TOP

جريدة المدى > سياسية > الزواج المبكر يفاقم حالات الطلاق ويحرم الفتيات من أحلامهن

الزواج المبكر يفاقم حالات الطلاق ويحرم الفتيات من أحلامهن

نشر في: 21 مايو, 2023: 12:06 ص

 النجف/ علي عزيز وزينب حسين

كانت (نورس) ذات الثلاثة عشر ربيعاً تلعب مع قريناتها عصراً وتذهب للمدرسة صباحاً، عندما قررت أسرتها تزويجها فجأة من ابن عمتها الذي يكبرها بنحو ست سنوات.

دام زواجها ثلاث سنوات قضتها في أروقة المحاكم، وحصلت على الطلاق أخيراً بشق الأنفس! اليوم، عندما تذكر نورس مدرستها وصباها الضائع تغرورق دموعها وتتحسر على مستقبلها الذي ذهب أدراج الرياح، في اللحظة التي وضعوا خاتم الخطوبة في اصبعها.

يعد الزواج المبكر أو ما يسمى بزواج الأطفال ظاهرة شائعة في البلدان النامية بضمنها العراق، ويعرَّف زواج الأطفال على أنه أي زواج لم يبلغ فيه أحد الطرفين سن الـ18 عاماً. وبالرغم من كون القانون العراقي يحظر الزواج دون سنة الثامنة عشر، إلا أن تلك الزيجات تحدث بعيداً عن المحاكم، حيث يعقد القران بالاستعانة بأي شيخ.

تقول «فاطمة» 12 عاماً، وهي إحدى الضحايا الفتيات اللواتي تزوجن مبكراً: «كنت أعيش في منزل والديَّ أنا واثنتان من أخواتي، ولم نكمل دراستنا بسبب الوضع المادي المتدهور، فقرر والديَّ أن يزوجاني من شخص يبلغ من العمر 18 عاماً، ولم يسعني إلا القبول آنذاك».

«عقب انتهاء حفل زفافي بأيام قليلة تعرضت للعنف بشتى أنواعه (السب، الضرب، الخيانة…)، فلجأت للطلاق وشعرت بالندم الشديد على ماحل بي أنا ووالديَّ اللذان أجبراني، فأنا الآن طفلة (مطلقة) استمر زواجها 40 يوماً وتبلغ من العمر 12 عاماً».

تتزوج 28 قاصرة كل دقيقة!

في إحصائية أجرتها منظمة اليونيسيف العالمية لحقوق الأطفال، إن أكثر من 650 مليون امرأة على قيد الحياة اليوم حول العالم قد تزوّجن وهن طفلات. ويجري سنوياً تزويج ما لا يقل عن 12 مليون فتاة قبل بلوغهن سن الـ18 عاماً. أي يتمّ تزويج 28 فتاة كل دقيقة.

وبطبيعة الحال فإن حصة الأسد من تلك الإحصاءات تذهب للبلدان النامية، ففي العراق مثلاً تصل نسبة الزواج المبكر إلى 25% بحسب منظمة الصحة العالمية، وتشير التقارير إلى أن عدداً كبيراً من الأطفال يتزوجون في سن الرابعة عشرة والخامسة عشرة أو دون ذلك. وتعاني الفتيات اللواتي يتزوجن في سن مبكرة من مشاكل صحية واجتماعية كثيرة، بما في ذلك الحمل المبكر والتعرض للعنف الأسري والحرمان من الدراسة.

شباب يذوي في الظلام

وينطوي الزواج المبكر على العديد من الأضرار الوخيمة على سلامة الفتيات ومستقبل الزوجين على حد سواء، حيث تتعرض الأمهات دون سن الخامسة عشرة إلى مخاطر الموت أثناء الولادة بمعدل أكبر بمقدار الضعف من الفتيات الأكبر سناً، وبحسب اليونيسيف تموت سنوياً حوالي 70,000 فتاة مراهقة تزوجت مبكراً في البلدان النامية لأسباب تتعلق بالحمل والولادة. ولخصت دراسة محلية أجرتها الباحثة هناء محمد السبعاوي عام 2007 في جامعة الموصل إلى أن الزواج المبكر كان سبباً رئيساً في حرمان الفتيات اللواتي تزوجن مبكراً، من التعليم. هذا فضلاً عن بقية السلبيات مثل زيادة نسب الطلاق حيث أن معظم المطلقين في العراق قد تزوجوا مبكراً. كما أن زواج الأطفال يحد من قدرة الفتيات على القيام بأعمالهن ويعطل تعليمهن وهذا ما يجعلهن أكثر عرضة لعدم احترام الآخرين أو التقليل من شأنهن، مما يؤدي إلى امتناعهن عن المشاركة في حقوقهن الأساسية وهذا ما يؤدي غالباً إلى لجوء الكثير من الفتيات إلى الهروب أو الانتحار.

ويعاني المتزوجون مبكراً لا سيما الفتيات من مشكلات صحية ونفسية. فمعظمهن ليست لديهن الخبرة الكافية في الحياة الزوجية، ولا يعرفن كيفية التعامل مع الصعاب والمسؤوليات التي تواجههن. وبالحرمان من التعليم والعمل فإن مستقبلهم يظل مظلماً.

أسباب تحول الأطفال إلى عرائس

ترى الناشطة في مجال حقوق المرأة بشرى العبيدي في تصريح لـ(المدى) أن أسباب زواج القاصرات كثيرة، «منها الوضع الاقتصادي المتردي للعائلة وكثرة الإنجاب، وبحسب تقويم وزارة التخطيط فلدينا انفجار سكاني بسبب زيادة الإنجاب». وتؤكد العبيدي أن «هذه الأسباب تدفع رب الأسرة إلى التخلص من البنات عبر تزويجهن، فضلاً عن الأعراف والتقاليد التي تقول بضرورة زواج المرأة بسن باكر تجنباً لمشكلات الشرف».

أجرى فريق التحرير الذي أعد هذا التحقيق جولة ميدانية في إحدى قرى ناحية القادسية – محافظة النجف، قرية «الكعبوري» تحديداً، وبعد جمع المعلومات عن زيجات الزواج المبكر، توصلنا إلى نتائج صادمة، حيث تبين بأن جميع الفتيات اللواتي تزوجن مبكراً قد حُرِمن من الدراسة! أما الفتيان الذين تزوجوا مبكراً فكان حوالي نصفهم قد تسرب من الدراسة، ومعظمهم يعيشون في ظروف معيشية صعبة! وبطبيعة الحال لم نأت بجديد، فهناك عدد لا حصر له من الدارسات التي تؤكد العلاقة الوثيقة ما بين الزواج المبكر والحرمان من الدراسة والفقر.

تراجع خجول في نسب الزواج المبكر

على الرغم من أن هناك بعض التحسن في المناطق الحضرية الرئيسية في العراق، إلا أن زواج الأطفال ما يزال يشكل تحدياً كبيراً في المناطق الريفية والفقيرة. ولتحقيق التقدم في مكافحة هذه الظاهرة، يتطلب الأمر تعاوناً شاملاً من المجتمع والحكومة والمنظمات الدولية والمحلية، وإدخال إصلاحات عميقة في النهج الاجتماعي والتعليمي والاقتصادي في العراق.

من جهة أخرى، تتطلب مكافحة زواج الأطفال في العراق تغيير الثقافة الاجتماعية التي تروج لهذه الظاهرة. ففي بعض المجتمعات العراقية، يعد زواج الفتيات الصغيرات والمراهقات وسيلة لصيانة الشرف ولحمايتهن من التحرش الجنسي، ويعتبرون زواجهن في سن صغيرة عادةً مجديةً ومفيدةً للعائلة بشكل عام. وبالتالي، يتعين على المنظمات المدنية والحكومية توعية المجتمعات بأضرار الزواج المبكر، وتعزيز الوعي الثقافي بأهمية تعليم الفتيان والفتيات وتحفيزهم لتحقيق أهدافهم.

علاوة على ذلك، يتعين على الحكومة العراقية تشديد القوانين والتشريعات التي تنظم زواج الأطفال وتحمي حقوق الفتيات، وتعزيز الرقابة على التزام القوانين والتشريعات في هذا الصدد. وبالإضافة إلى ذلك، يتعين تعزيز الدور الريادي للمرأة وتمكينها اقتصادياً واجتماعياً، وتعزيز دور التعليم وتوفير الفرص التعليمية للفتيات، وخاصة في المناطق الريفية والفقيرة، حيث تكون نسبة الأمية عالية ويتم استخدام الفتيات كمصدر للعمل في المنازل والحقول.

وفي الختام، فإن مكافحة زواج الأطفال في العراق تتطلب جهوداً شاملة ومتكاملة من الحكومة والمجتمع والمنظمات المدنية، وتطبيق إجراءات وبرامج فعالة لتعزيز الوعي الثقافي وتمكين الفتيات اجتماعياً واقتصادياً.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

مقالات ذات صلة

اقتراب الانتخابات يشعل حرب
سياسية

اقتراب الانتخابات يشعل حرب "الدعاوى القضائية" بين الرئاسات والمحافظات

بغداد/ تميم الحسن تصاعدت منذ مطلع العام الحالي موجة نادرة من "النزاعات القانونية"، بدأت من المحافظات وانتقلت إلى الرئاسات. وتظهر هذه الموجة انقسامات سياسية حادة، فيما تتحرك تحت تأثيرات "الدعاية الانتخابية". وحتى اللحظة، لم...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram