TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > هل سيستغل السوداني فرص الاصلاح المتاحة

هل سيستغل السوداني فرص الاصلاح المتاحة

نشر في: 4 يونيو, 2023: 10:52 م

حيدر نزار السيد سلمان

محمد شياع السوداني أول رئيس وزراء عراقي بعد 2003 من أهل الداخل، فهو عاش ظروف العراق الصعبة والأشد قساوة، وهي ميزة كانت ولا زالت تشكل معياراً شعبياً مناقضاً لسيطرة القادمين بعد الغزو كحكام للبلد.

إضافة إلى ذلك فإن السوداني بلغ قمة السلطة وميزانية الدولة المتخمة بالمال الوفير كناتج من ارتفاع أسعار النفط، كما أنه مثّل خياراً لائتلاف متعدد الانتماءات منحه الثقة بتشكيل حكومة سُميت بحكومة الخدمات لإرضاء الناس المتذمرين الساخطين على مجمل الأوليغارشية الحاكمة، وهذه الميزات المتوفرة تعطي الرجل قدرات كبيرة على إنجاز شيء ما مختلف، ويسد الاخفاق المتراكم. لكن لا يبدو لحد الآن أن ذلك سيحصل رغم أن خطابات السوداني وحركته تبدو ميالة لإصلاح الأوضاع العامة في البلاد وإظهار أنموذج سلطوي مختلف، فالمؤتلفون الداعمون علناً لحكومته يتصارعون سراً لإبقاء الحال على ما هو عليه مقابل إعطاء جرعات استرضائية لشعب يشعر بمرارة ثورية من أسلوب الحكم وانغماس أفراده بفساد فريد من توحشه، ويشكل هؤلاء -بالإضافة لكونهم متصارعين- حماة أشدّاء للنماذج الملطخة بالفساد، ويتشاركون كأوليغارشيين متحالفين ومنتفعين في هذه الحماية، الأمر الذي تؤكده التقارير الداخلية والدولية. وجاء الكشف جلياً في الوثيقتين اللتين قدمهما علي عبد الأمير علاوي وزير المالية السابق، وهما بمثابة بيان لتبرير استقالته وتوضيح ملابسات ما عُرف بسرقة القرن، وطبقاً لذلك تبدو رغبة السوداني المكررة في أحاديثه لمكافحة الفساد مجرد اعلانات مودة وحماسة لتمرير زمنه بوعود كسابقيه، إلا إذا توفرت إرادة في قادم الزمن له ليحول أقواله إلى أفعال.

يشكل الائتلاف الداعم العلني للسوداني مجاميع من مراكز القوى التي استأثرت بالسلطة منذ عام 2003، وهذه المجاميع تمتلك بعضها جماعات مسلحة أو مدعومة من قوى مسلحة، وطبقاً لذلك فهي تعيش هاجس القوة وترى نفسَها الحاكمة الفعلية للبلاد، ولا تسمح ببروز منافسين لها أو من يتصدرون المشهد العام حتى لو كان السوداني نفسه، كما أن من بين أفرادها من هُم طامحين لجوجين بالسلطة يعدون السوداني حالة انتقالية لعبورهم باتجاهها، وإن بعضهم يرتبطون بعلاقات خارجية تريد إبقاء الأمور تحت نفوذها وتعمل على منع أية شخصية تحاول فرض نفسها دون أن تكون خاضعة لها. وهنا تظهر المصاعب المعقدة أمام هذه الحكومة الحالية وما تواجهه من موانع حتى وإن توفرت النوايا للإصلاح، فهي ستفشل إن لم تدعمها إرادة تتصف بالعزم والحزم؛ فهل تتوفر هذه في السوداني؟

مثلما يواجه السوداني هذه الموانع أمام الإصلاح العام فإنه يمكن له مواجهتها إذا استغل صراع الحلفاء وتنافسهم وتحرك بمكيافيلية ذكية ومواقف صارمة تبدأ من فرض القانون في الفضاء العام وإظهار حزم الدولة أمام سلاح العشائر والقضاء على شبكات الفساد الصغيرة المستوطنة في مؤسسات الدولة، فهذه تشكل العمود الذي يقف عليه جسم الفساد الكبير. وفي هذه الحالة سيحظى الرجل بقبول شعبي وتفويض بالصعود عالياً إلى رؤوس الفساد المدمرة للاقتصاد وحياة الناس ومستقبلهم، فهل سيكون السوداني كذلك؟

