حيدر المحسن
أستطيع سماع قلبكِ ينبض
أستطيع سماع قلبي
أستطيع سماع ضجيج قلوب جميع البشر، وكان اليوم عيد رأس السنة، والجميع يحتفل معنا. أتذكرين؟ أكلنا كثيرا في تلك الليلة وغنّينا كما لو أنه لا يوجد غد.
لا يوجد تفسير لهذا الأمر سوى في الشِعر، عيناكِ دائما في عينيّ، وكنتِ تختفينَ في القصيدة، وتتباهى بكِ الغرفةُ لأنك امرأتي، يتباهى بك المنزل والمدينة والعالم، حتى نهاية القارات، حتى بداية القارات، تتباهى بك الغرفة لأنك نصيبي والمنزل والمدينة والعالم.
خمسون عاما وأنت في مكانك ـ في داخل المكان أو في خارجه، في داخل الزمن أو في خارجه ـ وكانت تحجبكِ عنّي أبوابٌ ليست أبواباً وحيطانٌ ليست حيطاناً. أسيجةٌ وساحات وشوارعُ واسعةٌ وطويلة، تمتدّ كأنما إلى ما لا نهايةٍ. تُبعدُكِ عني فناءاتٌ وأقبيةً ومبانٍ وثكنات. على أيّة حالٍ... أبعدتْكِ عني كلّ هذا الزمن آلهةٌ غير رحيمةٍ، ثم أتى بك إليّ الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، إيّاهُ كنتُ أقصدُ أن يمحو السهوب التي تبعدنا والأنهار العديدة والبحار التي لا تُحدّ والجبال والغابات... وأنا أعلم تمام العلم، رغمَ بعدِكِ الشديد عنّي، أنك كنتِ تخاتلين الأعداء كلّ الوقت، تراوغينهم، وتعملين جهدكِ بكلّ جسارة، سنةً بعد أخرى...
يُقال إن هوميروس لم يكن شاعرا واحدا عاش في زمن واحد، وكان الإغريق كلّما مرّ الزّمن يظهر بينهم هوميروس جديد، يُكمل الرسالة. أما أُوليس فقد طوى الأرض والبحر في جميع الجهات من أجل بنيلوبي، صار أُوليس خفيفا من كثرة غيابه، وكان يطير حولها لمّا عاد مثل عصفور، وتعرّف عليه كلبه أولا من رائحته. من ظلال رائحته. من ظلال الظلال. لا شيء يمّحي منّا حين نغيب، ولا شيء جديد معنا يحضر.
دخلتِ، وتركتِ البابَ مفتوحاً قليلاً؛ للظّلام كي يدخل، للقمر الذي يتسلّق السّماء كي يدخل، في كلّ ليلة يشرق القمر، ويقيم لنا حجابا أوسع قليلا، كي لا نضلّ طريقنا. ألف عين ترى نومنا. تباركه. وكذلك كانت تفعل الشّمس وبقيّة الكواكب. ثم اختلف الوقتُ عليَّ، لم أدرِ هل هو
أول الليل أم آخره؟
الفصول اختلطت عليّ
والشهور
والأيام
صرت أعيش في زمان بين الشمس والقمر
ونجمكِ.
الإلياذة هي ملحمة السكينة والوفاء، والامتداد مع الزمن، فلم تكتمل الإلياذة في زمن واحد، من أجل أن يكون ذِكر الوفاء مستمرا، ودون انقطاع مثلما نرى الصّخب في ملحمة كلكامش، والبطش والقوّة والبحث عن الأوهام. حتى الخلود كان فيه تأكيد لسطوة الرجال. الإلياذة ملحمة بطلتها المرأة بنيلوبي، وفي ملاحم الشرق يكون الذَّكر هو السيّد والملك والإله، وكذلك الأوهام...
حبّكِ يا بنيلوبي (يقول أُوليس)، وشاحٌ أحمله على كتفي خلال أسفاري، يكدّسني بشذًا منك وظلّك في قلبي وعيني هو أنت، مضمّخٌ بضوع المسك. أحجلُ حول الظلّ. أقبّله. أنام معه. وأحلم بوجهك وجهِ الطفل. أصحو وأنام وأستيقظ، وتتغير أطياف الحلم ويبقى وجهُك، والبياض في الخيال حول ثوب الزفاف ناصعٌ ومقدّسٌ. أية حياة أهبها لك. أية حياة تهبها لي، يا أيتها الروح التي تساعد القلبَ أن يحتمل هذا الحُبّ!
أستيقظُ فجراً
روحي، يا روحي
_ ولأني أحبك
وأحبك فحسب _
مليئة بالألوان كجناحي فراشة
بجناحين مرفرفين
بجناحين فيهما كل الألوان
روحي تصل روحكِ
باقة من الزهر تتفتح عن ألف باقة