TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: وعّاظ لكل زمان ومكان

العمود الثامن: وعّاظ لكل زمان ومكان

نشر في: 10 مايو, 2023: 10:10 م

 علي حسين

سيظل كتاب العلامة المرحوم علي الوردي "وعاظ السلاطين" أول وأجرأ أسئلة علي الوردي التي واجه فيها فرسان الطائفية في محاولة لتفسير التاريخ من خلال الحكايات والموروثات التي ترسخت في أذهان الملايين، عبر مئات السنين، وفي فهم ما يجري وسيحدث مستقبلاً في العراق، وهذا سر شهرة هذا الكتاب وخلوده، فرغم مرور أكثر من نصف قرن على صدوره، إلا أنه لا يزال يثير اهتمام القراء.

 

وكما قال الوردي مرة فى أحد حواراته إن: "الهدف من الكتاب هو تصوير ماذا ستفعل حكايات الطائفية لو أصبحت جزءاً من حياة الناس اليومية.. كنت أسأل بعض رجال الدين، هل تريدون السير فى طريق الإصلاح أم العيش في الماضي؟".

يكتب علي الوردي في وعاظ السلاطين "وما دام السلطان الظالم محاطاً بالفقهاء والوعاظ، وهم يؤيدونه فيما يفعل ويدعون له بطول البقاء، فمتى يستطيع أن يحس بأن هناك أمة ساخطة أو إلهاً مهدداً؟".

هذا ما يجعل الوردي، وهو ينحاز إلى المواطن البسيط المبتلى بفرسان الطائفية ووعاظها، يضيف إلى قدراته كمؤرخ ميزة أخرى هى الجمع بين المؤرخ ورجل التنوير. وبين التعرف على خزعبلات التاريخ الذي يصر الآن معظم الساسة على أن نبقى نعيش فيه ولا نغادر حوادثه، وبين المستقبل الذي لا يمكن الدخول إليه بلباس طائفي وعقول تعيش في القرن الأول الهجري.. ولهذا سيظل كتاب وعاظ السلاطين أقرب نبوءات علي الوردي للعراقيين.

وهذا ما يمكن أن نحذر منه اليوم.. وعاظ السلاطين الذين يصرون على أن نعيش في ظل أزمات طائفية لا تنتهي والذين وجدوا في تحقير الآخر والنيل منه مهمة مقدسة. وأن نظل نتساءل: لماذا أصبحت الطائفة أهم وأقوى من الوطن؟ ولماذا يصرّ الساسة على ترسيخ منطق الجماعات بدلاً من المواطنين؟

بعد ربع قرن على صدور كتاب وعاظ السلاطين يكتب المفكر اللبناني مهدي عامل: إن الاستبداد يوحِّد الطوائف، ينشر اليأس ويزيد أعداد المستضعفين.. إن الدّين أو الطائفة هنا ليس أكثر من لافتة تتجمع عندها عصبية، تتوهم حرباً عقائدية، ستكون بديلاً عن حروب أخرى تتعلق بحياة الناس ومستقبلهم.

أعود إلى جملة أثيرة أحفظها من الكتاب يقول فيها الوردي: "كلنا ننادي بالحق والحقيقة عندما نخطب أو نتجادل أو نتلو القصائد الرنانة، ولكننا نفعل ذلك لأننا نشعر في قرارة أنفسنا بأن هذه الأقوال التي نتشدق بها سليمة لا ضرر منها ولا مسؤولية عليها حتى إذا جدَّ الجد وصار الحق معارضاً لما نحن فيه أسرعنا إلى جعبتنا المملوءة بالأدلة العقلية والنقلية فاخترنا منها ما يلائم موقفنا وصورنا الحق بالصورة التي ترضينا ثم لا ننسى بعد ذلك أن نواصل تلاوة القصائد الرنانة من جديد."

 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

باليت المدى: جوهرة بلفدير

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram