اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > باليت المدى: بهارات علي بدر

باليت المدى: بهارات علي بدر

نشر في: 28 مايو, 2023: 11:42 م

 ستار كاووش

إتفقنا على أن نقضي المساء في بيت صديقي الروائي علي بدر بمدينة بروكسل. تهيئنا ونزلنا من ساحة لويزا نحو أنفاق المترو أنا وأليس وصديقي الكاتب زهير كريم.

قطعنا عدة محطات قبلَ أَن أسأل زهير إن كان المكان بعيداً، فأجابني ساخراً (سآخذكما الى صحراء بعيدة وأتترككما هناك وأعود)، فضحكنا على الصحراء التي لا وجود لها في بروكسل. وصلنا أخيراً الى المحطة القريبة من مكان الموعد حيث كان بإنتظارنا الصديق الفنان ستار نعمة، تركنا خلفنا بوابة المحطة المزدحمة، وبعد أن قطعنا بعض الشوارع الصغيرة، ظهرتْ لنا البناية البيضاء التي يسكنها علي بدر، الذي وقف في الشرفة مرحباً وملوحاً بيديه، فصعدنا السلم اللولبي بسرعة، وخلال لحظات وجدنا أنفسنا داخل الشقة، حيث علي الذي لم ألتقيه منذ سنوات طويلة جداً، لذا كنتُ متشوقاً حقاً لهذا اللقاء. وسط البيت إستقرت مائدة كبيرة مليئة بأطباق مختلفة تفوح منها روائح طيبة، هيئها علي بدر لهذه الجلسة الإستثنائية، فيالها من بداية مذهلة للقاء لن يتكرر، وكما يقول الهولنديون (البداية الجيدة، بقيمة نصف الإنجار).

وضعتُ على الطاولة قنينة النبيذ الأبيض التي جلبتها معي، وهي لحسن الحظ كانت ملائمة لرائحة السمك التي إنطلقت من المطبخ الذي يتوسط الشقة. ثم افتتح علي بدر الجلسة بقنينة شامبانيا وبطريقة إحتفالية، لتتناوب بعدها أقداح النبيذ، وسط الاستذكارات وأحاديث القصة والرواية والرسم ودور النشر الهولندية والبلجيكية. المائدة عامرة بما لذَّ وطاب، والحكايات عامرة بالمحبة والإنسجام. كانت الكلمات تعرف طريقها إلينا جيداً، رغمَ إنها كانت تتعثر بالأطباق والاقداح قبل أن تصل مسامعنا، وبَدَتْ الإحاديث كإنها أبدية ولا تريد أن تنتهي، لكن النبيذ هو الذي إنتهى ونَفَد، ليقترح ستار نعمة بكل محبة، الذهاب الى بيتة القريب لجلب بضع قنانٍ أخرى، لكن علي بدر وقف مبتسماً وهو يطلب منا أن ننتظره لحظات، وهكذا نزل الى القبو الذي تحت البيت، ليخرج حاملاً قنينتي نبيذ أحمر معتق، وكإنه بطل رواية العطر، لتمضي الجلسة أسرع من المترو الذي جلبنا بين جوانحه السريعة. إستعدنا أيام بغداد التي مضت خلفنا كما مضى الأصدقاء كل واحد في طريق، وتذكرنا اليوم الذي تعارفنا فيه أنا وعلي بدر، حين حضر وقتها لمعرضي فى بغداد بأناقته وهو يحمل بعض الكتب الانجليزية، وتجولنا حينها وسط لوحات المعرض، لتبدأ خيوط صداقة رائعة تنسج بيننا، وكإنها تحاكي الخطوط التي نُسجت بها لوحات ذلك المعرض البعيد. مضى جزء كبير من الجلسة، حتى جاءت ميْتا، صديقة علي بدر وحيَّتنا بلغة عربية فاجئتني، ثم تَحَدَّثَتْ بالفرنسية، قبل أن تنضم لمائدتنا العجيبة التي إجتمعت فوقها عدد من اللغات، حيث كانت صديقة علي تحدثني بالعربية والهولندية، بينما إنشغلَ علي بالحديث مع أليس حول رواياته والكتابة بشكل عام بالانجليزية، وكانت حوارات ستار وزهير بين الفرنسية والانجليزية والعربية.

وعند إقترابنا من الأطراف الأخيرة للجلسة، تقدم علي بدر حاملاً شوربة سمك الماكريل التي طبخها بطريقة رائعة وهو يقول متفاخراً بنوعية الشوربة وإتقانه الطبخ (كان عليَّ أن أعد كل شيء خلال ساعتين قبل مجيئكم).

بعد دقائق وكعادة الهولنديين عند إعجابهم ببعض التفاصيل العراقية والشرقية، صاحتْ أليس (ما أطيب هذه الشوربة) لتُكمل مخاطبة علي بدر (هل يمكنك أن تخبرني بالوصفة التي طبخت بها هذه الشوربة المذهلة؟) فشرح علي كل التفاصل المتعلقة بذلك، قبل أن يَمدَّ يده ويخرج من أحد أدراج المطبخ قنينة زجاجية صغيرة فارغة، ملأها بنوع خاص من البهارات، وأعلنَ أمام الجميع (لكن الشوربة لا يمكن أن تكتمل دون هذه البهارات الخاصة)، وأعطى قنينة البهارات الى أليس التي إحمر خداها من الخجل والفرح بهذه الهدية العراقية الطيبة.

إنتهت السهرة بوقت متأخر، ومضينا أنا وزهير وأليس نحو محطة المترو، ولا أعرف لماذا تذكرتُ هناك وأنا أضحك، الصحراء التي تحدث عنها زهير، ربما تذكرتُ ذلك لأن ماكنة قطع التذاكر كانت عاطلة. لكن المهم إن إستعداداتنا للمغامرة لم يصيبها العطل، وكإننا نحمل أجنحة نستطيع الطيران بها دون تذاكر في هذا المساء الإستثنائي.

إنتبه زهير لحسن الحظ الى إن حواجز الدخول كانت مفتوحة، فدخلنا وهبطنا نحو المترو دون تذاكر. لكن المشكلة كانت عند وصولنا، حيث كانت الحواجز مغلقة ولا تفتح سوى بتمرير التذاكر أمام الجهاز كي تُفتح البوابات الصغيرة للخروج، فلم يكن أمامنا سوى القفز من فوق العوارض كما يفعل الصبيان الطائشون، وهكذا قفزنا أنا وأليس وتبعنا زهير، لنصعد بسرعة بعد أن إختلطتْ الضحكات مع وقع أقدامنا على سُلَّم المحطة وقفزنا نحو الشارع، تستقبلنا أضوية ساحة لويزا من جديد.

وَدَّعنا زهير ومشينا نحو البيت نحمل بهارات علي بدر، وهناك أكملنا السهرة ونحن نستعيد جزء من الضحكات والنقاشات والحوارات التي تركناها على تلك المائدة العجيبة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

ريال مدريد يجدد عقد مودريتش بعد تخفيض راتبه

العثور على جرة أثرية يعود تاريخها لعصور قديمة في السليمانية

"وسط إهمال حكومي".. الأنبار تفتقر إلى المسارح الفنية

تحذيرات من ممارسة شائعة تضر بالاطفال

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: العميل "كوديا"

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

 علي حسين ما زلت أتذكر المرة الأولى التي سمعت فيها اسم فولتير.. ففي المتوسطة كان أستاذ لنا يهوى الفلسفة، يخصص جزءاً من درس اللغة العربية للحديث عن هوايته هذه ، وأتذكر أن أستاذي...
علي حسين

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (1-2)عطلة نهاية العام نقضيها عادة في بيت خوالي في بغداد. عام ١٩٥٨ كنا نسكن ملحقاً في معمل خياطة قمصان (أيرمن) في منتصف شارع النواب في الكاظمية. أسرّتنا فرشت في الحديقة في حر...
زهير الجزائري

دائماً محنة البطل

ياسين طه حافظ هذه سطور ملأى بأكثر مما تظهره.قلت اعيدها لنقرأها جميعاً مرة ثانية وربما ثالثة او اكثر. السطور لنيتشه وفي عمله الفخم "هكذا تكلم زارادشت" او هكذا تكلم زارا.لسنا معنيين الان بصفة نيتشه...
ياسين طه حافظ

آفاق علاقات إيران مع دول الجوار في عهد الرئيس الجديد مسعود پزشكیان

د. فالح الحمراني يدور نقاش حيوي في إيران، حول أولويات السياسة الخارجية للرئيس المنتخب مسعود بيزشكيان، الذي ألحق في الجولة الثانية من الانتخابات هزيمة "غير متوقعة"، بحسب بوابة "الدبلوماسية الإيرانية" على الإنترنت. والواقع أنه...
د. فالح الحمراني
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram