TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > بين جورج فلويد و سعد كمبش. . ماذا علينا أن نسأل؟

بين جورج فلويد و سعد كمبش. . ماذا علينا أن نسأل؟

نشر في: 26 إبريل, 2023: 10:36 م

د.حيدر الجوراني

وَجدتني مُنذَهلاً كالمجنون بعد أن حاولتُ الهروب إلى تساؤلات إيليف شافاك، لعَلي أجد ضالتي من الأجوبة.

كيفَ يمكن البقاء عاقلاً في زمن الإنقسامات؟

تُحاول الكاتبة أن تُكثفَ أزمات العالم في حُزمةٍ سرديةٍ واحدة، حتى أنني تَركتُ تشخيصَ جنس الكتاب أ رواية كانَ أم مُذكرات؟

الغوص بينَ حيثيات الزمان و المكان و ثنائياتهما القطبية " هنا وهناك" " الآن و غدا"ً

إين نقف نحن اليوم؟

أو أنا؟ أو أنتِ؟ أو أنتَ؟

نحن منقسمون حتى على ذواتنا، بسبب سوء الإنتقال أو التَحولات الحياتية التي نشهدها في حياتنا. تارة نجد أن تراكمات الماضي و أمكِنَتَهُ تُمسك بتلابيبنا، و تارة نَجتهد في الخوض بعَولمة بَرزخية بين ما هو إفتراضي و ذكاءات صناعية بدأت تتسلل إلى عوالمنا الداخلية.

العالم يسير بتغيرات مجنونة و سريعة لا تُمهلنا حالة من التقبل الصادم لكي نستوعب ردود أفعالنا الإنفعالية ترى هل نغضب أم لا نكترث و نمضي لحالنا؟

إختزلت الرواية عشرين سنة ماضية، و أكاد أن أجزم أنها ضرورة لفهم حالة الهَوس و الفوضى التي نعيشها في ظل نظام ديمقراطي نشأ دون إشعار مُسبق. و أعني بالإشعار المُسبق هو أننا لم نَكن مؤهلين في دواخلنا لأن نتدمقرط كما ينبغي حتى ينتقل بنا الحال ديمقراطياً.

من المفارقات أننا نشهد تحولنا الديمقراطي – إن صح التعبير – في وقت يشكو العالم وقوع الديمقراطيات المُتقدمة في خطر التآكل. والسبب رُبما يَكمن في أن التَمرحُل الديمقراطي هو أن يحدد الإنسان ذاتهُ أولا و يجيب على السؤال الآتي:

هل أنا من أولئك الذين يؤمنون بالتعددية و تَقبل الآخرين؟

أم أنا من أولئك الذين ينسحبون داخلياً حيث التصنيفات الإجتماعية أياً كانت " دين، طائفة، قومية، و ثقافة تختلف عن باقي الثقافات؟

المأزق فينا هو أننا لا نُدرك أن العِلةَ تَكمُن في السؤال، أعني أن نسأل عن شيء ما حتى و إن بدا لأنفسنا يُسِيء لنا. و هذا ما يترك غبار الأزمان كالرمال المُتحركة بسبب النُكوص إلى صراعات الماضي و خلافات المِخيال الإجتماعي عبر التأريخ.

جزءاً كبيراً من المأزق السياسي و الإجتماعي في العراق هو الإنقسام بين الرغبة في التَحول الديمقراطي أو المُكوث بعض الوقت على ما بدأ به النظام السياسي بعد 2003؟ هذا المأزق يتضح عند أولئك الذين يتصورون أن التَرنح بين فئتين أمراً مُمكناً. بين فئة تؤمن بتقبل الآخرين كما هم، و بين فئة أخرى تؤمن بتقبل الآخرين بشرط كما تُحب وترضى. أما خوفنا الآكبر بعد أن آمنا بفكرة التغيير التي أكدت حتميتها ظروف إحتجاجات تشرين عام 2019 هو أننا أسلمنا بإن الحل المُتاح حالياً هو تَدريجياً و من الداخل، لكن الخشية تَكمن في عدم الخوض بكيفية ذلك، و هل من العَقل الرُكون إلى آليات تُنتجها طبقة سياسية محاطة بالشُبهات؟ أم أن ثمة مصلحة سياسية تدفع بإتجاه تغيير وفقاً لمقاسات تلك الطبقة؟

مالم تتضح معالم العدالة الإنتقالية من الصعب الجزم بإن التغيير سيُواكب هذا العالم المَجنون بالتحولات. و هذا ما تَزامن بين قرائتي تجربة إيليف شافاك عند سماعها خبر موت المواطن الأميركي جورج فلويد أثناء كتابتها ما كنت أقرأ، و كأنني جالساً معها صاغياً لتفكيرها بصوتٍ مسموع. حينها خُضتُ تَجربة تخاطر الفكرة مع الكاتبة عن وفاة "سعد كمبش". و سواءاً أفإن ماتَ أو قُتل فالحكمة القاسية من ذلك أن لا بوادرَ للعدالة الإنتقالية تلوح في الاُفق.

أما مصداقية هذا الإستنتاج المُتشائم فشواهدها كثيرة، لن أخوض في سر التوقيت لتنفيذ أوامر قضائية تأخرت و بعلم الدولة لأشهر لكن الأبرز في ما ترك لنا سَعد بعد وفاتهِ. شطراً من الرأي العام راحَ مُنتخياً طائفياً فقط و ليس تعاطفاً مع الرجل، من باب أن مطلوبين فاسدين من طائفة أحرار طُلقاء، وهذا صحيح. و أن كمبشاً هو الوحيد الذي طُورِدَ حتى تناثرت صوره و إذا بأذرع تُطوق عنقه بدلاً من "كلبشات" تُقيد حركته، ما السر في عدم التحفظ على المطلوبين؟ فالنظام يَجتهد في إحياء التخندقات.

لست هنا في مَعرض الدفاع عن كمبش، لأن الرجل و وفقاً للقانون سقطت عنه العقوبة بعد نهاية حياته، لكنني أكشف إلى خطر مُحدق بالعدالة الإنتقالية، والتي بدونها لا يمكن للتحول الديمقراطي أن يتم بنجاح. العدالة الإنتقالية تتزامن مع التحول الديمقراطي وفقاً لتجارب الأمم. عدا ذلك فأن مفاتيح أي صندوق أسود من المُحتمل أن تُلقى في بَحر المَنون بغض النظر عن الطريقة. وحسبنا أحمد الجلبي مثالاً

لماذا إنتفض الرأي العام العراقي و تضامن مع قضية جورج فلويد آنذاك مع أنه كان قد أتهم بسرقة أيضاً؟ بينما غضضنا الطَرف عن مسائلة الدولة في تقصيرها بالتَحفظ على مُتهم أو مُدان و ضرورة إنعاش حياته لأهمتيها في التحري عن العدالة و ضرورة من ضرورات الإنتقال إليها؟

أعلم أنني أسرفت في علامات إستفهام كثيرة.

لا بأس، سأُسقِطُها هنا. و أختتم العزاء في عدالتنا الإنتقالية التي تتغنج بين رئيس البرلمان المُستشيط غضباً و إستقدامهِ وزير الداخلية مُستًجوباً إياه عن ما إذا كانت نوافذ سيارته مظللة؟ وأن العراق يشكو بثه وحزنهُ إلى الله بسبب ذلك؟ وبين عشيرة الأخير التي تَوعدت رئيس البَرلمان بإنها سَتجعل عالَيها سافلها إن تم إستجواب معاليه؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

العمودالثامن: فاصل ونواصل

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

شراكة الاقتصاد الكلي والوحدة الوطنية

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

 علي حسين الحزن والكآبة والتعوّد على طقوسهما، موضوع كتاب صدر قبل سنوات بعنوان "ضدّ السعادة"، حشد فيه مؤلفه إيريك جي. ويلسون جميع الشواهد التي ينبغي أن تردعنا عن الإحساس بأي معنى للتفاؤل، فالمؤلف...
علي حسين

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

محمد الربيعي (الحلقة 3)التجربة الكوريةتجربة كوريا الجنوبية في التعليم تعتبر واحدة من أنجح التجارب العالمية فقد استطاعت أن تحقق قفزة نوعية في مسارها التنموي، فحوّلت نفسها من دولة فقيرة إلى قوة اقتصادية عظمى في...
د. محمد الربيعي

مركزية الوهم العربي: بين الشعور بالتفوق ونظريات المؤامرة

قحطان الفرج الله مفهوم "المركزية" الذي يقوم على نزعة الشعور الجارف بتفوق الأنا (سواء كانت غربية أو إسلامية) وصفاء هويتها ونقاء أصلها. بحسب الدكتور عبد الله ابراهيم الناقد والمفكر العراقي، الذي قدم تحليلًا معمقًا...
قحطان الفرج الله

تفاسير فظيعة في تفخيذ الرضيعة

حسين سميسم وجد الفقهاء أن موقفهم ضعيف في تشريع سن الزواج، نظرا لضعف الروايات التي اعتمدوا عليها، اضافة الى خلو القرآن من نص صريح يوضح ذلك، فذهبوا إلى التفسير بحثا عن ضالتهم، ووجدوا في...
حسين سميسم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram