TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > فنلندا تواجه حقبة جديدة بعيداً عن الانطوائية السياسية

فنلندا تواجه حقبة جديدة بعيداً عن الانطوائية السياسية

نشر في: 25 إبريل, 2023: 10:12 م

سيريل بريت

ترجمة: عدوية الهلالي

لقد دفع العام الماضي بفنلندا إلى مكان كانت تتجنبه عادة وهو أن تكون في واجهة السياسة الأوروبية، ففي غضون أيام قليلة، من الثاني إلى الرابع من نيسان عام 2023، خرجت جمهورية الشمال من سلطتها المعتادة، وخلال الانتخابات التشريعية،غيرت أغلبيتها في البرلمان واستبدلت رئيسة الوزراء الديمقراطية الاجتماعية سانا مارين، التي كانت ترأس ائتلاف الوسط في السلطة منذ نهاية عام 2019 بالمحافظ بيتيري أوربو، زعيم حزب الائتلاف الوطني اليميني.

وبعد يومين، انضمت فنلندا رسميًا إلى حلف الناتو، وبذلك أصبحت العضو الحادي والثلاثين في الحلف وأيضًا الدولة التي لديها، إلى حد بعيد، أطول حدود مشتركة مع روسيا (1340 كم)، والتي تشكل، في السياق الحالي، تحديًا كبيرًا أمام الاتحاد الأوروبي.

لقد كان القرار المزدوج بتغييرحكومة سانا مارين، والذي كان واضحًا جدًا في أوروبا منذ بداية غزو أوكرانيا، وقبل كل شيء انهاء خمسة وسبعين عامًا من الحياد، قد وضع هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 5و2مليون نسمة في مركز الاهتمام الدولي.

وبعد عام 2022 الذي كان شديد الصعوبة، هل سيكون عام 2023 نقطة تحول تاريخية بالنسبة لفنلندا، ما سيجعل من هلسنكي مركز ثقل سياسي واستراتيجي للاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي؟ وهل ستسعى فنلندا إلى زيادة ثقلها في أوروبا أم أنها ستعود إلى سياسة وطنية أكثر انطوائية؟

لقد شهدت رئيسة الوزراء سانا مارين البالغة من العمر 30 عامًا مرحلة نشطة للغاية وحظيت بتغطية إعلامية كبيرة في أوروبا.فمنذ شتاء عام 2021، تبنت موقفًا حازمًا للغاية فيما يتعلق بروسيا، ووضعت نفسها في الطليعة الإستراتيجية للاتحاد الأوروبي جنبًا إلى جنب مع دول البلطيق (ولاسيما إستونيا كاجا كالاس) وبولندا من قبل ماتيوس مورافيكي.ولم يفتقر موقف حكومة مارين إلى المهارة،ذلك ان الدولة تشترك في حدود برية طويلة جدًا مع جارتها القوية؛ وواجهت منذ عقد من الزمان عمليات توغل روسية في الجو والبر والبحر والفضاء السيبراني؛ وتقع مياهها الإقليمية على مقربة من أسطول بحر البلطيق المتمركز في كرونشتاد وسانت بطرسبرغ. وفوق كل شيء، ومن خلال الانضمام إلى حلف الناتو،خرجت فنلندا من سبعة عقود ونصف من سياسة الحياد التي فرضها عليها الاتحاد السوفياتي في عام 1948، بعد أربع سنوات من هزيمتها في حرب الاستمرار وهي من الحروب التي بين نشبت بين فنلندا والاتحاد السوفيتي خلال الحرب العالمية الثانية وقد استمرت من عام1941 حتى عام 1944والتي حرمتها من إحدى مناطقها التاريخية، كاريليا، التي ضمها الاتحاد السوفيتي والتي تنتمي الآن إلى روسيا.

ويشكل انضمامها حاليا إلى حلف الناتو انقطاعًا كبيرًا للبلاد، فهي الآن محمية بموجب المادة 5، المعروفة باسم المساعدة المتبادلة، من معاهدة شمال الأطلسي، وهي منخرطة في عملية إعادة تسليح مهمة.وتنوي فنلندا فصل نفسها جسديًا عن روسيا بجدار في الجزء الأكثر ضعفًا من حدودها. ولهذا الجدار أهمية سياسية ورمزية بالإضافة إلى الأهمية العسكرية. وفي الواقع، تخشى فنلندا من استغلال المهاجرين كأداة مماثلة لتلك التي نفذتها بيلاروسيا في عام 2021 للضغط على بولندا. كما تعتزم أن تحدد في أعين موسكو الحرمة المادية لهذه الحدود لتجنب "قضم الأراضي" التي لوحظت في جورجيا منذ عام 2008. ويبدو ان المصلحة العسكرية البحتة للجدار محدودة أكثر، كما إن تقدم القوات الروسية كان قد تباطأ لكنه لم يتوقف.

واذا راقبنا التباين بين فنلندا عام 2019 وعام 2023، سنلاحظ ان الحملة الانتخابية للانتخابات التشريعية في 14 نيسان عام2019 تركزت على القضايا الداخلية، مثل إصلاح النظام الصحي ومحاربة البطالة والخلافات حول التعددية الثقافية التي يغذيها الحزب القومي الفنلندي. وقد وضعت الرئاسة الفنلندية للاتحاد الأوروبي (في النصف الثاني من عام 2019) شفافية المؤسسات الأوروبية وحماية المناخ في المقدمة، تحت رعاية الشعار التوافقي للغاية "أوروبا المستدامة - مستقبل مستدام".

ولكن، كان التناقض مدهشًا بعد أربع سنوات، فقد أثبتت فنلندا نفسها في عام 2023 كواحدة من اللاعبين الرئيسيين في الرد الأوروبي على العدوان الروسي على أوكرانيا. وحولت إلى الأخيرة 760 مليون يورو من المعدات العسكرية ودأبت باستمرار على تبني عقوبات أكثر صرامة ضد روسيا، وفي حين أن ترشيح البلاد لعضوية الناتو قسم الفنلنديين منذ فترة طويلة، فإن العدوان الروسي في أوكرانيا حشد غالبية السكان نحوهذا الخيار. ونتيجة لذلك، وخلال الحملة، كان للمناقشات حول روسيا وأوكرانيا وحلف الناتو تأثير محدود لأنه تم التوصل إلى إجماع بين الأحزاب حول هذه الموضوعات. حتى ان حزب الفنلنديين، المعادي لعضوية الناتو منذ إنشائه، اندفع نحو الأطلسي.

فبعد عام من الحرب في أوكرانيا والحملة انتخابية، لم تعد فنلندا قزمًا سياسيًا محكومًا عليه بالتقدير من خلال موقعها الجغرافي. لقد بثت رؤيتها للجغرافيا السياسية الأوروبية بالقول إن الحياد لم يعد تأمينًا على الحياة وأصبح نقطة ضعف. فهل يعني ذلك أن على الاتحاد الآن الاستعداد لظهور ثقل سياسي جديد داخله؟

بعبارة أخرى، ومن خلال الانضمام إلى حلف الناتو، ستتبنى فنلندا سياسة منخفضة، مؤكدة على الاستمرارية بين الشراكة من أجل السلام والعضوية الكاملة في التحالف حتى لا تثير رد الفعل الروسي. ولكن، لم يستمر هذا طويلاً فقد أعلنت موسكو أنها ستزيد من جهودها العسكرية في منطقة الاتصال مع فنلندا وشددت على أنه يتعين على فنلندا الانتظار لتحمل عواقب اختيارها.ولن يتم التشكيك حتما في خط سانا مارين المؤيد لأوكرانيا، لكن بيتري أوربو سيركز قبل كل شيء على القضايا المحلية. ويبدو ان تشكيل الحكومة الجديدة صعب بالفعل، لدرجة أن البلاد ستعود في الأسابيع المقبلة إلى سياسة حزبية كلاسيكية للغاية، لتظهر نفسها على أنها أقل حضوراً على الساحة السياسية الدولية.

وباختصار، يبدو أن فنلندا تميل إلى العودة إلى تقديرها السياسي المعتاد واهتماماتها الداخلية. وغالبًا ما يكون إغراء "العيش بسعادة، والعيش في الخفاء" قويًا في هلسنكي. ولكن، ومن خلال التخلي عن حيادها والانضمام إلى الحلف الأطلسي، تدرك فنلندا انه لن يكون هناك شيء على حاله مرة أخرى.،حتى لو كانت هلسنكي تسعى الآن إلى تبني موقف هادئ إلى حد ما تجاه روسيا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق منارات

الأكثر قراءة

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

العمودالثامن: فاصل ونواصل

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

شراكة الاقتصاد الكلي والوحدة الوطنية

العمودالثامن: متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟

 علي حسين إذن، وبوضوحٍ شديدٍ، ومن غير لفٍّ أو دوران، لا تنتظروا إصلاحات ديمقراطية ولا حلاً للأزمات السياسية التي ما أن تنتهي واحدة حتى تحاصرنا واحدة جديدة ، ولا تطمئنوا لأن الإعلام يزعج...
علي حسين

قناطر: السَّرّاجي: القرية والنهر والجسر

طالب عبد العزيز " ثمة قليل من الاغريق في سان بطرسبورغ "جوزيف برودسكيكثيراً ما أسأل نفسي: أيمكن أنْ يكون الشاعر مؤرخاً، أو كاتباً لسيرة مدينته؟ فأجيبُ: أنْ نعمْ. ولعلي الى الثانية أقربَ، فأنا ممسوس...
طالب عبد العزيز

في طبيعة المجتمع المدني في الدولة الديمقراطية ومهامه

د. فالح الحمـراني تطرح قضية تفعيل المجتمع المدني في العراق اليوم نفسها بصورة حادة، لا سيما على خلفية تقصير المؤسسات المنتخبة وأجهزة الدولة في أداء دورها المطلوب حتى في إطار القوانين المتعارف عليها في...
د. فالح الحمراني

الاقتصاد الهندي من التخلف إلى القوة الاقتصادية

موهيت أناند ترجمة: عدوية الهلالي منذ أن بدأت الإصلاحات الاقتصادية في عام 1991، عندما تخلت عن نموذجها الاقتصادي الحمائي والاشتراكي، أصبحت الهند ثالث أكبر اقتصاد (بعد الصين والولايات المتحدة) من حيث الناتج المحلي الإجمالي.،...
موهيت أناند
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram