل في دعم "نظام دولي قائم على القواعد"، والذي لم يتم تحديده بوضوح على الإطلاق والذي يخدم فقط إضفاء الشرعية على العالم أحادي القطب المتمركز حول واشنطن.
وأيا كان ما يمكن قوله عن الحكومة الصينية فيما يتعلق بالسياسة الداخلية، فهي تدعو إلى عالم متعدد الأقطاب يفترض المساواة بين الدول، على أساس التجارة وعدم التدخل. وهذا عكس سياسة المواجهة والتدخل المستمر في شؤون الآخرين التي تنتهجها واشنطن. ولدى الليبراليين أسباب عديدة لتفضيل العالم متعدد الأقطاب الناشئ، وبالتالي فهم يشجبون هذا الإعلان المشترك بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
· كاتب ليبرالي فرنسي