رغم الزخم الإعلامي الدعائي شديدة الوطأة الممجد لحكومة السوداني ومحاولة استعادة الهيمنة على القطاعات الشعبية، لا سيما بعد انسحاب الصدريين، فإن التذمر الشعبي عاد من جديد بالتصاعد، وربما شكّل ذلك فرصة للتحرك الحقيقي بدل ما يحدث حالياً من أعمال ساذجة حتى الخدمية منها، وكأن هذه الحكومة ستنهج الطريق نفسه الذي سلكته الحكومات السابقة، وهو ما لا يرتضيه الناس الذين يتأملون تغييراً حقيقياً يلمسون نتائجه أمنياً وسياسياً واقتصادياً. وهذا لن يحصل إلا بثورة إصلاحية، وهي لن تكون إلا بإرادة ومثابرة، فهل يمتلك السوداني هذه الإرادة؟

يشكل العامل الخارجي ضغطاً هائلاً على النمط السلوكي والعملي للحكومة العراقية، وهو يستهدف رئيس وزراء خاضع لإملاءاته، ويراعي مصالح الخارج اكثر من مراعاة مصالح العراق، ويستند العامل الخارجي على قوى تمزج بين السياسة والسلاح لتحقيق ما يريد. ولعل هذه العقبة تقف بصلابة أمام السوداني كما وقفت أمام من سبقوه، وحسب خطاب الرجل فهو يرمي لاستقلال العراق السياسي وتنويع علاقاته وفك ارتباطاته الاقتصادية إلا بما يتوافق مع مصلحة العراق. وهنا يمكن التساؤل: هل سيحول السوداني خطاباته حول استقلالية بلاده إلى واقع؟ ويتجاوز سياقات مفروضة، وهذا هو الأمر الآخر الذي بحاجة لقرارات صعبة، لكنها ليست مستحيلة.

تحصيلاً لما سبق فإن السوداني لم يكشف كل أوراقه في مواجهة العقبات وعبور الموانع، مع إدراكه للطبيعة السياسية للأوليغارشية الحاكمة وتحالفاتها وتوزيعها للمكاسب والامتيازات في ما بينها، فهو ليس غريباً عن تشكلها ومكوناتها وعلاقاتها البينية، ويدرك تماماً عوامل قوتها وضعفها، وبالتالي يمتلك خزيناً من المعلومات والبيانات عنها، فهل سيعمل على الإفادة منها وإحداث تغيير اصلاحي حقيقي وينقل البلاد من الدائرة المغلقة التي تدور داخل محيطها المسببة لضعفها إلى حيث الدرب النهضوي كما يليق بالعراق؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

القضاء يأمر بالقبض على نور زهير ويمهل الكفلاء 13 يوماً لجلبه

بسبب تعطيل مجلس نينوى.. نائب رئيسه يعلن استعداده للاستقالة!

الأنواء الجوية: انخفاض درجات الحرارة خلال الأيام المقبلة

عالمياً.. النفط يعود للانخفاض بعد 3 جلسات من الارتفاع

السوداني يبدأ زيارة رسمية إلى مصر وتونس

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

وراء القصد.. ولا تيفو.. عن حمودي الحارثي

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

العمودالثامن: فاصل ونواصل

العمودالثامن: ذهب نور وجاء زيد

شراكة الاقتصاد الكلي والوحدة الوطنية

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

 علي حسين الحزن والكآبة والتعوّد على طقوسهما، موضوع كتاب صدر قبل سنوات بعنوان "ضدّ السعادة"، حشد فيه مؤلفه إيريك جي. ويلسون جميع الشواهد التي ينبغي أن تردعنا عن الإحساس بأي معنى للتفاؤل، فالمؤلف...
علي حسين

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

محمد الربيعي (الحلقة 3)التجربة الكوريةتجربة كوريا الجنوبية في التعليم تعتبر واحدة من أنجح التجارب العالمية فقد استطاعت أن تحقق قفزة نوعية في مسارها التنموي، فحوّلت نفسها من دولة فقيرة إلى قوة اقتصادية عظمى في...
د. محمد الربيعي

مركزية الوهم العربي: بين الشعور بالتفوق ونظريات المؤامرة

قحطان الفرج الله مفهوم "المركزية" الذي يقوم على نزعة الشعور الجارف بتفوق الأنا (سواء كانت غربية أو إسلامية) وصفاء هويتها ونقاء أصلها. بحسب الدكتور عبد الله ابراهيم الناقد والمفكر العراقي، الذي قدم تحليلًا معمقًا...
قحطان الفرج الله

تفاسير فظيعة في تفخيذ الرضيعة

حسين سميسم وجد الفقهاء أن موقفهم ضعيف في تشريع سن الزواج، نظرا لضعف الروايات التي اعتمدوا عليها، اضافة الى خلو القرآن من نص صريح يوضح ذلك، فذهبوا إلى التفسير بحثا عن ضالتهم، ووجدوا في...
حسين سميسم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram