د.عماد عبد اللطيف سالم
1
التلاميذ والطلبة في العراق، ليسوا كسالى، ولا أباليين، و"مكبسلين" وضائعين، ومنفصلين عن الواقع، ولا يهمّهم شيء، ولا يدرونَ بما يجري حولهم، ولا يتحملّون مسؤوولية أنفسهم وعوائلهم.. إلى غير ذلك من النعوت المشينة.
التلاميذ والطلبة في العراق، هم ضحايا "دولة" العراق، وسياساتها التعليمية الفاشلة، وضحايا النتائج التي ترتبّت على هذه السياسات شديدة التدمير، منذ عقودٍ طويلة.
أنا شخصيّا، وفي كلّ يومٍ، وفي كُلِّ لحظة تدريسٍ تجمعني بهم، أبكي عليهم دماً.
الطلبة والتلاميذ في العراق.. هم ضحايانا.
2
"دولة" تبيع "الصمّون"، وتوزِّع الخبز بدل "الطحين".. ليست دولة.
"دولة" توزِّع شوربة العدس على الفقراء، بدل توفير العدس لهم.. ليست دولة.
"دولة" توزِّع على طلبتها السمك"المسكَوف"، ولا تعطيهم صنّارةً ليتعلّموا الصيد بها.. ليست دولة.
إنّها "دكّان" في أفضل الأحوال، أو "فرن" أو "مطبخ" في أسوأها.. وليست دولة.
3
ذهب أحدهم إلى أحد رؤساء جمهوريّات ما قبل العام 2003، وكان صديقاً له، وطلب منه نقل ابنه الجنديّ "المُكلّف" من وحدة عسكريّة نائيّة، إلى وحدة عسكريّة قريبة من بغداد.
أجاب السيّد الرئيس(وكان يومذاك هو القائد العام للقوّات المسلحّة)، بأنّ هذا الأمر ليس سهلاً، ويحتاج إلى "واسطة كُلِّش جبيرة"!!!!
لم يتم نقل الجندّي، وأنهى خدمتهُ "الإلزاميّة" كاملةً في مدن وقرى و"ربايا" المثلّث الإيراني - العراقي- التركي.. بينما بقيَ "سيادة" القائد العام للقوات المسلّحة، رئيساً لجمهوريّةِ العراق. . في بغداد.
قولوا ما شئتم عن معايير "عدالة" و"نزاهة" ذلك "الزمن الجميل".. ولكنّ هذا ليس رئيس جمهوريّة عادل.
هذا رئيس جمهوريّة مهزوز، ومسلوب الإرادة، وضعيف.
و ذهب أحدهم إلى أحد رؤساء جمهوريّات ما بعد العام 2003، وكان صديقاً له، وطلب منه(في أحلك سنوات الصراع الطائفي)، أن يساعده على حماية ابنه الوحيد من تهديداتٍ "مسؤول" في منطقته.. وأخبرهُ بأنّ هذا "المسؤول" قالَ لهُ شخصيّاً بأنّهُ سيُلصِق بابنه تُهمةً، قد تؤدّي لإعدامه.
وعده السيّد رئيس الجمهورية خيراً، وطلب منهُ أن يعودَ إليهِ بعد أسبوع.
عاد الرجل بعد أسبوع، وقابل السيّد الرئيس.. فقال لهُ السيّد الرئيس:
والله يا أبو. .. أشوف لو تسفُّر ابنك للخارج، هواية أحسن! !!!
وسافر "الولَد" إلى الخارج.. بينما بقي "فخامته" رئيساً لجمهورية العراق، في بغداد.
قولوا ما شئتم، ولكن..
هذا ليس رئيس جمهوريّة "منطقي" و "عاقل" و"حكيم".
هذا رئيس جمهوريّة "خائف"، وانتهازي، وضعيف.
4
استناداً لمؤشِّر العبوديّة العالمي لعام 2023.. فإنّ العدد التقريبي للأشخاص الذين يعيشون أوضاعاً تُمثِّل "عبودية حديثة" في العراق هو 212 ألف شخص، ومعدل "العبودية الحديثة" لكل ألف شخص في العراق هو 5.5 شخص فقط! !!
كنتُ أعتقدُ أنّ الرقم هو أكثر من ذلك بكثير.
الأسباب وراء "اعتقادي" هذا كثيرةٌ، وكثيرةٌ جداً، وأعتذر جدّاً لأنّني لا أستطيع الإفصاح عنها هنا، واترك ذلك لحسن ادراككم للأمور.
ينصرف مفهوم "العبودية الحديثة" أساساً إلى "الإتجار" بالبشر.
ينطوي الاتجار بالبشر، على استخدام القوة أو الاحتيال أو الإكراه للحصول على نوع من العمل، أو ممارسة "الجنس التجاري" ضد إرادة الشخص المُتاجَر به.
يستخدم "المُتاجِرون" بالبشر جميع الوسائل المتاحة لتبرير تجارتهم، ومنها استخدام وسائل العنف الصريح، والتضليل الديني، و"منظومات" قيم وتقاليد وأعراف ما قبل الدولة الحديثة، وأساليب التلاعب والتدليس، واطلاق الوعود الكاذبة بوظائف جيدة الأجر، و"العلاقات الرومانسية" لإغراء الضحايا، ليتم بعد ذلك الاتجار بهم بكلّ سهولة ويسر.
ومن خلال كلّ ذلك تتمّ "شرعنة" العبودية الحديثة، وإضفاء الطابع "الرسمي"عليها، بل وحتّى اسباغ طابع "القداسة" على التفاصيل المتعلّقة بها، وجعلها سلوكاً، وأنماط تصرُّف مجتمعيّة مُستدامة، وغير قابلة للنقض والمعارضة والإدانة، وتقديمها لقطاعات عريضة من المجتمع، وكأنّها من "طبيعة الأشياء".
يشمل ضحايا الاتجار بالبشر الرجال والنساء والأطفال من جميع الأعمار والأجناس والجنسيات.
وهناك اليوم ما يقرب من 45.8 مليون شخص عالقون في فخ "العبودية الحديثة" حول العالم.. وهذا يشمل 10 ملايين طفل، و 15.4 مليون شخص يتم استعبادهم في اطار الزواج القسري، و 4.8 مليون شخص يتم استعبادهم من خلال الاستغلال الجنسي القسري.. ومع ذلك فإنّ من الصعب تحديد الإحصائيات الدقيقة بهذا الصدد، لأن العديد من حالات الاتجار بالبشر تمر دون أن يتم اكتشافها أو الإبلاغ عنها.