اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > اللعبة السردية وغضب التدوين في رواية (حدائق كافكا المعلقة)

اللعبة السردية وغضب التدوين في رواية (حدائق كافكا المعلقة)

نشر في: 21 مايو, 2023: 10:16 م

علي لفتة سعيد

لا يبدو الأمر سهلا أو هينًا أو يسيرًا أن تستثمر فكرةً ما لإنتاج فكرةٍ جديدةٍ أو تسقط الفكرة القديمة المشهورة على واقعٍ راهن،

خاصة إذا ما كانت الفكرة/ الحكاية/ القصة/ مشهورة على مستوى العالم. ورغم أن الأمر ليس جديدًا على الساحة الأدبية وخاصة الروائية منها، إلّا أن استخدام المشهور لإنتاج نصّ آخر يكون موازيًا له وغير متشابه لا يأتي أكله إلّا من خلال الفكرة العامة.. وهذا له مردود إيجابي وسلبي.. الايجابي أن المنتج يريد أن يكون صادقًا مع المتلقيّن من أن الفكرة مستلة أو مشابهة لما تم الاطلاع عليه وأن التقارب بين الفكرة التي ستطرح والفكرة المطروحة تكون مساعدة فعهم المغزى غير المباشر لفكرة الرواية.. والسلبي إن امكانية إزاحة المطبوع في الذهن وإيجاد مطبوعٍ آخر لهي مشكلةٌ قد لا تكون في صالح العملـ إلّا إذا كان المنتج على درايةٍ وخلفيةٍ إنتاجية إبداعية يعرف ما يريد ويعرف ماذا يكتب وكيف ينتج العمل.

هكذا فعل الأديب المصري عبد النبي فرج في رواية (حدائق كافكا المعلقة) الصادرة عن مؤسسة أبجد العراقية. وهي الرواية التي تتابع عملية الإنتاج لفرج واستغلاله للواقع بطريقة المخيال وإنتاج المخيال على ثيمة واقعية، وهو أمر بالإمكان تلمّسه في بقية نتاجه وخاصة رواياته (مزرعة الجنرالات/سجن مفتوح/ زواحف سامة) وهي من خلال حتى عناوينها تشي بما يمكن الارتباط بالغضب الذي اجتاح الأدب والأديب معا خلال العقدين الأخيرين من القرن الواحد والعشرين، والذي ثبتنا أسّسه وخلاصته في كتابنا (الأدب الغاضب وتحوّلات النص/ الرواية العربية ما بعد المتغيرات) والذي عني بالكشف عن ملابسات النص خلال الفترة التي جددها الكتاب والذي وجدناه غاضبًا من كل شيء.

إن اللعبة الإنتاجية لهذه الرواية تبدأ من العنوان مباشرة، ولأننا دائما ما نؤكّد على أن العنوان بوّابة مدينة النصّ، فإن العنوان هنا كان هو الباب وهو المدينة التي تبدأ من خلالها سريان مفعول اللعبة السردية، ما بين المتن والمبنى. وإذا ما تجاوزنا قصة كافكا (المسخ) وما هو مطبوع في ذهن المتلقّي فإن الاستثمار يأتي هنا ليس لأن فرجَ أراد التحوّل الى صرصار أو الى مسخ أو الى أية علامة دالة على التحوّل الجيني، بل أراد أن قول إن المجتمع هو الضحية لكل التحوّلات التي تعيشها البلدان، وإن كان قد اختصّ به المجتمع المصري.. فهو يمازج بين الفعل الكافكوي وبين الأثر المجتمعي أو النتيجة السياسية أو التحوّلات التي طرأت على الإنسان سواء الشخصية الرئيسية في الرواية أم الشخصيات الأخرى المرابطة والمراقبة والمساهمة والمفتعلة والفعّالة. ولهذا فإن اللعبة لديه هي كيفية اسقاط المفهوم العام على الفعل الخاص، وهو ما حمله على الإتيان بثلاث فعّاليات يريد لها أن تصبّ نتيجة واحدة.

الأولى: إن (مسخ) كافكا لم يعد رواية، بل هو أثر التحوّلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي طرأت وغيرت وأثّرت على المجتمعات.

الثانية: إن المجتمع الذي طرأت عليه المتغيرات الصعبة في كل نواحيها قد أثّرت على العقل الجمعي وأصبح (كافكويا) سواء أراد أم لم يرد فهو يعيش في خضم المعاناة المختلفة، سواء في قاعدة المجتمع أو أعلاه الهرمي أو في وسطه الذي تمثّله الطبقة المثقّفة.

الثالثة: إن اللعبة السردية ستتيح له حرية التناول حيث يشاء وأنّى يريد من خلال تغريب الواقع وفعل الشخصية الذي تتمحور حوله كلّ المؤثّرات التابعة والمتبوعة.

ولهذا ان الرواية في لعبتها التدوينية تبدأ بفصل التقارب بين الأثر الكافكوي والمعنى القصدي. فقد عنونه (حشرة كافكا الهائلة) لتقريب المشهدية أو المستوى التخييلي الذاكراتي الى المتلقّي، ليكون معه في المراحل الأخرى التي تبعد عن (الحشرة) وتقترب منه الى الشخصية الرئيسية.

إن اللعبة التدوينية في بنية الكتابة انتهجت عدّة مسارات ومستويات، خاصة وأنه بدأ الرواية بضمير المتكلّم، ليكون أكثر لصقًا والتصاقًا مع الصورة العامة، ويكون أكثر قدرةٍ على استخدام اللغة الأقرب لديه، ويكون أكثر اتّساعًا في الأخذ بهذه المنطقة او تلك. ولهذا فإن الاستهلال المتكلّم وضميره جاء مواكبًا للفكرة العامة والتأثير السابق.(لا يمر يوم بدون هجوم الكوابيس عليّ أثناء النوم، تتبعني بإصرار، وعندما أفيق تتجسد أمام وجعي، وتتراوح ما بين السقوط من مكان مرتفع، أو هجوم كائنات مفترسة، أو تعرضني للاختناق) واعتقد أن المتلقّي هنا سيبحث عن تلك العلاقة بين مسخ كافكا ومسخ عبد النبي فرج. فما دام الاستهلال فيه مشهد رعب وفعل صراع وتفعيل درامي باستخدام المستويين الإخباري والتصويري، وهو ما يمكن أن نقول إنه يرتبط بالغضب الذي ينتاب النصّ الأدبي العربي ما بعد الربيع العربي الناقم من وعلى كلّ شيء، وهو ردّة فعلٍ لفعلٍ حاصلٍ خارج إرادته، وإن أراده فعلًا سائرًا بالاحتجاج.

إن الرواية التي يديرها البطل العاطل عن العمل هو صورة قلمية تحتاج الى مستوىً تحاليلي يتدخّل في العملة الإنتاجية، وهو ما جعل المنتج يجعل الكوابيس وحدائق البهوات في عملية ممازجة بين المفهومين بطريقة السخرية، مثلما يجعلها منطقةً وسطى بين الاثنين.. وكذلك بين الفعل الواقعي حدّ النخاع وبين غرائبية الطريقة والطرح ما بين الحكاية والفكرة، لتسيرا معا في عملية الروي. ولهذا فإن واحدة من مهام تفعيل المتن هو إيجاد السؤال الذي يأتي على لسان الراوي/ الشخصية المحورية أو الشخصيات الأخرى، لكنها تنبع من عملية الإنابة من الروائي الى الراوي الى الشخصيات. وهي أسئلة مخّتصة بالحياة وعوزها وتخمتها وتناقضاتها، وهو ما جعله في استخدام اللعبة الى بثّ أفكاره أي الروائي على لسان راويه، لتفعيل اللعبة الحكائية في المبنى من خلال تفعيل العلاقة بين الراوي وشخوصيه.

ولأن الرواية فيها واقعية/ غرائبية، فإن البطل لا يربد أن يكون مثقّفًا وإن كان انعكاسًا للروائي، لكي يدفع بالنقاشات الى مستوى الصراع والمستوى الدرامي. ولهذا فإن البطل/ كاتب القصة/ الباحث عن العمل/ المستفز/ الناقم يحتاج، الى مقدرةٍ فعّالة، وبالتالي الى بثّ الأفكار كونه في صراع معها، كونه كان هو وسطها (كانت لدي هواجس وشكوك تجاه المثقفين، لذلك لم أعطِ الأمان، فكل نقطة ضعف تتحول لسكين حاد في جنبك) وهو هنا يتحول من الراوي المتكّلم الى المخاطب في توسيع نقاط الروي، مثلما جذب الانتباه وجعله يروي الى الآخر / المتلقّي/ الشخصيات معا. ولأنه يريد خلق علاقة بين البطل وجعله هو الروائي ذكر عناوين قصصه (جسد في الظل) ليثر الانتباه يريد هو أن يكون كافكا وليس المسخ باعتبار أن المسخ هو الفعل المؤثّر في الواقع السياسي. وكافكا/ فرج هو الفعل الذي يشير الى هذا التأثير.

إن اللعبة التدوينية ايضا تعتمد على مفعول اللغة، وهي التي تتحمّل كلّ تبعات الروي والحكي في المتن والمبنى.. اللغة هنا أس اللعبة وهي تتّخذ أربع حالات تختصر الحالات الأخرى التي تجتمع بين طياتها.

الأولى: الوصف التصويري الذي يمنح الصورة ملامحها السردية من خلال توصيف ما هو مباشر مع الشخصيات.

الثانية: اللغة الشعرية التي تعطي رفعةً للمشهد سواء مشهد درامي/ شخصيات/ واقعة.. أو وصفي/ حركة/ تفعيل/ ارتفاع في الحالة النفسية للراوي.

الثالثة: الممازجة ما بين الاثنين التصويرية والشعرية لإنتاج المستوى القصدي، الذي يقود الى المستوى التأويلي المانح لروح الرواية كلّها نسغها.

الرابعة: اللغة التي تحملها الأسئلة، والأجوبة التي يحملها المتلقّي ليصوغ منها لغة الإجابة.

(ساعات كنت أقوم مفزوعاً بسبب انسداد أنفي بالرمل الذي أسحبه من سقف الجحر، أقوم باحثا عن هواء فلا أحد، أظل أصارع لتنظيف أنفي والدفع بقوة للهواء لكي يسلك مجراها حتى جحوظ عيني، وفي اللحظة التي أتيقن فيها الموت ينفذ خيط هواء ويتدفق في الرئة ساعتها أبكي لعودتي للحياة مرة ثانية، ما سر هذا التشبث بالحياة؟ ما هذه الرغبة المحمومة في هذا التكرار الأبدي؟ فما الذي حدث أمس؟ لا شيء، ما الذي سيحدث غدا؟)

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ليفربول يخسر وديا أمام بريستون

مجلس الخدمة ينشر توزيع حملة الشهادات والاوائل المعينين حديثا

البرلمان يشكل لجنة إثر التجاوزات على اقتصاد العراق وأراضيه

بايدن يرفض دعوات الانسحاب من الانتخابات الامريكية : انتظروني الأسبوع المقبل

وفاة محافظ نينوى الأسبق دريد كشمولة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram