TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > رامبو وفاغنر.. حرب باردة وأخرى ساخنة

رامبو وفاغنر.. حرب باردة وأخرى ساخنة

نشر في: 12 إبريل, 2023: 10:58 م

حقائق ومفارقات

علاء المفرجي

فاغنر هو الاسم الشائع في السياسة الدولية الان، خاصة بعد مشاركتها (الرسمية) والفعلية في الحرب الروسية الأوكرانية، وهي ببساطة شركة عسكرية روسية الخاصة، وقد نشطت المجموعة على مدى السنوات الثمان الماضية في كل من أوكرانيا وسوريا وعدد من الدول الأفريقية، واتُهمت مرارا بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان.

ولكن ما علاقة أسم (فاغنر) الموسيقي والكاتب المسرحي الألماني، الذي ولد في لايبزغ، سنة 1813، وتوفي في البندقية، إيطاليا سنة 1883. وطبقت شهرته الآفاق، حيث يصفه مؤرخو الموسيقى باعتبار أن النصف الأول من العصر الرومانسي في الموسيقى سيطر عليه بيتهوفن، والنصف الثاني ريتشارد فاغنر.

وهنا يبرز سؤال أخر، هو لماذا (فاغنر)؟، التقارير الشائعة تقول: ان الاسم هو انخراط لضابط الجيش الروسي السابق، دميتري أوتكين، البالغ من العمر 51 عاما، في بدايات نشاط الشركة إذ يُعتقد أنه أسس شركة "فاغنر" وأعطاها اسمها - تيمناً بلقبه أو اسمه الحركي السابق حين كان ضابطا. وأوتكين من قدامى المحاربين في حروب الشيشان، وضابط سابق في القوات الخاصة وكذلك في المخابرات العسكرية الروسية.

المفارقة أن الحرب الباردة والتي اشتد أوارها منذ بداية ستينيات القرن المنصرم، انجبت من ضمن ما انجبته، شخصية (رامبو)، كأسم لبطل فيلم من خمسة أجزاء وهو يلخص قصة انسان خارق في حروب الولايات المتحدة الأميركية، وتخلع على مدى الأجزاء الخمسة عليه، كل سمات البطولة والقوة، وذلك من خلال التأثير على الجماهير، حيث حاول استغلالها لخدمة سياستها و أهدافها، و قد ظهر ذلك جليا في الحرب العالمية الثانية وفي حرب فيتنام وحرب العراق و حرب أفغانستان، و الحرب الباردة....حاول رجال السياسة في البيت الأبيض و البنتاغون إقامة علاقات متينة مع رجال السينما في هوليوود، في هذه المداخلة.

وقد سخرت هوليوود لهذا الفيلم كل عوامل النجاح ابتداء من انتاجه الضخم وليس انتهاء بتظافر كل العناصر الفنية لنجاحه، والسبب هو لإدامة فاعلية الحرب التي كانت تخوضها مع المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي.

وهنا يأتي السؤال مرة أخرى، لماذا اسم رامبو وهو الشاعر الذي يعتبر الأكثر عبقرية بين شعراء فرنسا، مع انه طلّق الشعر في سن مبكرة وانطلق في مغامرات مختلفة، لكن شعره بقي مشعاً في سماء الكلمة والإبداع. رامبو كان أيضا التلميذ المتفوق والشاعر الملعون، والتاجر المفاوض والمسافر الدائم. أما القصائد فبقيت شاهدة على عبقرية فذة لم يترك لها صاحبها ان تبرز الى العلن في كل فصول حياته، فالشعر توقف معه في العشرينات وهو مات في أواخر الثلاثينات من العمر والقصائد بقيت لتشير الى إمكانية ما كان يمكن ان يطور ويعطي فوق أوراقه البيضاء التي تركها كما هي، على لونها ومضى الى مغامرات مغايرة.

ترى هل كانت المؤسسة التي خلعت اسم فاغنر على اعنف فصائلها العسكرية، والتي تدخلت للقتال في اكثر من بلد، تعلم أن هتلر عندما قاد حربه المدمرة، قد أستعان بموسيقى فاغنر وهي تُبث من مكبرات صوت في طائرات الهليكوبتر على الجنود في جبهات القتال، لرفع زخم معنوياتهم وحماسهم للقتال ضد (الأعداء).. ردا على تلك السمفونية الحماسية لشوستاكوفيتش (الحصار) التي بثتها موسكو للجيش السوفيتي من خلال المذياع، لتمنحهم قوة كبيرة في الصمود والقتال، درجة القت الرعب في صفوف الجيش الألماني، وفي قلب هتلر أيضا الذي راح يطلب من المؤلفين الموسيقيين الالمان ان يؤلفوا موسيقى لها نفس التأثير.

وهل كانوا على علم صناع فيلم (رامبو) في هوليوود، وهم يصورون عودة رامبو المقاتل إلى فيتنام لأجل أنقاذ ماتبقى من الجنود الأمريكيين (كذا)، إنه تعرض للتعذيب والإهانة من قبل العسكريين الفيتناميين ومساعديهم من القوات المسلحة السوفيتية، وعندما علم رامبو أن من القائد العام للقاعدة العسكرية الأمريكية بتايلند خان وعده. أقول هل علم صناع الفيلم في هوليوود أن رامبو الشاعر تخلى عن التعليم المدرسي الرسمي خلال سنوات مراهقته، وهرب، خلال (الحرب الفرنسية البروسية)، من منزله إلى باريس، ليس لجبنه على الإطلاق بل لحس الشاعر المرهف في أن لا يزج في الحروب والدماء المستباحة.

هكذا تطلبت الحرب الباردة، قبل عقود من الزمن، وبعدها الحرب الساخنة التي ويعيش العالم طلائعها الأن في أراضي أوربا نفسها، أن تتلبس ملابس الحرب الخشنة وتحل الأسلحة الحديثة لغرض القتل من أجل القتل، رموز أدبية مثل رامبو، وفاغنر والتي استقرت في الذاكرة الجمعية للناس، بوصفها رموز صانعة للجمال والحياة.

يبدو أن اختيار هذه الأسماء لم يكن اعتباطا من منتحليها، قدر ماهي عملية غسل منظم للادمغة، في صلاحية زج كل ما يضج بدلالة الجمال في معارك البشر الحيوانية، حتى وإن كانت أسماء لامعة في تاريخ المنجز البشري مثل رامبو وفاغنر.. واختيارها لم يكن بمنأئ عن دوافع سيكولوجية، وضعها مخططو الحروب، الذين يعانون غالبا من اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، حيث نمط سلوكي سائد من تجاهل وانتهاك حقوق الآخرين، ونقص التعاطف مع الآخرين، صورة ذاتية منتفخة، وسلوكيات استغلالية ومتهورة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق منارات

الأكثر قراءة

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

العمودالثامن: فاصل ونواصل

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

شراكة الاقتصاد الكلي والوحدة الوطنية

العمودالثامن: متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟

 علي حسين إذن، وبوضوحٍ شديدٍ، ومن غير لفٍّ أو دوران، لا تنتظروا إصلاحات ديمقراطية ولا حلاً للأزمات السياسية التي ما أن تنتهي واحدة حتى تحاصرنا واحدة جديدة ، ولا تطمئنوا لأن الإعلام يزعج...
علي حسين

قناطر: السَّرّاجي: القرية والنهر والجسر

طالب عبد العزيز " ثمة قليل من الاغريق في سان بطرسبورغ "جوزيف برودسكيكثيراً ما أسأل نفسي: أيمكن أنْ يكون الشاعر مؤرخاً، أو كاتباً لسيرة مدينته؟ فأجيبُ: أنْ نعمْ. ولعلي الى الثانية أقربَ، فأنا ممسوس...
طالب عبد العزيز

في طبيعة المجتمع المدني في الدولة الديمقراطية ومهامه

د. فالح الحمـراني تطرح قضية تفعيل المجتمع المدني في العراق اليوم نفسها بصورة حادة، لا سيما على خلفية تقصير المؤسسات المنتخبة وأجهزة الدولة في أداء دورها المطلوب حتى في إطار القوانين المتعارف عليها في...
د. فالح الحمراني

الاقتصاد الهندي من التخلف إلى القوة الاقتصادية

موهيت أناند ترجمة: عدوية الهلالي منذ أن بدأت الإصلاحات الاقتصادية في عام 1991، عندما تخلت عن نموذجها الاقتصادي الحمائي والاشتراكي، أصبحت الهند ثالث أكبر اقتصاد (بعد الصين والولايات المتحدة) من حيث الناتج المحلي الإجمالي.،...
موهيت أناند
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram