TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: لماذا يكره الفاشلون الفرح؟

العمود الثامن: لماذا يكره الفاشلون الفرح؟

نشر في: 5 إبريل, 2023: 08:44 م

 علي حسين

منذ سنوات وأنا أواظب على الذهاب إلى شارع المتنبي، في صباي كنت أحرص على قراءة الكتب التي تثير الأسى والحزن، متجولاً في صفحات آلام فارتر لغوته، وكنت سعيداً وأنا أكتشف أن المؤلف كتب الرواية بعد ان تحطم حبُّه، فقرر أن يبحث عن بطل من الخيال يبث فيه أحزانه وشكواه.. ثم أخذت أنتظر أن تكتمل أجزاء بؤساء فكتور هيجو ..

كنت واحداً من كثيرين يذهبون إلى الحياة بحثاً عن الأحزان، كنا حزانى بلا سبب، متشائمين، نقرأ الكتب التي ترشُّ الحزن علينا ..كنا نميل إلى الحزن فيما العالم حولنا يعيش سعادة وطمأنينة، بعدها تكفل نظام "القائد الضرورة" بتأسيس ثقافة الحزن عبر حروب مجنونة وزعت موتها على كل بيوت العراقيين.

الحزن والكآبة والتعوّد على طقوسهما، موضوع كتاب صدر قبل سنوات بعنوان "ضدّ السعادة"، حشد فيه مؤلفه إيريك جي. ويلسون جميع الشواهد التي ينبغي أن تردعنا عن الإحساس بأي معنى للتفاؤل، فالمؤلف يقول لك: "الحزن منبع الإبداع، ومصدر كثير من الفنون والشعر والموسيقى العظيمة. والمؤلف يبدو رجلاً كئيباً، حاول كل شيء: الهرولة الصباحية، اليوغا، أفلام المغامرات، الاستعداد لأكل الوجبات السريعة، كل ذلك لم يجعل منه سعيداً، ليقرر بالتالي أن يعتنق الحزن ويفلسف له، ولم يتوقف عند هذا الحد، بل إنه يتساءل إن كان العالم سيكون في حال أفضل أم لا لو خلا من الكئيبين أمثاله.

تذكرت كتاب صاحبنا، وأنا أقرأ كتاباً بعنوان "السعادة" للكاتب الأمريكي نيكولاس وايت، وفيه يحاول المؤلف أن يقول لنا إن السعادة نتاج لمجتمعات متطورة تحترم الإنسان وحقوقه ويستشهد المؤلف بمحاورة لأفلاطون وأستاذه سقراط في كتاب الجمهورية، حيث يلقي المعلم الدرس المهم على تلميذه: أتعرف ما هي السعادة؟.. إنها خير آخر.. وحين يسأل أفلاطون عن الأرض التي تزدهر فيها السعادة يقول سقراط: تخضر السعادة وتزدهر في أرض تشيع العدالة الاجتماعية، وأنا أقرأ هذه الجملة تساءلت: هل نحن مجتمع سعيد؟، كيف.. وحولنا مظاهر الحزن التي يحاول سياسيونا إحياءها وتعميمها عبر ممارسات تعيد العراق إلى زمن العصور الوسطى؟، فالموسيقى حرام لأنها تثير الغرائز، والغناء رجس من عمل الشيطان، والفرح مهنة أصحاب الدنيا، ونحن نريد أن نؤسس لثقافة الحياة الآخرة، زينة المرأة غواية، الضحك طريق إلى جهنم!

سياسيون لا نعرف ماذا يريدون! ويكون الجواب: ليس لديهم شيء، ليست لديهم إلا شهوة احتلال مؤسسات الدولة، ليدمروها ويجلسوا على أطلالها، ثم نراهم من خلال الفضائيات مستمتعين بانتصاراتهم المزيفة، يعتقدون أن الدول تبنى بالخطب والشعارات والأمنيات.

لا يعرفون القاعدة الذهبية التي قالها أحد أبطال رواية ديكنز الشهيرة "الآمال العظيمة" من أن الحصول على السعادة يتأتى من تطور أدوات الحكم وقربها من هموم البسطاء .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

 علي حسين في السبعينيات سحرنا صوت مطرب ضرير اسمه الشيخ امام يغني قصائد شاعر العامية المصري احمد فؤاد نجم ولازالت هذه الاغاني تشكل جزءا من الذاكرة الوطنية للمثقفين العرب، كما أنها تعد وثيقة...
علي حسين

زيارة البابا لتركيا: مكاسب أردوغان السياسية وفرص العراق الضائعة

سعد سلوم بدأ البابا ليو الرابع عشر أول رحلة خارجية له منذ انتخابه بزيارة تركيا، في خطوة رمزية ودبلوماسية تهدف إلى تعزيز الحوار بين المسلمين والمسيحيين، وتعزيز التعاون مع الطوائف المسيحية المختلفة. جاءت الزيارة...
سعد سلّوم

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

احمد حسن تجربة الحكم في العراق ما بعد عام 2003 صارت تتكشف يوميا مأساة انتقال نموذج مؤسسات الدولة التي كانت تتغذى على فكرة العمومية والتشاركية ومركزية الخدمات إلى كيان سياسي هزيل وضيف يتماهى مع...
احمد حسن

الموسيقى والغناء… ذاكرة الشعوب وصوت تطوّرها

عصام الياسري تُعدّ الموسيقى واحدة من أقدم اللغات التي ابتكرها الإنسان للتعبير عن ذاته وعن الجماعة التي ينتمي إليها. فمنذ فجر التاريخ، كانت الإيقاعات الأولى تصاحب طقوس الحياة: في العمل، في الاحتفالات، في الحروب،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram