تحليل سايكوسوسيولوجي
د. قاسم حسين صالح
توثيق
كشف مجلس القضاء الأعلى في العراق عن إحصائية لمعدلات الطلاق و الزواج المسجلة في شهر (كانون الثاني 2023) عن تسجيل ستة آلاف حالة طلاق مقابل ثلاثة آلاف حالة الزواج موثقة في المحاكم العراقية بواقع أكثر من 200 حالة طلاق يوميًا بما يعادل 8 حالات في الساعة الواحدة.
وفي (17 شباط 2022) نشرت الجهات القضائية العراقية، إحصائية عن عدد حالات الطلاق في البلاد خلال يناير الماضي، وصلت (لنحو 7 آلاف حالة طلاق، بواقع 10 حالات كل ساعة تقريبا) بحسب سكاي نيوز و العربي ووكالات أخرى.
في هذا المقال تحليل للأسباب ودعوة علمية لمعالجة اخطر ظاهرة اسرية تهدد المجتمع العراقي.
التحليل
في 2003 تخلص العراق من النظام الدكتاتوري. ومنطقيا، يفترض أن تكون نسب الطلاق في الزمن الديمقراطي أقلّ منها في الزمن الدكتاتوري،لأن الديمقراطية تؤمن العدالة الاجتماعية وتقضي على الفقر والبطالة، وتشيع الرفاهية والراحة النفسية بين الناس،حيث يعدّ الفقر والبطالة والضغوط النفسية أهم أسباب الطلاق.
ومع أن اسباب الطلاق التقليدية كانت موجودة في الزمن الدكتاتوري،مضافا لها ما نجم عن حروبه الكارثية(حالات الأسر الطويل،الاعاقة...)، والهجرة الفردية هربا من جمهورية الخوف..ثم الحصار الذي استمر ثلاثة عشر عاما،فان نسب الطلاق شهدت تزايدا غير مسبوق في العراق الديمقراطي..وثقناه في الآتي:
• في تقرير اخباري لفضائية الحرة- عراق بثته مساء الخميس(27/12/ 2012) أفاد ان حالات الطلاق في العراق في تزايد،تتصدرها بغداد الكرخ وتليها الناصرية، ثم النجف في المرتبة الثالثة، مسجلة ارقاما قياسية، وصلت الى (50%) من عدد المتزوجين، وأن القضاة وصفوا ظاهرة الطلاق بأنها صارت توازي ظاهرة الارهاب!
• وأفاد تقرير من احدى محاكم الكرادة بأن عدد حالات الطلاق فيها تتراوح بين (20 – 50) حالة في اليوم الواحد،وأنها صارت مصدر رزق للمحاميات والمحامين وكتّاب العرائض!
• و وفقا لمجلس القضاء الأعلى،فان عدد دعاوى الطلاق في العام 2004 كانت (28689)ارتفعت في عام 2005 الى(33348)،ووصلت في عام 2006 الى(36627)، وقفزت في عام 2012 لتصل في عدد من المدن العراقية الى ما يشبه الكارثة هو (50)حالة طلاق مقابل (100)حالة زواج..اي ان كل مليوني حالة زواج تقابلها مليون حالة طلاق!!.
• وفي مفارقة ما حصلت..أن مدينة النجف،المحافظة والمقدسة سجلت في الطلاق ارقاما غير مسبوقة تراوحت بين (25-30%)قياسا لعدد المتزوجين،فكيف بمدن عراقية أخرى ليس لها هذا الطابع!
خبراء علم النفس والاجتماع يتفقون معنا على أن السبب الاقتصادي يتصدر الأسباب التي تؤدي الى الطلاق. وتشير التقارير الى أن نسبة الفقر في المجتمع العراقي بلغت في العام (2013) 23%، اي أن ربع الشعب العراقي هم دون مستوى خط الفقر المحدد عالميا بأقل من دولارين في اليوم، ارتفعت في (2022) الى 13 مليون فقير وفقا لوزارة التخطيط، مصحوبة بارتفاع نسبة بطالة هي الأعلى في دول المنطقة،مع ان ميزانية العراق تعادل ميزانيات ست دول عربية مجتمعة،لكن ما اختلس في زمن حكم الآسلام السياسي في وزارتي الكهرباء والدفاع فقط يزيد على اثني عشر مليون دولارا بحسب هيئة النزاهة.
ومع أن الحكومة والبرلمان والمرجعية والكتل السياسية والناس متفقة كلها على وجود الفساد، وان القانون والدين والاخلاق توجب على المسؤول الأول في الدولة أن يحافظ على (بيت المال)،ومع ذلك لم يستجب لطلب المتظاهرين في ساحة التحرير بتشكيل محكمة خاصة لمحاكمة الفاسدين واسترداد الأموال من الحيتان الكبار التي لو صرفت على الناس لتحسن وضعهم الاقتصادي ومعالجة سبب الفقر الذي يعد الأول في خفض نسب الطلاق.
والذي لا ينتبه له كثيرون أن أخطر ما احدثه الفساد هو أنه هرّأ الضمير الأخلاقي لاسيما لدى من يفترض ان يكون القدوة للناس. والأوجع أن يتبادل لابسو العمائم تهم الاختلاس والرشوة والفساد المالي علانية دون اعتبار لهيبة العمامة وقدسيتها عند العراقيين بشكل خاص..ما يعني أن تهرؤ الضمير الذي افسده الزمن الديمقراطي شكّل سببا خفيا في الطلاق.
وأذا كان الزواج المبكر يشكل أحد الأسباب الرئيسة للطلاق فأنه دخل على اسبابه التقليدية في زمن الديمقراطية متغير جديد هو الأستخدام غير الجيد لوسائل التواصل الأجتماعي والفضائيات والمسلسلات الأجنبية التي اسهمت في تفكك اسري مخجل. فضلا عن ان جيل الشباب في العراق يختلفون عن شباب العالم بكونهم ولدوا في حرب ونشأوا في حرب ويعشيون في أكثر من حرب،وأنهم مأزومون نفسيا وكثير منهم فهم الحرية بالطريقة التي تقدمها المسلسلات الأجنبية التي تطرح الطلاق كما لو كان حالة عادية. ولأن الزمن الديمقراطي لم يقدم لجيل الشباب الأنموذج الأخلاقي الراقي فأنهم استسهلوا الطلاق..يؤكد ذلك تقرير يفيد بحصول اكثر من عشرة آلاف مطلقة من مواليد عام 1995 في عامين،وتقرير آخر يفيد بأن نسبة الطلاق في الفئة العمرية دون العشرين بلغت 30% من حالات الزواج المسجلة في مدينة عراقية محافظة.
أننا ندعو مؤسسة المدى الى عقد مؤتمر يشارك فيه علماء نفس واجتماع وقانون واعلاميون ورجال دين بوضع استرتيجية تنفذ على مراحل تشخّص اسباب هذه الظاهرة (أسرية..تدخل ذوي الزوجين او اقاربهم مثالا..)،اجتماعية (مخاطر الزواج المبكر مثالا..)، اعلامية (ضعف معلومات الزوجين حول الحقوق والواجبات، مثالا)،ثقافية (الاستخدام الجيد لوسائل التواصل الاجتماعي مثالا) و سياسية واقتصادية يساهم فيها سياسيون وبرلمانيون معنيون بهذه الظاهرة، يخرج بتوصيات ومقترحات تعمل على معالجة اخطر ظاهرة تهدد كيان المجتمع العراقي.. في منهاج ستتولى اعداده الجمعية النفسية العراقية.