TOP

جريدة المدى > عام > إِنْقذُوا .. قُبـّة الصَليبِيّة في سَامرِّاء!

إِنْقذُوا .. قُبـّة الصَليبِيّة في سَامرِّاء!

نشر في: 28 مايو, 2023: 11:41 م

رسالة مفتوحة الى من يهمه الأمر

د. خالد السلطاني

معمار وأكاديمي

.. و"قُبـّة الصَليبِيّة"، مدار المناشدة هذة، هي احدى المأثر العمرانية المميزة في سامراء: الحاضرة العباسية المعروفة،

ويعود تاريخها الى سنة 862 م، وتُعد من اهم نماذج العمارة الاسلامية وحتى العمارة العالمية، وهي اصلا مشمولة (في عام 2007) ضمن قائمة التراث العالمي الواجب الحفاظ عليه الذي تتبناه اليونسكو.

تنبع اهمية وقيمة "قُبـّة الصَليبِيّة" بكونها، وفق رأى كثر من الدارسين، شيدت لتكون "اول" نموذج لـ "ضريح" في العمارة الاسلامية. ولهذا يعد المبنى السامرائي هذا اضافة مهمة ذات شأن في تنويع "تابلوجية" Typology العمارة الاسلامية، اذ استطاع المبنى بظهوره الخاص واللافت ان يثري منتج العمارة الاسلامية وبالتالي منتج العمارة العالمي. ومع ان وجود امكنة دفن الموتي او ما يعرف بالمقبرة/ "الروضة" او "الجبانة" هو حدث تخطيطي شائع، بل ملازم في الكثير من الاحيان لمخططات المدن الاسلامية، فان نوعية ذلك الحدث، تحديداً، هو الذي يضفي على تلك المدن سمة مميزة، يكسبها، بالتالي، خصوصيتها. وفي هذاالصدد يشيرالمؤرخ التونسي "هشام جعيط" الى دور <الجبانات> ووجودها في مخطط المدن الاسلامية، ويكتب عن تواجه الجامع والجبانة ".. فالجامع هو المكان الاول المحدد في الخطة، والذي ينبغي ان يحتل منها المركز الهندسي. كما ان الجبانة قامت بدور المركز لتجميع القبيلة، فكانت النقطة الحساسة، والساحة العمومية، وقلب الخطة النابض" ويشير ايضاَ ".. كانت الجبانة ثمرة للعفوية الخلاقة في عالم القبائل، لان السلطة لم تتدخل في إقامتها، فكان عليها أن تنجو منطقياً من تأثير الحضارات المحلية المحيطة، وخلافا لذلك فهي ترجع الى نسبها العربي". ويذكرنا واحد من اهم الدارسين للعمارة الاسلامية البريطاني "روبرت هيلينبراند" Robert Hillenbrand ، بان "... لا يمكن لاي زائر يقظ للعالم الاسلامي ان لا يتفاجأ بالعدد الهائل من الاضرحة في المدن الاسلامية وفي ريفها على حد سواء. فدور تلك المنشاءات في البيئة المبنية لا يضاهي، كما انه لايقاس في اهميته وحضوره مقارنة في مخططات المدن الغربية.

لا يمكن الحديث عن عمارة "قُبـّة الصَليبِيّة"بمعزل عن ذكر طبيعة "المناخ" الابداعي الذي وسم مدينة سامراء طيلة فترتها القصيرة التى تقدر بحوالي نصف قرن تقريباً. كما لا يمكن التغاضي عن تأثيرات حواضر اسلامية كبرى في تكريس ذلك المناخ التجديدي ولاسيما تاثيرات بغداد بكون سامراء الوارثة الشرعية لمختلف النجاحات العمرانية والمعمارية للعاصمة العباسية الاولى. واذ اتينا على مجمل النشاط العمراني السامرائي المحموم والمتنوع والرائد في الكثير من جوانبه، فسنجد نماذج تصميمية تجاوزت بلغتها المعمارية ونوعية تكويناتها التصميمية الكثير من امثالها في مناطق جغرافية متنوعة. لنتذكر "مسجد المتوكل الكبير" (848 -852)، ومقياسه ومقاساته الضخمة، مع مئذنته "الملوية" ذات الشكل الفريد والمؤثر؛ او لنسترجع ظهور الخزف الزجاجي الملون كجزء من مفردات "الانترير" الداخلي للاحياز المترفة في قصور ودارات سامراء العديدة؛ او لنستحضر من بين النجاحات التصميمية، تنويعات اشكال الزخرفة الحائطية وكذلك رسومات جداريات سامراء وثيماتها المميزة والجريئة، ناهيك عن ذكر الممارسات التخطيطية ذات الابعاد الشاسعة وعناصرها البنائية التى اقترنت بها الفعالية العمرانية السامرائية. ثمة ، اذن، نشاط معماري دؤوب ومتعدد ومتنوع وينطوي على مقاييس مختلفة، كان، وقتها، من ضمن الممارسات العادية للفعالية المعمارية اليومية في سامراء فضلا على الخبرة والمهارة العميقتين التين اكتسبهما العمل البنائي ومنظوماته الانشائية جراء عمليات الاعمار الواسعة واشغال التنفيذ التى أُجريت وقتذاك . وفي اعتقادنا، من ان عدم استحضار تلك الاجواء الابداعية، او محاولة اغفال معرفة مناخات العمل التصميمي حينذاك، سيشكل نقيصة معرفية، قد تقف حائلا امام تحقيق قراءة موضوعية وتحليلية للحدث المعماري الذي نحن بصدده وهو ظهورعمارة "قُبـّة الصَليبِيّة".

عندما قتل الخليفة " محمد المنتصر بالله بن المتوكل بن المعتصم بن الرشيد" (837 – 862 م. <222 -248 هـ.>)، وكان بعمر حوالي 25 سنة وحكم لفترة قصيرة لم تتجاوز ستة اشهر، ارادت امه وكانت مسيحية (رومية)، ان يظهر قبره بخلاف ما هو متعارف عنه باضفاء نوعا من "سرية" على مكان القبر، كما درجت في العادة مراسيم دفن الخلفاء العباسيين. ويذكر المؤرخ العباسي "ابو الحسن المسعودي" (896 – 957 م.) من ان "المنتصر هو أول خليفة من بنى العباس فيما قيل عرف قبره، وبذلك أن امه طلبت إظهار قبره.." (شريف يوسف، تاريخ فن العمارة العراقية في مختلف العصور، بغداد، 1982، ص.355). وكانت تلك العادة تقتضي جهد الامكان التمويه عن مكان الدفن، حتى لاتتكرر أعمال "نبش" قبورهم، مثلما جرى من اخراج جثث وحفر وتهديم لقبور خلفاء واعضاء البيت الاموي اثناء الانتفاضة التى قامت ضد الامويين وافضت، كما هو معلوم، الى انتقال الحكم الى البيت العباسي. ووفقا للمؤرخ "ابو جعفر الطبري" (839 -923 م.)، فان ".. المنصور لما توفي حفر له مائة قبر، ودفن في كلها لئلا يعرف موضع قبره الذي هو ظاهر للناس، ودفن في غيرها للخوف عليه، ثم قال، وهكذا قبور خلفاء ولد العباس لا يعرف لأحدهم قبر". (المصدر السابق، ص. 356).

يقع مبنى "قُبـّة الصَليبِيّة"شمال غرب سامراء الحالية بحوالي 16 كم، وهو مشيد بالجهة الغربية من نهر دجلة. ووفقا للكثير من المصادر والمراجع التى تناولت هذا الاثر المعماري، فان موقع "قبة الصليبية" يبعد بحوالي 1.5 كم جنوب قصر المعشوق <"العاشق"> (877 – 882 م.) ويتشكل المبنى الواقع باعلى تلة ترابية اصطناعية، من شكل ثماني بطول قطر 16 مترا، وثمة شكل ثماني داخلي آخر، اصغر منه يفصله عن الاول برواق يبلغ عرضه 2.6 متر مغطى بقبو نصف اسطواني، يرتكز على عقود في نهايته، وفي كل ضلع من اضلاعه الثمانية الخارجية توجد فتحة معقودة. وشكل العقد من النوع المدبب ذي المركزين الذي شاع لفترة في سامراء. وللمثمن الداخلي اربعو مداخل تقع على محور الجهات الاصلية الاربعة. اما وسط البناء فثمة قاعة مربعة ابعادها 6.3 × 6.3 مترا. وكل باب يكتنفه من الداخل حنية نصف دائرية من كل من الجهتين، ومنطقة الانتقال للقاعة هذة من المربع الى المثمن تكون بواسطة الطاقات الركنية المنفردة Squinches. وهي تؤكد التغطية العلوية للقاعة بالقبة التى سقطت منذ زمن طويل. ويرجح ان مقطع القبة، كان على شكل عقد مدبب. تم ترميم قبة الصليبية من قبل دائرة الاثار العراقية في السبعينات بضمنها اعادة بناء القبة. واجريت اعمال حفر حول اطراف موقع المبنى، وكشفت تلك الاعمال عن هيكل لبناء مثمن بطول قطر يبلغ حوالي 31 مترا مع غرف موقعة على محيط هذا المثمن، ما يشير بشكل واضح الى تدعيم وسند منصة مفتوحة. كما توجد اربع مراقي (جمع مرقاة Ramp) مكشوفة بمقاسات 7.5 × 12.5 مترا، تصل ما بين المنسوب الارضي واعلى التلة.

عندما نقب "ارنست اميل هرتسفيلد" (1879– 1948) Ernst Herzfeld، المستشرق الالماني في موقع "قُبـّة الصَليبِيّة"، اثناء عمله التنقيبي الهام جدا والرائد والعلمي الذي جرى لاول مرة في موقع سامراء ما بين 1911 – 1913، قام باعداد مخططات للقبة ورسم مخططا مفصلا لها، بابعاد بدت على نحو دقيق، استقاها موقعياً، مع رسم مقطع افتراضي لما كان عليه المبنى قبل انهيار اجزاء كثيرة من جدرانه وقبته. وقد ارتئ بان المبنى الذي يدرسه ما هو الا "ضريح" للخليفة المنتصر المتوفي في سنة 248 هـ. 862 م. استنادا الى ما ذكره "المسعودي"، والى ما افصحت به "ام الخليفة" التى رغبت ان "يظهر" قبر ابنها المغدور. وبالتالي فان "قبة الصليبية" يعد اول نموذج لضريح في العمارة الاسلامية، وهو حدث هام اضافة بكونه رائدا وغير مسبوق، فانه كثير الاهمية لتأسيسه "نوع" Type من الابنية التى ستكون امثلتها التصميمية المتواجدة في نواحي وامكنة العالم الاسلامي، (والمعتمدة على النموذج السامرائي الرائد)، ستكون، لاحقاً، من كنوز العمارة الاسلامية.

في اللحظة التى كُلف معمار "قُبـّة الصَليبِيّة" (الذي ظل اسمه، مع الاسف، غير معروف) بمهمة تصميم "الضريح"، كان يعرف جيداً المنزلة الهامة للشخص المتوفي بكونه اميراً للمؤمنين وخليفة عباسي، مثلما كان يعي خصوصية المكان الزاخر بالعديد من النماذج المعمارية الفاخرة واحيانا غير المسبوقة في مواضيعها ومقاييسها الحافل بها مشهد العاصمة العباسية الثانية. ولهذا فقد حرص المعمار مثلما تطلع الجميع بان يكون "صنيعه" التصميمي متساوقا بالاهمية مع قدر أهمية الرجل المدفون ومتماثلا مع خصوصية البراعات التصميمية الغاصة بها بيئة سامراء المبنية! ولئن ادرك لتوه بانه عليه، ايضاً، ان "يستنبط" هيئة جديدة تتلائم مع "ثيمته" التصميمية، التى يعرف تماما ان نماذجها المبنية كانت شحيجة ان لم تكن معدومة اصلا، فانه احس بجدية وخطورة الواجب الملقى عليه. كل ذلك تطلب منه التعاطي بإجتهاد تصميمي استثنائي مع موضوعه، وذهابه باتجاه بلاغة تصميمية جديدة تكون اكثر اختزلاً وتكثيفاً، وقادرة، في الوقت عينه، على إجتراح عمل مملوء بالابعاد الدلالية.

في مثل هذة الحالة، تتقدم الصيغة التشكيلية النابعة من الرؤيا الفكرية للموضوعة التصميمية لتظهر امكاناتها لدى المعمار المجتهد ولتشكل، في النتيجة، لوحة فنية، تستقي مرجعيتها من "تجريد" يمكنه ان يجد حلاً مناسباً للمعضلة التصميمية المشغول بها المعمار. فالتجريد، هنا، كناية عن رمزية باستطاعتها إستحضار التنوع؛ التنوع المنتج للمعاني، المعاني "المنثورة" في الفضاء المحيط، الموحية به تشكيلات هذا التجريد المرئي! يتعامل المعمار، اذاً، مع عناصر محددة سعيا لبلوغ مراميه العديدة، وهو اذ يصطفيها (يصطفي تلك العناصر) من خزين الذاكرة الجمعية، يدرك تماما بما تشي به من ايحاءات تساعده في اجتراح شكل Form خاص ينطوي على حساسية شديدة الرهافة وعلى درجة قصوى من الاناقة. من هنا نفهم ذلك التوق الشديد لدى المعمار نحو اللجوء الى توظيف "الهندسية الصافية" واستخدام مفردات تصميمية آخرى توحي اشكالها وتلمح الى مضامين مألوفة ومفهومة من قبل الجميع، خالقا من توليفة جمعها معالم الحل التصميمي وواجدا فيها صيغة التكوين الابداعي للمبنى المرتجى.

في عمارة مشهد "قُبـّة الصَليبِيّة" تحضر بامتياز تلك الاشكال الهندسية المنتظمة متمثلة في المسقط المثمن المضبوط ومستطيلات اوجهه الثمانية، المحفور في منتصفها مداخل ثمان ذات اقواس مدببة، وطبعا تحضر القبة العلوية التى تسقف وسط المبنى المتشكل مقطعها من قوس مدبب ايضا. جدير بالذكر ان المبنى يخلو بصورة شبه تامة من عناصر تزيينة او زخرفية. وما عدا وجود الطاقات الركنية المنفردة التى تساعد في تحويل تسقيفات الشكل المربع الى محيط القبة العلوية الدائري، ووجود الحنايا التى تحيط من جهتي المداحل الداخلية الاربعة فان جمالية الشكل العام لمبنى "المشهد" تتمظهر اساساً من خلال منظومة التناسب الرشيقة التى اوجدت مقاسات وابعاد عناصر المبنى المختلفة، بالاضافة، طبعاً، الى الاثر "التكتوني" Tectonic الجمالي الذي صنعته نوعية المادة الانشائية الوحيدة وهي الآجر المستخدم في التركيب الانشائي للمبنى. واضح ان معمار المشهد يسعى وراء إختصار مفرداته التصميمية وتحديدها، لجهة توجيه اهتمام المتلقي نحو عناصر هيئة التشكيل المختزلة التى اجترحها، واضعاً مبناه على مرتفع ترابي اوصى بتنفيذه. وقد انجز تصميم اربع مراقي Ramps لمصطبات منحدرة تؤمن الوصول السلس الى قمة التلة الترابية، حيث تنهض هناك كتلة المشهد وتتكشف امام انظار المشاهد، كما تتفتح زهور النبتة المغروسة في تربتها!

وإجمالاً، فنحن ازاء حدث تصميمي، ينزع لتأسيس "نوع" من المباني، سيكون وجوده غاية في الاهمية لجهة تشكُـّل تنويعات العمارة الاسلامية وإثراء نماذجها التصميمية المعبرة. فما اجترحه المعمار السامرائي من "بـُنية" تصميمية رائدة، سيحمل المعنى والدلالة، فضلاً على مرام الاستعارة المصاغ بجمال التكوين والاسلوب. انه نوع من اجتهاد معماري تمنحنا رؤياه، شهادة لحظة ارهاص ولادة الجديد، والرائد، والنموذج البدئي. انه في الاخير، بمثابة دفقة الابداع الاولى المفرزة ببراعة اللغة التصميمية وحذق الصنعة! ومن هنا، في اعتقادي، تكمن ثنائية قيمة عمارة "قُبـّة الصَليبِيّة": مرة، لانها مهمة لذاتها، كحدث تصميمي مرموق، ومرة آخرى، لناحية ارتقاء نموذجها التصميمي، ليكون لاحقا مصدرا مؤثراً ومرجعية معمارية للكثير من "الشواهد" المبنية في منتج العمارة الاسلامية، التى لطالما قيًمًت من قبل كثيرين بكونها من روائع العمارة العالمية!

لقد اثر مبنى "قُبـّة الصَليبِيّة" في سامراء تأثيرا مباشراً وعميقاً على مجمل نشاط الابنية المشهدية في جميع انحاء العالم الاسلامي ، وأُعتبر صنيعه التصميمي نموذجاً ومرجعاُ لتلك العمارة التى شاع بنائها في عموم العالم الاسلامي. ولعل ذكر "ضريح اسماعيل الساماني" (892 -907 م.) في بخارى ببلاد ما وراء النهر ، والذي شيد بُعيّد بناء "قُبـّة الصَليبِيّة"، وكذلك ضريح "شاه فيروز" (النصف الثاني من القرن الرابع عشر)، سيرجان/ مقاطعة "كرمان" <ايران>، وغيرهما من الامثلة التصميمية، تبين بوضوح مدي تأثير عمارة "قُبـّة الصَليبِيّة"الواضح والشديد في صياغة تكوينات هذين المبنببن المهمين وعلى تصاميم امثلة عديدة أخرى.

تقتضي الموضوعية العلمية ان نشير الى رأي عدد آخر من الدراسين لـ "قُبـّة الصَليبِيّة" والذين ذهبوا في اتجاه اطروحة خاصة بهم تفيد بان المبنى اياه لم يكن "ضريحاً" للخليفة العباسي المنتصر بالله، هو الذي دفن وفق بعض المؤرخين الاسلاميين في قصره بالجوسق الخاقاني (كما يذهب الى ذلك الخطيب البغدادي وابن الهيثم الكوفي على سبيل المثال). واياً تكن نوعية <مشغولية> "قُبـّة الصَليبِيّة"، فانها أُدركت من قبل كثر من الناس المعاصرين لها وغير المعاصرين بكونها "ضريحـاً"، وعلى هذا الاساس تم تبني انموذجها التصميمي كمرجع رائد لمبنى الضريح الاسلامي، وهو ما يفسر نوعية تأثيراته المعمارية العميقة والواضحة على تصاميم هذا النوع من منتج العمارة الاسلامية.

يعاني مبنى "قُبـّة الصَليبِيّة" اليوم من ظروف صعبة وقاسية قد تؤدي الى هدمه وحتى تفضي الى اختفائه وتقود الى زواله كإثر معماري مرموق، ظل متواجدا لعدة قرون، يذكرنا بقيمة ما تم اجتراحه سابقاً ويدلنا على نموذج تصميمي رائد واستثنائي في أهميته المعمارية، وذلك بسبب سوء الاستخدام وفظاظته وجور التعاطي معه، وتوظيفه ليقوم بامور وحاجات جد بعيدة عن وظيفته الاصلية؛ هو الذي يمتلك حصانة حفظ وادامة وفرتهما له القوانين المرعية وشروط المتطلبات الدولية المعنية في شأنه (وانا اقصد بالذات منظمة اليونسكو التى ادخلت هذا الأثر المعماري المهم في سجلها الثقافي الواجب الحماية والرعاية والحفاظ). اذ استغلت مجاميع عسكرية احيازه الداخلية للسكن والاقامة فيه ، ما ترتب عن سوء الاستخدام هذا حدوث تشويهات واضرار كثيرة طالت بنيته الانشائية المتهالكة وافضت الى تشققات في جدرانه وإكسائها بطبقة من الدخان الاسود جراء الاستخدامات الجائرة لتلك الاحياز؛ فضلا على إِتِّخاذ احيازه كمكان "لتربية" دجاج، امست تمرح وتسرح في فضاءاته الداخلية، مضفيةً عبئا وظيفيا جديدا وغبر متوقع بتاتا لاحيازه الداخلية، هي التى ينبغي ان تظل محمبة وبعيدة جدا عن "افكار" جعل هذا الأثر المعماري المهم كمكان "لتربية" الدواجن فيه، وربما مستقبلا .. لحيونات آخرى!

كل هذا يتطلب منا، وعبر جريدة المدى الغراء، ان نناشد كل من يهمه امر هذا الاثر العراقي المرموق بالعمل على اخلاء المبنى من شاغليه وتسليمه الى الجهات المعنية (مؤسسة الآثار تحديدا مع اليونسكو)، والتعجيل باجراء صيانه سريعة له ورفع التجاوزات الجائرة والظالمة وغير الحضارية عنه، وليبقى شاهداً ونموذجاً لاهم ما اجترحته العمارة الاسلامية من ابداعات وما اضافته الى منتج العمارة العالمي من روائع تصميمية.

واذا كانت من ثمة ضرورة قصوى لتواجد تلك المجاميع العسكرية في المكان، فالافضل ابعادها عن موقع "قُبـّة الصَليبِيّة"، ذلك الاثر المعماري المهم بعدة مئات من الامتار، بعيدا عنه بحيث لا يؤدي وجودها الى مثل تلك الاجراءات السلبية التى يعاني منها هذا المعلم المتفرد والاستثنائي في اهميته التصميمية سواء لجهة العمارة الاسلامية ام لناحية منتج العمارة العالمية!

وكلنا امل بان يتم تحقيق ذلك باسرع وقت ممكن، لان حالة المبنى المزرية والمؤسفة التى وجدناها مؤخرا ، اثناء زيارتنا الميدانية له تستوجب جرأة المناشدة وتتطلب سرعة تنفيذ الاجراءات اللازمة!

مرة آخرى، نحن امام اثر معماري تاريخي ورمزي لا يضاهي. ومن الاجحاف بمكان عدم الاعتناء به وصيانته وترميمه، آملين باستجابة سريعة ومؤثرة لهذة المناشدة!

 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

السوداني يقاضي إعلامية كويتية بسبب آرائها

الفياض: الحشد الشعبي بكامل الاستعداد لمواجهة أي خطر

الجيش الإسرائيلي يحرق مستشفى كمال عدوان

الدفاع المدني يُحذّر: إرشادات هامة للسلامة أثناء العواصف

رينارد: مواجهة العراق "حاسمة وصعبة".. والسعودية تسعى للعودة إلى مستواها المعهود

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مثقفون: غياب العراق عن المؤشر ليس بالمستغرب في ظل اضطراب الوضع السياسي الذي ألقى بظلاله على الثقافة

موسيقى الاحد: استطرادات لغوية

عبد السلام الناصري.. الاختيار الصعب المحفوف بأشد المخاطر

السرد: متخيلات وأقيسة

الفيلم العراقي (آخر السعاة): أفضل ممثل وأفضل سيناريو

مقالات ذات صلة

معضلة التعليم الكبرى.. المنهج والاختبارات
عام

معضلة التعليم الكبرى.. المنهج والاختبارات

سامّي رايت*ترجمة: لطفية الدليميتحدّد هذه معدلات الامتحانات النتيجة النهائية لسنوات عديدة من الدراسة التي تمّ اختزالُها في بضع ساعات امتحانية في قاعة للامتحان. لكن بالنسبة للأكثرية الغالبة من هؤلاء الشباب اليافعين فإنّهم ما أن...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram