ناجح المعموري

التاريخ مجموعة من الوقائع والاحداث لا تعرف الصمت، تمتلك صوتا مدوياً تستهوي الأفراد والجماعات وكأن الكامن فيه امتلك طاقة خرافية / وبالأصح اسطورية ودائماً ما يدخل التاريخ من خلال وقائعه الطويلة، الممتدة في صراعات وصدامات وهذا احد تبديات التكرر والمعاودة.

الكتابة التي تفضي دائماً للتدوين ومفهوم مثل هذا له اصل قديم جداً مقترن بالمكان، لان البدئيات لا تنفك عن ديمومة الشعرية المحملة بالرموز وهي المعبر عن ملمح عالي التأسيسات التخيلية. لكن التأسيس يتحول في مرات عديدة، لكن تحوله ليس متنافراً ومتضاداً وتبرز احياناً في طيات السرد الوقائعي ما يشبه التحالفات والتعايش مع احداث غير منعزلة عما كان قبلاً. هذه الفاتحة تقود القراءة وتتفاعل مع التاريخ المغالي جداً بالوقائع وما تتمتع به من عنف، بحيث صار معلماً له ومميزاً ما يؤمن وجوداً له بالحاضر. فالتاريخ الذي تشيدت عليه محكية جابر خليفة جابر " نور خضر خان " التي تكرست نوعاً من الملحمية وانفردت تماماً بجديد على السردي، والاعتماد على آلية التكون، التشكل المفاجئ احياناً والمهيئ له في احيان اخرى كثيرة، من هنا سيجد المتلقي نفسه مرتبكاً وهو يواجه انسداد ــ هكذا يتوقع ــ لكن ذلك يتبدد وينقشع ضبابيته، وهذا احد صور الملحمية في تجربة استعادة التاريخ واللعب بتكوناته العديدة التي لها علاقة مباشرة وقوية بالحياة، الجماعات على سبيل المثال، الهويات / الجدل الذي يتشكل بينها، طقوسها وبالنتيجة النهائية يحتفظ التاريخ بأهم ما يجعله اقوى حضوراً لأنه حاز وتفرد بعنصره المثير للانتباه وهو انفراد بالتلويح بشعرية الثقافة كما قال " غربيلات ".

دخول جابر خليفة بتجربته في مسار سردي صعب ومعقد يوفر فرصة لمن امتلك مهارة لاقتراح جزئيات لمطولات السرد، واعني به الملحمية. لذا الانتباه لهذا العمل الفني المهم والجري والشجاع سيجد بأن الوحدات البنائية.

تشع على الرغم من اكتضاضها الدلالي والتشابك بحيث تتهيكل قوة داعمة لممارسة التاريخ، من هنا ابتكر الروائي المطولات السردية التي استعادت تفاصيل تراجيديا الارمن واستمرار تجدد الفجائع واستعادة السلطة العسكراتية والعدوان الهوياتي ونشوء التدمير والاخضاع، لان حلم الطاغية يتجدد وتستمر سيرورته اعتماداً على العنف والانشغال بتدمير الجسد الانثوي.

ولاهمية هذه المطولة السردية وملحميتها تحتاج لفحص طويل واظنه استجابته مكنة للبحث الاكاديمي وليس للقراءة النقدية المبشرة بمنجز حيوي للغاية. المكان فيها ملاحق بالشعرية والتراجيديا، وكأن القاص لم يكتف بإعادة الفجائع التاريخية وانما اعادة توزيعها على سطوح المرايا، وتبدت هذه التجربة جديدة في فضاء التاريخانية والادب وايضا الثقافة وتوظيف الرموز والتخيلات وتوقعت محاولتي كثيراً لاستعادة الجزء وتوظيفه. مطولة محكية استعادت التاريخ الطويل الماضي ولا غرابة في تحديد البناء لحظة اسراع القاص نحو تاريخ لم يأت حتى هذه اللحظة فما كتبته دار ميران في البصرة عام 2024حازت على المكشوف / استعادة تاريخ المجازر المخزونة بذاكرات الافراد والجماعات استعادات كامنة. من وثائق الحاضر. مطولة تاريخية صاغتها اللغة اللينة والمرنة في وقائع هي تكونات ذاكرة التاريخ الذي غذى مدونة " دار زمان " قدمته السيدة نور خضر خان الى دار ميران لطباعته ونشره، لكن التحول جعل الرواية بأسم " انوش " الذي كتب مطولة التاريخ هو ابن المكان البصري المتقن لألية كتابة المطولات التاريخية.

للزمان باعتباره سرديته المطولة التاريخية والامكنة الواقعية في المحكيات العديدة والاصل الاساسي في المرويات هو الجذر الممتد منذ الابتداء وحتى الانتهاء. المحكيات المطولة مجموعة من المرويات غير المتباعدة فيما بينها، حتى وان حصل الاقتران بسبب الموت والضياع. فان الزمان الممتد يتمظهر عبر كشوف تعلن عن الذي من يقرأ التاريخية المطولة، لا يبتكر لحظة الاولى التي تشكل فيها السردية الرواية في المدينة.

*. ذكاء استيعاب سرديات التاريخ قاد القاص نحو ارشيف عالمي ليحوز على كل ما يمنحه حرية الحفر والتنقيب عن الوقائع حتى الصغيرة. وبمغامرته التي زفرتها " نور خضر خان " بامتلاك الاحداث والحقائق التي اضفت على التراجيديا صفة الدراما الانسانية وتوفرت معلومات اطارية، جانبية هي الوحيدة التي تمكنت منها وتجاوزت حدود البصرة وتحركت على بلاد فارس.

*. تتحدث سوزان سوزنتاغ عن متحف الهولوكوست التذكاري في واشنطن وعن مطالبة الارمن باقامة متحف في واشطن لتخليد ذكرى ابادة الشعب الارمني على يد الاتراك العثمانيين / الالتفات الى الم الاخرين / ص84/85 نادر كاظم / استعمال الذاكرة.

*. التوفر على الارشيف العالمي حول مجاور الارمن يقترن كثيراً مع مقترح حكايات حافظ للذاكرات الملاحقة بالدمار. وبالإمكان التعامل مع المطولة التاريخية عن الارمن باعتبارها متحفاً للابد.

وفرت هذه المطولة السردية والمزدحمة بالجديد والولادات وبروز ثنائية التكون المزدوج بين المذكر والمؤنث ودائماً ما يتحول الى جزء جديد يفضي الى تغيب وفجيعة. هذه العلاقة التي عززت بين الحكي والوقائع التاريخية التي تذكر بها وتحيل عليها كما قال " غريبلات " نتحدث عن التلميح، والترميز، والتعبير، بالمجاز او الاستعارة، والتمثيل وفوق ذلك عن المحاكاة، لكل واحد من هذه المصطلحات تاريخ غني وهي ضرورية افتراضياً / التاريخانية الجديدة والادب: ت: لحسن حماقة / المركز الثقافي للكتاب / ص 38//

" نور خضر خان " قبر رمزي دليل الرواية، انه مكان محفوظ بالمطولات السردية المختزنة بالخزان الابدي وبالتفاصيل السردية الطويلة والقصيرة، حقق جابر خليفة جابر تفوقاً بالصداقة مع التاريخ / لا محبته، بل التعامل معه بوعي وذكاء وتوصل الى تدوين متحف سردي عن الارمن. تحدثت سوزان سونتاغ عن متحف الهولوكوست في واشطن وعن مطالبة الارمن بإقامة متحف في واشطن لتخليد ذكرى ابادة الشعب الارمني على يد الاتراك.

ليس سهلاً على المتلقي التقاط جوهرة هذه المطولة. البطولة " الجماعية " لان القاص جابر خليفة جابر جعل من جغرافية البصرة مكاناً واسعاً للغاية وسط المدينة وخارجها حتى ممرات الارتحال نحو مدن قريبة واخرى بعيدة تماثلت بالذاكرة وتنميط الجزئي السردي. ونشب التماثل بين تاريخ اول وتاريخ ثان واوحي لي كتاب " فرانسوا هارنوغ " بوجود تاريخ بطولي مثير بدهشة تحدث عن عوليس واوغسطين / من الدموع الى التأمل والتاريخ الثاني الذي تهيكلت عليه مطولة جابر خليفة جابر " انوش " ودليل العوائل والاشخاص والتفاتة جابر للثنائية التاريخية ذكية جداً وكأنه يريد شدّ ذاكرات القراء.

ليتكرم على حيوية الهوية القومية والدينية ويفعل ما ينشأ بين وحدات الهوية التي منحها جابر خليفة نوع مماثل لجزء من المطولة وهذه لعبة معلنة عن مهارة التداخل والتشكل السردي الممتد وكأن الشخوص تزاول ما ذكره الشاعر محمود درويش.

احمل بلادك اني ذهبت وكُن

نرجسياً اذا لزم الامر

منفى هو العالم الخارجي

ومنفى هو العالم الباطني

فمن انت بينهما

الانشغال بالهوية ابرز ملمح في مطولة خليفة جابر لانها منحت الشخوص فضاء لكل منها وابرزت دور الانا من اجل البروز وسط مكان انشغلت كينونته بالمعنى.

مطولة " نور خضر خان " ذاكرة غائرة وسط خزان من المطولات، حتى ارتضت ان تكون ذاكرة للجماعات واستعادة المخزون وسط الخزان يمثل نوعاً.

" نور خضر خان " مطولة لتاريخ مكتظ بالوقائع والاحداث والفجائع، التراجيديات وقد صاغت بكل امتدادها ملحمة تاريخية، تباينت فيها العناصر البنائية فنياً لكن العناصر الاخرى متماثلة.