الشهرة وزيارة بريطانيا
ثائر صالح
الجزء الثالث
كان الأمير نيكولاوس (ميكلوش) أسترهازي (1714 - 1790) سخياً فيما يتعلق بالموسيقى، وقد خصص ميزانية تبز ميزانية البلاط الإمبراطوري ذاته.
ساعد هذا هايدن على التعاقد مع أفضل الموسيقيين والمغنين، وتجربة الجديد من الأفكار في تطوير الأشكال الموسيقية واستخدام الأوركسترا والتوازن الصوتي فيها وتثبيت إستعمال المزيد من الأدوات فيها (الترومبيت والكلارينيت مثلا)، ونسمع هذا التطور التدريجي في سيمفونياته بمرور الوقت. وقد زادت سمعة بلاط الأمير أسترهازي في أوروبا وزاره النبلاء والملوك وتمتعوا بالأعمال التي ألفها هايدن خصيصاً في مثل هذه المناسبات، من سيمفونيات أو أوبرات أو مسرح الظل أو المسرحيات الموسيقية، كل هذا ساعد في نشر سمعة هايدن في أوروبا. وبدأت المدن الأوروبية تقدم أعماله بنجاح كبير. مثلاً أرسل الملك الإسباني كارلوس الثالث علبة تبغ من الذهب مرصعة بالألماس هدية لهايدن بواسطة سفيره في فيينا الذي سافر إلى أسترهازا خصيصاً لهذا السبب. أما فرنسا فقد هامت بموسيقاه وقدم الفارس دو سان جورج (1745 - 1799) في باريس ست سيمفونيات كتبها هايدن بتكليف من كونت فرنسي سنة 1787. وبلغت شهرته هناك حد قيام موسيقيين مغمورين بتأليف وطبع ونشر سيمفونيات لكن بتوقيع هايدن لضمان المبيعات. ووصلت شهرته بريطانيا حيث تلقى دعوات لزيارتها وقيادة أفضل الفرق هناك، لكن هايدن اعتذر عن ذلك لأنه لم يود الاستقالة من عمله عند الأمير ميكلوش الذي لم يكن يسمح لهايدن بترك موقعه في إجازات طويلة. رغم ذلك كان هايدن يعاني من عزلة "فنية" بسبب اقتصار إقامته على آيزنشتات وأسترهازا، بخلاف أقرانه الذين كانوا يقومون بجولات فنية في كل أوروبا. وحتى فيينا العاصمة الامبراطورية كان يزورها لمرات قليلة ولفترات قصيرة، وهناك التقى بموتسارت وعقد معه صداقة رغم الفارق في السن (أصبح الإثنان أعضاء في نفس المجمع الماسوني سنة 1785).
لكن الأمر تغير فجأة بعد وفاة الأمير ميكلوش في خريف 1790، عندها خلفه ابنه أنتون (أنتل) (1738 -1794) الذي حل الأوركسترا بسبب الديون الكثيرة على البلاط وبسبب عدم اهتمامه بالموسيقى والفنون. لكنه أبقى هايدن في وظيفته عنده دون مهام محددة ودون قيود، فاستأجرهايدن بيتاً للسكن في فيينا على الفور. الآن فقط سنحت له الفرصة لزيارة لندن في 1791 للمرة الاولى، وبقي هناك لعام ونصف حيث حقق نجاحاً ساحقاً جلب له ثروة صغيرة. قدم هناك العديد من السيمفونيات ومُنح الدكتوراه الفخرية في جامعة اوكسفورد في تموز 1791، حيث قدمت سيمفونيته المعروفة باسم اوكسفورد (رقم 92) عدة مرات. وقد أطلق الاسم على هذه السيمفونية رغم تأليفها في أسترهازا سنة 1788. تأثر هايدن عند سماع أوراتوريات هندل التي قدمت في مهرجان ضخم في ويستمنستر استمر عدة أيام في أيار وحزيران 1791.
التقى هايدن بيتهوفن الشاب في مدينة بون وهو في طريقه إلى لندن، ومرة ثانية كذلك في عودته صيف 1792، قبل أن ينتقل بيتهوفن إلى فيينا شتاء نفس العام، ليصبح تلميذاً عند هايدن لفترة وجيزة. لكنه لم يحب دروسه في النظرية التي اعتمدت كتاب الموسيقي النمساوي الكبير يوهان يوزف فوكس (1660 - 1741) بقدر اهتمامه بحديث أستاذه عن التأليف الموسيقي وخبراته وكيف بنى سمعته الموسيقية.