اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > ضحكات إيطالية..من العسير تحرير الصورة من مجتمع تعمق فيه الحيف الفاشي

ضحكات إيطالية..من العسير تحرير الصورة من مجتمع تعمق فيه الحيف الفاشي

نشر في: 23 مايو, 2023: 11:28 م

علاء المفرجي

أصدر الناقد والإعلامي عرفان رشيد كتابا بعنوان ضحكات إيطالية، عن الدار السعودية جسور للثقافة، يتحدث فيه عن نشأة وانتشار مدرسة (الواقعية الإيطالية الجديدة) في مطلع الخمسينيات، والتي يرى أنها استقت نسغها الأساس من جذور التقليد المسرحي لـ (كوميديا ديل أرتي).

يقول المؤلف عن كتابه هذا الذي اتخذ عنوانا ثانويا (سرد مختصر لتاريخ وأصول "الكوميديا الإيطالية"): قولان، بصرف النظر عن مناسبة النطق بهما، او تكوينهما اللغوي، او اللهجة التي ينطقان بهما، هما من اكثر الاقوال ارتباطا بالواقع المعاش لشخص او مجموعة بشرية، اينما كان ذلك الشخص، او تلك المجموعة، وكلاهما مرتبطان في الغالب، بواقع البؤس او التهميش اوالخراب، وتحديدا في الاوقات التي تلي الحروب او الكوارث فلطالما ضحك البشر ازاء ما هو مأساوي، مثير للحزن كانت تلك البلية دافعا لاجتراح وسائل لـ"تدبير الراس" سواء في تدبير لقمة العيش، او ابتكار وابتداع وسائل وطرائق تعبيرية في الفن والثقافة اجمالا، وقد تميز الايطاليون عن غيرهم بمقدرة فائقة على تجاوز اثار وتداعيات احلك الظروف، وبالذات في النصف الاول من القرن العشرين، وما شهده حربين عالميتين، وديكتاتورية فاشية واحتلال نازي، تمكن الايطاليون من مواجهة كل ذلك بتحويل الدمار الذي زاد من الفقر والفاقة المتأصلة في كثير من أجزاء هذه البلاد، وبالذات في الجنوب الى منطلق جديد اعاد ايطاليا الى الواجهة، والى احتلال الموقع الذي تستحقه بين دول العالم الاكثر تطورا وهو ما حققه الايطاليون عبر قرون طويلة، اذ ليس بالإمكان اليوم الحديث عن الشعر دون الانطلاق من دانتي اليغييري.

لا يمكننا التعامل عن الفن التشكيلي دون الانطلاق من فيلق عظيم من فناني ما قبل عصر النهضة وما بعدها، ولا يمكن الحديث عن الموسيقى دون الانطلاق من جوزيبي فيردي وجواكينو روسيني غيرهما وليس بالإمكان الحديث عن المسرح دون الغوص في عوالم كارلو غولدوني لويجي بيرانديلو إدواردو دي فيليبو جورجو سترهلر وداريو فو وكذلك الامر بالنسبة للسينما التي لا يمكن الحديث عنها دون المرور لفيتوريودي سيكا روبيرتو روسليني لوكينو فيسكونتي فيديريكو فيلليني ايتوري سكولا بييترو جيرمي دينو ريزي سيرجولويوني ولينا فيرتمولر وصولا الى كارلو فيردوني، وروبيرتو بينيني، وماسيمو تروييز، وباولو سورينتينو وغيرهم، وبالذات في السينما الايطالية التي تحول كل اسم من اسماء مخرجيها الى مدرسة ملهمة على المستوى العالمي.

لم يستق مخرجو وكتاب السينما الايطالية من الواقع قصصهم وحكاياهم وحسب بل ايضا طرائق انجاز الافلام ومادة السرد والقص التي تضمنتها افلامهم ولا عجب ان يتحول الواقع المنظور إليه بعين اخرى- جديدة، الى المادة الاولى في الدرس السينمائي الذي اسداه الايطاليون لسينمائيي العالم، بالذات في المرحلة التي غادر فيها مخرجون مثل فيتوريو دي سيكا، وروبيرتو روسليني، ولوكينو فيسكونتي، وجوزيبي دي سانتيس، استوديوها "تشينيتيشتا" ونزولا الى الشوارع والحقول لانجاز افلام مثل "سارقو الدراجات" و"معجزة في ميلانو" و"روما مدينة مفتوحة" و"خارقة الجمال" و"الرز المر" واستقوا الحكايا والممثلين من الشوارع، ومكنت براعة كتّاب مثل تشيزاري زافاتيني، سوزو تشيكي داميكو واينيو فلايانو، من جعل ابطال تلك الافلام يتكلمون لغة الشارع الايطالي، ليس ذلك بمعنى الهبوط بمستوى اللغة، بل بمعنى تمكنها من منح تلك الشخصيات المقدرة على التعبير عن الواقع بكل تفصيلاته وتشابكاته.

كان ما اسسه النظام الفاشي خلال عشرينية حكمه من 1925 الى 1945، قد تغلغل الى صلب المجتمع وكان من العسير تحرير الصورة او الكلمة من ربقة ذلك البناء في مجتمع تعمق فيه الحيف الفاشي.

وهكذا ولدت "الواقعية الايطالية الجديدة" التي صارت مدرسة في الشكل والمضمون، وافسحت الطريق امام تيارات ومسالك جديدة في ايطاليا واوروبا وفي العالم، حتى صارت مادة لا للدرس فحسب، بل للاستعادة، اي الـ "Rermake" والاستعارة

والنسخ، فمن فيلم "عطر المرأة" لدينو ريزي وبطولة فيتوريو، استقى مارتن بريست شريطة، واناط الدور الذي كان يؤديه غازمان الى النجم الامريكي آل باتشينو، ومن طيران المعدمين على متن مكانس القش صوت السماء من ساحة الكاتدرائية بميلانو في فيلم معجزة في ميلانو لفيتوريو دي سيكا استقى ستفين سبيلبيرغ، بالتأكيد مشهد طيران (ET) ورفاقه من الصبية على متن دراجامتهم الهوائية المحلقة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ليفربول يخسر وديا أمام بريستون

مجلس الخدمة ينشر توزيع حملة الشهادات والاوائل المعينين حديثا

البرلمان يشكل لجنة إثر التجاوزات على اقتصاد العراق وأراضيه

بايدن يرفض دعوات الانسحاب من الانتخابات الامريكية : انتظروني الأسبوع المقبل

وفاة محافظ نينوى الأسبق دريد كشمولة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram