TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > أين العراق من اليوم العالمي للعيش بسلام؟

أين العراق من اليوم العالمي للعيش بسلام؟

نشر في: 20 مايو, 2023: 11:32 م

د. احمد عبد الرزاق شكارة

عدت الامم المتحدة يوم السادس عشر من مايو / آيار من كل عام يوما عالميا للعيش معا بسلام. إن هذا التصريح العالمي الذي نحن بصدد التساؤل عن موقع العراق منه صدرعن الجمعية العامة للامم المتحدة برقم 130/72 بأعتباره أحدى وسائل تحشيد الجهود الدورية المنتظمة لتنمية السلام،

التسامح، الاندماج الايجابي، التفاهم والتضامن العالمي. إعلان رعت اصداره كل من المملكة المتحدة وكوستا ريكا بهدف إعادة التذكير والاحتفاء بتعزيز مثل وقيم السلم العالمي التي تنطلق من ضرورات حياتية جوهرها القبول بالآخر بكل ما لديه من إختلافات ثقافية، ايدولوجية أو حضارية بمفومها الواسع. ضمن سياق أولوية الاعتراف بهوية الأخر والاستماع لآرائه بل و الاعتراف به واحترامه وتقديره ساميا هذا من جانب ومن منظور عضوي مكمل يرتبط الامر بحيوية العيش المشترك لجميع البشر في ظل حياة آمنة يسودها السلم، الآمن والآمان. صورة جسدتها الشرائع السماوية والقيم الاخلاقية الاانسانية لسامية في بناء منظومة عالمية جوهرها إنساني سلمي لايميز بسبب العرق، القومية، الطائفة، العشيرة والقبيلة، الطبقية، والجهوية وغيرها من الهويات الفرعية على أهمية الالتزام بها ولكنها لاترقى إلى أولوية الاهتمام بالهوية الوطنية الجامعة تحت مظلتها مختلف انواع الانتماءات والهويات الثانوية الفرعية.

العراق كما تؤكد الدراسات والابحاث بلد يتمتع بتعددية تأريخية حضارية عريقة من الاطياف و الانتماءات تعايشت أو تصارعت أو تنافست جيوسياسيا واقتصاديا وثقافيا في مسار غير تصادمي او عنفي يعرف ب"ثقافة المركب الذي يشمل المعرفة والمعتقدات والفن والاخلاق والقانون والعادات الاخرى التي يكتسبها الانسان بوصفه عضوا في المجتمع ". لست بوارد الدخول في تفاصيل التحولات والتغيرات التأريخية والمعقدة التي طرأت على عملية إنتاج ثقافة وطنية عراقية تستوعب كل الهويات الفرعية لأنتاج هوية وطنية جامعة مسألة برغم استمرار المناداة بها منذ عهد الملك فيصل الاول في مذكرته الشهيرة لبناء عراق حديث في بداية ثلاثينات القرن الماضي إلا أنها لم تصل لمرحلة النضوج والاستقرار كونها بقيت أرثا تأريخيا"لم تستطع الحكومات المتعاقبة تجاوزه ببناء هوية وطنية حديثة، تستوعب الهويات الفرعية السابقة فيه على تأسيس الدولة الوطنية الحديثة ". (د. علي عباس مراد. مشكلات إعادة بناء الدولة في البلدان العربية - حالة العراق -2003 -2018، ص60).

بعبارة أخرى مماثلة لما قال به ماسيمو دازيغيلو أحد رموز الحركة القومية الايطالية (نقله إريك هوبزباوم) مخاطبا النواب في الجلسة الاولى لبرلمان المملكة الايطالية بعد إعلان إتحادها: "لقد صنعنا ايطاليا، والان علينا ان نصنع الايطاليين. " فإن فيصل الاول حق له أن يقول بإن الساسة والضباط الشريفيين ساروا في طريق إرهاصات بناء دولة عراقية وطنية حديثة شعبها لديه مستلزمات التنمية او التقدم. لاشك أن بناء الدولة و الهوية الوطنية العراقية عمليتان متكاملتان تمران بمنعطفات حرجة تتفاعل فيها قوى وعناصر متنوعة مجتمعيا وسياسيا او اقتصاديا وثقافيا وغيرها وتعتمد على توازنات لايمكن إعطاء قياس دقيق لمؤشرات تاثيراتها على بناء الدولة والمجتمع العراقي. ترتيبا على ذلك، وبما أن: " الدولة العراقية هي من النوع الذي تصنع الدولة فيه الشعب / الامة عبر هويته وهوية دولته الوطنية الموحدة والموحدة، فإن النتائج العملية بعد سنة 2003، تبين فشل الحكومات المتعاقبة في صناعة هذه الهوية منذ تأسيس الدولة العراقية وحتى بعد سنة 2003، لأنها فشلت اصلا في تحديد طبيعة طبيعة الهوية الوطنية العراقية التي ترغب في صناعتها، وإذا كان بعضها قد نجح في تحديد طبيعة هذه الهوية، فقد فشل في تحقيق الاجماع الوطني عليها ".

لعل جزءا من جوهر المشكلة التي نحن بصدد تفكيك أشكالاتها أنها وبرغم ما ثبت للقاصي والداني من أن انتفاضة تشرين الاول للعام 2019 قد غرست بذورا للهوية الوطنية العراقية الجامعة إلا ان العراق حتى وقت قريب بقي ساحة للصراعات على السلطة والنفوذ للاحزاب السياسية التي تتبني المحاصصة السياسية بكل اشكالها ومضامينها وتأثيراتها في ظل حكومات توافقية تتبنى شكلا ديمقراطيا هشا او ضعيفا أو واقعا بعيدا عن حالة التعايش السلمي والمشاركة الفاعلة في بناء الدولة العراقية الحديثة. إن المعادلة الموضوعية تنمويا وإنسانيا يجب أن تهيئ وتنعش في مراحل لاحقة مستقبلية حالة مستدامة للتعايش السلمي والمشاركة الفاعلة للدولة. معادلة تعتمد على مدى نجاح العراق في ترسيخ أسسا صلدة للديمقراطية الحقيقية وللشرعية بمضامينها التالية: قانونية - مجتمعية - وإنجازية بمحتواها الشامل إستراتيجيا في ظل مناخ يسوده السلم والامن والاقتصاد المتطور.

العبرة كما يقال ليس فقط في أولوية الاهتمام بصياغة نصوص دستورية - قانونية جميلة ولكن ما هو مطلوب حقا الالتزام القيمي والمعنوي الصارم بترجمة النصوص الجميلة إلى حالة بل ظاهرة تعايش وتفاعل ومشاركة مجتمعية ايجابية تضم الطيف التعددي وصولا لمراحل من الانجازات التنموية الانسانية الكبرى على الارض. من منظور مكمل كون العراق يقع في موقع جيوسياسي مهم جدا اقليميا ودوليا ويتمتع بموارد طبيعية ومعدنية حيوية على رأسها الوقود الاحفوري (النفط والغاز الطبيعي) حدد للحكومة الراهنة للسيد محمد شياع السوداني موقع حيويا من المسؤولية التاريخية ليس فقط لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية بنجاح وإنما لتوجيه الأنظار نحو صياغة متجددة لأستراتيجية شاملة للامن الوطني وللتنمية الانسانية المستدامة. ما يقتضي مد جسور متينة للتحالف، الصداقة، والتعاون والتنسيق مع دول العالم سواءا أكانت للقوى الكبرى أم للمتوسطة و للصغرى ايضا. لعل من المناسب الأشارة إلى أن مايعرف هرم ماسلو للاحتياجات الانسانية قدم لنا صورة واضحة وشاملة قابلة للنقد الموضوعي غطت مايلي: إحتياجات فسيولوجية، حاجة الامان، الحاجات الاجتماعية، الحاجة للتقدير والحاجة لتحقيق الذات. برنامج شامل تنمويا وأنسانيا أضيفت إليه لاحقا الحاجات الجمالية والمعرفية.علما بإنه وفي التقييم العام لمراحل التغيير الجيوسياسي فإن الازمات التي شهدتها وتشهدها المنطقة الشرق أوسطية عموما والعراق خصوصا أضحت مسألة الاصلاح البنيوي - الهيكلي من الصعب تجسيرها كلما جدت حالة عدم استقرار أو افتقاد للامن مهما كانت محدودة التأثير ما يستدعي التركيز على أولوية تلبية لاحتياجات الفسيلوجية والأمان بمعناه الشامل إتساقا وتواصلا مع كل المطالب الانسانية التي يستحقها بلدنا وشعبنا للارتقاء بنوعية حياة المواطنين مسألة اضحت لابد من إعطائها حقها المناسب من المناقشة مع النخب الثقافية ومع رجل الشارع بصورة تمكننا من تقديم سلسلة من الرؤى والمقترحات أوالتوصيات التي تعزز الامن الوطني - الجيوسياسي - الاقتصادي للدولة.

إن رؤية 2030 الاستراتيجية التي قدمتها وزارة التخطيط جديرة بالاهتمام والمتابعة المستمرة ليس فقط في الاطار التشخيصي للمشكلات والازمات التي يتعرض لها العراق وإنما من أجل عرض أفكار ومقترحات عملية وعلمية تتكيف مع متغيرات العصر التقنية الحديثة السريعة الايقاع. تتضمن الرؤية في إطارها الجيوسياسي تمكين العراقيين من العيش في بلد آمن تتهيئ له الظروف المواتية لتشكيل مجتمع موحد ذا إقتصاد متنوع، بيئة إنسانية مستدامة، وعدالة في ظل حكم رشيد Good Governance. مايهمنا التركيز عليه هدف بناء المجتمع الآمن Safe Society الذي يتمتع ابنائه بالسلم الاجتماعي والاقتصادي إنطلاقا من الالتزام بقيم المواطنة من جهة وتعزيزا لحالة التضامن والانجاز التي إن وصلت لمرحلة متقدمة من الرقي والمدنية ستمتن وتعزز بدورها الثقة المتبادلة بين الشعب وحكومته بل وبين كافة عناصر الطيف المتلون الجميل. علما أنه كلما تم استقطاب الكفاءات الادارية والمهنية المناسبة للاصلاح وللتنمية الانسانية المستدامة كلما عجل بتأسيس دولة المؤسسات الحقيقية التي يفخر بها العراقيون. الامر الذي يستدعي ضرورة مواجهة أزمات ينوء بها العراق تستدعي أن يخوضها العراق بشدة لمواجهة (الفقر المدقع، البطالة، انتشار المخدرات، العقليات والفكر المتخلف، منظومة الفساد المركبة، التغيير المناخي بتأثيراته السلبية الواضحة من جفاف - إرتفاع غير مسبوق لدرجات الحرارة، وتردي في التربة وتلوث للهواء وللمياه مع كل التداعيات السلبية على الامن الغذائي، المائي والبيئي).

إن كل الانظار تتجه حاليا نحو ماهية الستراتيجية التنموية إنسانيا وطبيعة التخصيصات المالية المقررة لبناء الانسان وتآهيله لمرحلة جديدة عنوانها التنمية الانسانية المستدامة وعنوانها الفرعي تنفيذ موازنة ال3 سنوات حيث الاقتصاد المتنوع غير الريعي - غير نفطي- يستند للطاقة النظيفة المتجددة الخضراء مع استخدام لأفضل التقنيات الحديثة التي تستوعب الطاقات المبدعة من خريجي الجامعات والمعاهد العليا في القطاع الخاص الذي وصل لمرحلة من الجمود أو التلكؤ والذي بحاجة ماسة للانعاش بل وللتنمية الحقيقية مع وضع استراتيجية جديدة لتاسيس قطاع عام متنور يواكب روح عصر التقدم التقني والطاقة المتجددة.

أخيرا: إنما ينتظره شعبنا الصابر المحتسب بناء دولة المؤسسات الحقيقية التي تستند على ركائز الامن بمعناها الواسع ضمن سياق خطط الاصلاح البنيوي. إن النجاح في بناء اجهزة الدولة الرسمية الرادعة للتهديدات وللمخاطر الامنية الداخلية والخارجية سيوفر فرصا حيوية تعزز الثقة بالنظام السياسي الديمقراطي وتمكن من بناء عراق آمن ومزدهر تنمويا وأنسانيا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

وراء القصد.. ولا تيفو.. عن حمودي الحارثي

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

العمودالثامن: فاصل ونواصل

العمودالثامن: ذهب نور وجاء زيد

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

 علي حسين الحزن والكآبة والتعوّد على طقوسهما، موضوع كتاب صدر قبل سنوات بعنوان "ضدّ السعادة"، حشد فيه مؤلفه إيريك جي. ويلسون جميع الشواهد التي ينبغي أن تردعنا عن الإحساس بأي معنى للتفاؤل، فالمؤلف...
علي حسين

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

محمد الربيعي (الحلقة 3)التجربة الكوريةتجربة كوريا الجنوبية في التعليم تعتبر واحدة من أنجح التجارب العالمية فقد استطاعت أن تحقق قفزة نوعية في مسارها التنموي، فحوّلت نفسها من دولة فقيرة إلى قوة اقتصادية عظمى في...
د. محمد الربيعي

مركزية الوهم العربي: بين الشعور بالتفوق ونظريات المؤامرة

قحطان الفرج الله مفهوم "المركزية" الذي يقوم على نزعة الشعور الجارف بتفوق الأنا (سواء كانت غربية أو إسلامية) وصفاء هويتها ونقاء أصلها. بحسب الدكتور عبد الله ابراهيم الناقد والمفكر العراقي، الذي قدم تحليلًا معمقًا...
قحطان الفرج الله

تفاسير فظيعة في تفخيذ الرضيعة

حسين سميسم وجد الفقهاء أن موقفهم ضعيف في تشريع سن الزواج، نظرا لضعف الروايات التي اعتمدوا عليها، اضافة الى خلو القرآن من نص صريح يوضح ذلك، فذهبوا إلى التفسير بحثا عن ضالتهم، ووجدوا في...
حسين سميسم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram