TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > ما يَنقص الاحتجاج القادم.. الحَذر من (الكليبتوغارشية)

ما يَنقص الاحتجاج القادم.. الحَذر من (الكليبتوغارشية)

نشر في: 15 مايو, 2023: 11:03 م

د. حيدر الجوراني

طَفا على سطح الخطاب الإحتجاجي مفهوم (المَدنية) في أول موجة إحتجاجات شهدها النظام السياسي بعد ٢٠٠٣ وكان ذلك عام ٢٠١١.

ولا إنكار بوجود قِوى وطنية ترفع سقف توجهاتها المُغايرة للنظام الثيوقراطي بِحُلة ديمقراطية كرد فعل عكسي للفشل السياسي الإثني. إلا أن مفهوم المَدنية لا يَعدو سوى رَبطة عُنق للهوية الإسلامية السياسية بشقيها (السُني والشيعي) وتم الإستعانة بمفهوم المَدنية تَسويقياً لمنح جُرعة مُنشطة لحين الإلتفاف على مطالب الإحتجاجات وخير دليل تَشظي التيار المَدني آنذاك وإنفراط عقد (الكُتلة التأريخية) التي جَمعت الشيوعيين والصدريين ثم إنصهر المفهوم في تحالف الفتح – سائرون.

ماذا نُريد؟

دولة مدنية؟ دولة ليبرالية؟ أم دولة في المريخ؟

الدَولة ببساطة (مَليكانة) يُلبِسها النظام السياسي بِزتهُ العسكرية الإنقلابية أو البُردة الدينية أو " الميني جوب".

الدَولة كيان مؤسساتي ليس له دين.. ترى أين المُشكلة؟

لأقفز مرةً أخرى..

بعد ثلاث مضي ثلاث سنوات على وأد الإحتجاج التشريني وبعد أن بَدا الوعي السياسي يافعاً أمام تَغوُل الوعي الزائف وشركات إنتاجه السياسية، دَخلَ مفهوم المعارضة حَيز الإستقطاب لغرض الإستهلاك الإعلامي وإعادة تَدوير الطبقةالسياسية التقليدية بَعد أن تَمَثلتها بعض تلك القوى شَكلياً داخل جَسد النظام المحاصصاتي.

ما يُنقُص الإحتجاج القادم هو تأسيس بُنية مَعرفية غير مُزيفة للمعارضة كمفهوم تطبيقي.

كما يَنقُص الإحتجاج القادم ليكتسبَ وَسم المُعارضة الحقيقية هو الحَذر من المَد الكليبتوغارشي.

(كليبتو - أوليغارشي) هو النظام السياسي العميق لنظام ما بعد ٢٠٠٣. وحتى أتحمل مسؤولية المفهوم " الذي إجتهدتُ في تَخريجه " سأقدمُ طَرحاً لهذا الوَصف الدينامي الذي إن لم يَعي خطورته أي حِراك إحتجاجي فإنه سَيسقُط في تلك الشبكة الكليبتوغارشية.

نشأة الأوليغارشية في العراق:

يُعد الحاكم " المَدني" بول بريمر هو العَراب المؤسس للطبقة الأوليغارشية في العراق. وإن قرارهُ الذي سَبق تشكيل حكومة مؤقتة بخصصة الدولة كان بِمثابة دخول الفردوس للأوليغارشيات الحالية.

في حين تؤكد الأدبيات والدراسات أن التهديد الحقيقي للديمقراطية ليست الشمولية بقدر ما تُشكله الأوليغارشية من تهديد لأي تجربة ديمقراطية.

ومن ضمن الإنتقادات المُبكرة لقرار بريمر كانت مقالة للدبلوماسي فريد ياسين نُشِرت باللغة الإنجليزية آنذاك، مَشفوعةً بمؤشرات إحصائية تأريخية وهي إرتفاع عدد الأُسر الأوليغارشية في العراق من 50 أسرة إلى ٣٠٠٠ أسرة بعد عام ٢٠٠٣. وهذا كان بفضل حالة الهرج والمرج للطبقة السياسية في كيفية تحاصص تشكيل مجلس الحكم الإنتقالي في وقت فُتحت خزائن العراق أمامها وبتفويض الخصصة من بريمر تمَ وضع قطار تلك الطبقة على مسار كليبتو-أوليغارشي.

القانون الفولاذي للأوليغارشية:

وإذا ما أُريد تحديد المعنى لهذا المفهوم ضمن السياق العراقي والوقوف على المُحفزات الدينامية له. لا بُد من التلميح إلى جذور الظاهرة الأوليغارشية تأريخياً.

تتمثل الأوليغارشية في شكل مَنظومة سُلطوية تُهيمن عليها مجموعة من العوائل أو الأفراد. بينما يصفها أرسطوطاليس بإنها حُكم القِلة من أجل الفساد والأغراض غير العادِلة وأطلق عليها تسمية النخبة من الطبقة العُليا (The elite upper class).

أما نظرية القانون الفولاذي للأوليغارشية (Iron low of oligarchy) التي جاءت نتيجة إسهامات روبرت مايكلز الذي لم يحصل على وظيفة في الجامعات الألمانية بالرغم من توصية ماكس فيبر له كباحث شاب يستحق العمل الأكاديمي.

حينها لجأ إلى ممارسة النشاط السياسي، وبعد مزاولة النشاط إستنتج أن الحزب الإجتماعي الديمقراطي لم يَكن ديمقراطياً على مستوى التنظيم الداخلي واصفاً إياه بالحزب الأوليغارشي. وذلك بسبب إفقار التنظيم الداخلي للحزب إلى الديمقراطية فإنه من العَبث أن يُمارسها أو يُقر بها عَملياً.

وهذا ما حدث مع أحزاب السلطة الحالية في العراق قُبيلَ الإحتلال عام ٢٠٠٣ وفقاً لرواية كنعان مكية في بحثهِ المنشور مؤخراً والمَوسوم (العراق دولة المافيا).

تُشير الدراسات والبحوث إلى أن تَشَكُل الأوليغارشيات في الديمقراطيات المختلفة هي نتاج لضرورة حتمية والتي تنعكس تأثيراتها على النظام السياسي فيما بعد. أي بمعنى أن السيادة (Supermacy) لفئة أو مجموعة أفراد سواءاً ضمن السياق الديمقراطي أو الثوري، لذا يجب أن يؤخذ بالحُسبان هكذا إنزياح ضمن سياقات التحولات الديمقراطية.

الكليبتوقراطية والأوليغارشية المُمتدة (كليبتوغارشية) :

تَكمن إشكالية النظام السياسي العراقي في طبيعة العلاقة بين أصحاب المصلحة السياسية من جهة والنخبة السياسية من جهة أخرى. إذ لابد من تفكيك ديناميات تلك العلاقة عبر تمرحلات تأريخها السياسي.

وبغض النظر، فإن مؤشرات النظام السياسي بعد ٢٠٠٣ تُبين أن تلك العلاقة تعتمد دينامياً على ثنائية أوليغارشية – كليبتوقراطية مُتبادلة الوجود الضامن لكليهما.

وبفعل التَبعية ذات الهيمنة (Hegemonic) الإجتماعية والسياسية فإن خطاباً مّتجدداً ذا نزعة مفاهيمية إستهلاكية يُمارس لترويض الرأي العام.

فمَثلاً، المُناداة بدولة مدنية قد لا يعدو سوى إيهاماً مُسيساً الغرض منه درء الخوف لدى الطبقتين الكليبتوقراطية والأوليغارشية.

الخوف نابع أصلاً من مفهوم الديمقراطية الذي يتعارض مع أنساق أغلب الطبقة الأوليغارشية وكذلك مع أغلب آيديولوجيات الطبقة السياسية الكليبتوقراطية. لأن ذلك ببساطة لا ينسجم مع مفهوم دولة العَدل الإلهية.

تحديداً بعد عام ٢٠١٩، وبلوغ النظام السياسي مرحلة فقدان الشرعية الدخلية – والتي لا تزال تقريباً – تُحاول الطبقتين من خلال عدة قنوات أن تخلق أطواق نجاة مضادة للسخط الإحتجاجي الكامن. منها واجهات لمنظمات ومراكز ونشاطات مجتمعية وكذلك الرغبة الجامحة في زَج أعضاء الأسر لمرحلة الإنتخابات لمجالس المحافظات القادمة.

محاولات تغيير الجلد من خلال أحزاب جديدة تُغرق الفضاء العام بمفاهيم أقرب إلى عاطفة العَلمنة واللَبرَلة. فالمدنية مثالاً، أصبح مُفرغاً من محتواه بعد أن أضحت محاولات تأطير الدولة بإطار علماني وفقاً لمقاسات السلطتين السياسية والدينية مع حِفظ قوالب الهويات السياسية الطائفية والعرقية على حساب شعور المواطنة.

المُجتمع الدولي يُخاتل ما عليه الواقع السياسي في العراق. ولذلك، ما تحتاجه القوى الإحتجاجية والمعارضة الحقيقية هو تَعرية علاقة المجتمع الدولي مع الطبقتين.

وللتذكير.. يحتفظ المجتمع الدولي بورقة الكليبتوغارشية ضد النظام السياسي في العراق لحماية مصالحه من أي تهديد دون إتفاق مُسبق. ولعل محاصرة الأوليغارشية الروسية ضد بوتين لتقويضه مؤخراً لم يَكن في الحُسبان مع فارق الأمثلة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

وراء القصد.. ولا تيفو.. عن حمودي الحارثي

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

العمودالثامن: فاصل ونواصل

العمودالثامن: ذهب نور وجاء زيد

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

 علي حسين الحزن والكآبة والتعوّد على طقوسهما، موضوع كتاب صدر قبل سنوات بعنوان "ضدّ السعادة"، حشد فيه مؤلفه إيريك جي. ويلسون جميع الشواهد التي ينبغي أن تردعنا عن الإحساس بأي معنى للتفاؤل، فالمؤلف...
علي حسين

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

محمد الربيعي (الحلقة 3)التجربة الكوريةتجربة كوريا الجنوبية في التعليم تعتبر واحدة من أنجح التجارب العالمية فقد استطاعت أن تحقق قفزة نوعية في مسارها التنموي، فحوّلت نفسها من دولة فقيرة إلى قوة اقتصادية عظمى في...
د. محمد الربيعي

مركزية الوهم العربي: بين الشعور بالتفوق ونظريات المؤامرة

قحطان الفرج الله مفهوم "المركزية" الذي يقوم على نزعة الشعور الجارف بتفوق الأنا (سواء كانت غربية أو إسلامية) وصفاء هويتها ونقاء أصلها. بحسب الدكتور عبد الله ابراهيم الناقد والمفكر العراقي، الذي قدم تحليلًا معمقًا...
قحطان الفرج الله

تفاسير فظيعة في تفخيذ الرضيعة

حسين سميسم وجد الفقهاء أن موقفهم ضعيف في تشريع سن الزواج، نظرا لضعف الروايات التي اعتمدوا عليها، اضافة الى خلو القرآن من نص صريح يوضح ذلك، فذهبوا إلى التفسير بحثا عن ضالتهم، ووجدوا في...
حسين سميسم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram