ستار كاووش
لم أكد أنتهي من الخوض في موضوع الفنانين الذي تأثروا بغيرهم، والذين يستسهلون العملية الإبداعية بشكل عام، حيث يقومون بتكرار تقنيات تعود لفنانين آخرين، ومضيتُ مع نفسي أفكر بروح الرسم الخالدة والأعمال المهمة التي تمضي الى الأمام وتبقى مضيئة مع مرور الزمن،
حتى ظهرت أمامي مشكلة أخرى كبيرة ولا يمكن تجاوزها بأي شكل من الأشكال، لدرجة إن المشكلة الأولى بدتْ أمامها ثانوية ويمكن التعايش معها نوعاً ما، مع بعض الحيطة والتحذيرات. نعم مشكلة لا يمكن السكوت عليها، تظهر وهي ترتدي ثياباً فنية زائفة، من أجل الحصول على الأموال بطريقة غير شرعية، وهي برأيي الشخصي أكثر قسوة وأشد عنفاً من كل ما يمكن أن يمر بالفنانين. فقد إكتشفت إن هناك مؤسسة أو موقع على النت، يطبع أعمالاً لفنانين عراقيين وأجانب بحجوم مختلفة حسب الطلب، وبيعها بأسعار معينة في دول عديدة، حيث تُرسل لمن يريد والى أي عنوان خلال يومين!! ولا يهم من يكون الرسام الأصلي لهذه اللوحات، فسواء كان فان خوخ أو ستار كاووش أو أي رسام عراقي أو أجنبي آخر، فالأمر غير مهماً على الإطلاق، والأهم هو إيجاد الزبون الذي سيشتري هذه الطبعة أو تلك، في ظل هذه الظروف التي باتَ فيها كل شيء مباحاً تقريباً وإنتشار السرقات الكبرى والصغرى في البلد.
هكذا يضعون عنوان (… خاتون) لهذا الغاليري الذي يبدو واجهة وهمية ملتبسة لمؤسسة تضع يدها على أعمال الفنانين وتبيعها مطبوعة بأثمان بخسة، فيما يجاهد الفنانون الذين رسموا اللوحات الأصلية وهم حائرون بلوحاتهم التي لا يشتريها أحد!! وبالنسبة لي شخصياً فقد وجدتُ في موقعهم مجموعة من لوحاتي، وسأبحث بالتأكيد عن لوحات أخرى من لوحاتي التي يتصرفون بها دون علمي أو درايتي. والمشكلة في لوحاتي التي يبيعون طبعات منها، هي إن اللوحات الأصلية لها مقتناة من قبل أصحاب مجاميع خاصة، وقد دفعوا لقائها مبالغ جيدة، فكيف سيكون حالهم حين يجدون إن اللوحات (الأصلية) التي بحوزتهم تُنتجُ منها مئات النسخ المطبوعة وتُباع لآخرين بأسعار رخيصة؟؟ بهذه الطريقة يقوم الغاليري المزعوم، بطباعة الأعمال ويمضي لبيعها هنا وهناك، دون أن يرف لأصحابه جفن ولا يشعرون بأي حرج، وفوق هذا يَرِدّونَ بكل ثقة على من يهتم ويسأل حول تفاصيل اللوحات في موقعهم، بأنهم يستطيعون طباعة أية لوحة وبأي حجم، وسيوصلونها لأي عنوان!! هكذا يبيعون أشياءً توهموا بأنها ملكهم الشخصي أو ربما ورثوها عن أهلهم. ويتصرفون بلوحات الآخرين كإنهم هم الذين رسموها وابتكروا خطوطها وألوانها ومعالجاتها، لذا من حقهم أن يتاجرون بها في أي وقت يشاؤون ويرسلونها الى أي مكان يدفع!! حقاً إن لم تستحِ فإفعل ما شئت!
أنا ما زلت على قيد الحياة ياسادة ياكرام، وهذه اللوحات هي بمثابة حياتي التي تَعِبتُ وإجتهدتُ وقضيت أوقاتاً طويلة في رسمها. كيف تبيحون لأنفسكم طباعة نسخ من هذه اللوحات وتبيعونها نهاراً جهاراً كإنها من ممتلكاتكم الشخصية؟ وكي لا يتوهم البعض، ويبدو لهم الأمر شخصياً ويتعلق بلوحاتي فقط (رغم إن هذا أيضاً يعتبر خرقاً كبيراً)، فالأمر لا يتعلق فقط بلوحات العبد الفقير، بل شمل الكثير من الفنانين العراقيين والأجانب، وكإن من يقوم بهذا الفعل قد اشترى حقوق اللوحات الفنية من كل الفنانين وصار يتصرف بها على هواه!! فحتى متحف اللوفر ياسادة لا يقوم بطباعة اللوحات أو الكتب الفنية والتذكارات سوى من المجموعة الخاصة التي يمتلكها، وإلا سيتعرض للمساءلة والغرامات الكبيرة، كذلك كل المتاحف والغاليرهات وحتى أصحاب المجموعات الخاصة، فهذه المؤسسات الفنية هي لا تتصرف وتتحكم إلا بحدود الأعمال الفنية التي ضمن ممتلكاتها.
أطالب حقاً أن تتدخل وزارة الثقافة للتصدي لهذا الأمر، وبالأخص دائرة الفنون التشكيلية التي أثبتت دائماً تأثيرها وإحاطتها بما يحدث للفن والفنانين وخاصة بأدارتها الجديدة المتمثلة بالفنان الباهر فاخر محمد الذي خطا بها في الفترة الأخيرة خطوات رائعة. كذلك جمعية الفنانين التشكيليين التي تعتبر البيت الأول للتشكيلي العراقي والمدافع عن حقوقه وما يصيبه من خروقات، وبوجود رئيسها الفنان المؤثر في الحركة التشكيلية قاسم سبتي ومعه الإدارة المتمثلة بمبدعين رائعين.
ربما لا يعرف الكثيرون حجم الألم الذي يصيب الفنان معنوياً ونفسياً وحتى مادياً من جراء هذه الإنتهاكات التي علينا التصدي لها، والوقوف بوجه أصحاب المعاول التي تبغي تهديم أصالة الفن وقيمة الأعمال الفنية لأغراض شخصية غير مشروعة، كذلك نُحَذِّر من يتشري هذه الأعمال دون دراية الفنان وموافقته. وحسب معرفتي الشخصية بحقوق الأعمال الفنية في العالم، إن حدثَ هذا في بلد آخر، فالأمر سيتخطى الكتابة في الصحف والشجب والاستنكار، وسيمضي مباشرة الى المحاكم والعقوبات الرادعة التي تقف وراءها قوانين لا تسمح لأي شخص مهما كانت مكانته، بالعبث بجهود الآخرين، وخاصة فيما يتعلق بالثقافة والابداع والجهود الفردية التي تُضيء روح المجتمعات وتمنح قيمة لحضارة البلد.