د. أحمد عبد الرزاق شكارة
يقتضي الاحتفاء باليوم العالمي للبيئة الذي اعلن من قبل برنامج الامم المتحدة للبيئة UNEP في الخامس من حزيران / يونيو في عام 1973 أن تترجم دول العالم والعراق من ضمنها الاقوال إلى افعال أو نشاطات فعلية بل وإنجازات بيئية علمية متقدمة مبتكرة يشهد لها التأريخ بعظم هدفها الجوهري في حماية كوكب الارض من كافة المخاطر البيئية الكونية التي تهدد بقاء الجنس البشري والحياة الطبيعية - الانسانية للنظام البيئي The Ecosystemبرمته.
أن التقارير الدولية البيئية المتخصصة ما فتئت تؤكد بإن العراق لازال يعيش مآساة إنسانية - بيئية كبرى من مظاهرها تصاعد نسبة الجفاف سنويا، التصحر وقلة المياه لنهري دجلة والفرات وشبكة الانهار والروافد لدرجة غير مسبوقة تؤثر سلبا على حياة المواطنين. بعبارة واضحة عد العراق من بين عدد محدود جدا من الدول التي وصفت بكونها "اكثر عرضة للمخاطر نتيجة التدهور البيئي -الحاد- وإهمال الحفاظ على البيئة". ضمن المنظور البيئي – الستراتيجي يمكننا الاشارة إلى عوامل أخرى سياسية، اقتصادية، مجتمعية إسهمت بحراجة الموقف البيئي وصولا إلى مرحلة الازمة البيئية الحادة رافقها محدودية توافر حلول عملية او علمية ناجعة. مضافا لذلك " ضعف الأطر القانونية والتنظيمية للإدارة البيئية، وضعف الترتيبات والقدرات المؤسسية".
لاشك أن صناع القرار في العراق وفي منطقة مينا (MENA) (الشرق الاوسط وشمال افريقيا) قد خبروا منذ فترة ليست بالقصيرة ضرورة مواجهة تحديات التغيير المناخي من خلال إقامة أنظمة مستدامة لأحزمة خضراء واسعة لحماية البيئة الطبيعية والبشرية لتي ستسهم بدورها في بلورة وتعزيز مفاهيم وسياسات وأنظمة الامن الغذائي - المائي - السكاني والبيئي. علما بإن وزارة البيئة العراقية قد اطلقت في 17 مايو 2023الوثيقة الوطنيةللسياسات السكانية التي تأتي أهميتها من كونها" تمثل تغييرا نوعيا إيجابيا للمجتمع الذي يشكل 54% منه الفئة المنتجة - من الشباب - ". إلا انها جهود تبقى محدودة ومثالية نسبيا إذا لم ترتبط ببناء هيكلي بيئي شامل قويم اللهم بإستثناء بعض من نماذجها الايجابية المتوقعة للعام 2024 حيث تناقلت الانباء في 10 حزيران / يونيو 2023 عن أطلاق البنك المركزي مبادرة عرفت بالستراتيجية الوطنية للإقراض (من خلال مصرف ريادة) تصل قيمتها أكثر من 12 مليار دولار والتي يفترض أن يستثمرها رجال الاعمال وصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة بغية ترجمة فرصها الثمينة إلى حالة إيجابية هدفها الارتقاء النوعي لحياة السكان في مجالات التنمية المجتمعية - الاقتصادية. برغم ذلك فإن الواقع الراهن يؤكد إستمرار تصاعد وتيرة الازمات البيئية التي تراكمت طرديا مع تفاقم الازمة السياسية - الادارية في البلاد محدثة أزمات مجتمعية - اقتصادية وبيئية خطيرة تم رصدها من قبل جهات ومنظمات متخصصة متعددة منها: الاجهزة الوطنية ذاتها، منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية ممثلة ببرنامج الامم المتحدة للتنمية ((UNDPوبرنامج الامم المتحدة للبيئة (UNEP) ومجموعة البنك الدولي WBG. واقع بيئي له جذوره الداخلية والخارجية ولكنه محبط لأمال الشعب حمل تداعيات خطيرة على الامن البيئي - الستراتيجي من ابرز عوامله وسماته ما يلي: " إرتفاع - حاد - لدرجة الحرارة وقلة الأمطار وشحة المياه وملوحة الأراضي وزيادة نسبة العواصف الرملية والترابية والكوارث الناجمة عنها، مما يعرقل التنمية ويعيق جهود الحد من الفقر وتعزيز سبل العيش وتخفيف الصراع على الموارد الطبيعية". علما بإن حلول الازمة البيئية المركبة والمعقدة تتعدى في تأثيراتها الحدود الوطنية ما اسهم بضرورة عقد مؤتمرات دوليةللمناخ بدأت تتصاعد وتيرتها منذ مؤتمر باريس للعام 2015 مرورا بمؤتمرات COP26 في غلاسكو (بريطانيا) عام 2021 وCOP27 في شرم الشيخ (مصر) عام 2022 و المتوقع COP28 في دبي - دولة الامارات العربية المتحدة. مؤتمرات تقدم لنا نماذج أستثنائية هدفها ردم الهوة المتسعة بين الشعب والجهات الرسمية والغير رسمية، في المقدمة منها أهمية بذل جهود بيئية عالمية للحصول على شبكة معلومات ذات مصداقية يتم عرضها من خلال اوراق عمل، تقارير وابحاث عملية وعلمية بيئية تنعكس آثارها إيجابا إذا ما نفذت عملا على تصاعد منسوب الوعي البيئي الابداعي كونها تتضمن معالجات بيئية دقيقة نسبيا تذكي استمرارية حالة الابداع البيئي في مشروعات تقنية بيئية تقلص او تخفف من نفاذية غازات الميثان وثاني اوكسيد الكاربون.
من هنا أولوية متابعة الافكار والمقترحات الذكية التي تواكب متغيرات عصر الاقتصاد التقني - الرقمي البيئي الاخضر تستند إلى ضرورة دعم آليات فاعلة كفوءة عالية التقنية تشرف عليها اولا: القطاعات الاقتصادية التقليدية من زراعة وصناعة وخدمات وثانيا: قطاعات اقتصادية حديثة مرتبطة بتقنيات ومعطيات العصر الحديث حيث تتفاعل مع التغيرات المناخية سريعة الايقاع وصولا إلى حالة الاستدامة الانسانية البيئية Environmental Human Sustainability. هذاومن الاهداف الجوهرية لبرنامج الامم المتحدة للتنمية في العراق ما يلي:
إعادة التآهيل البيئي والتنموي في العراق عن طريق معالجة الاسباب الجذرية وطنيا -اقليميا ودوليا.
تعزيز جهود البرنامج الأممي للبيئة وللتنمية من خلال بناء القدرات وتقديم الدعم الفني للوزارات والادارات ذات الصلة في الحكومة العراقية والسلطات المحلية وسلطات الاقليم لتمكينها من تلبية الالتزامات الاساسية والوفاء بالتزاماتها القانونية والسياسية والتنظيمية لتعزيز الأستدامة البيئية وإيقاف التغيير المناخي في العراق.
لعل من المناسب الاشارة ايضا إلى بعض الجهود الحكومية في مجال مواجهة التغيرات المناخية في المقدمة منها الخطة الستراتيجية لوزارة التخطيط2022 -2025 التي اوضحت في المحور الثاني "كفاءة الأداء المؤسسي" قيام الوزارة بتحديد ضمن جملة اولويات تقع في إطار التوجه الجيوسياسي للدولة حيث انهمكت اجهزة الوزارة وتشكيلاتها الفنية بإعداد وثيقة استجابة للتغيرات المناخية. أن الاشكال الاساسي في نظرنا المتواضع يكمن في كون التطبيق العملي للانجاز لايزال دون الطموح او المرجو الذي يرنو إليه شعبنا الذي تتصاعد معاناته الشديدة مع قدوم كل صيف حيث ترتفع درجات الحرارة إلى مستويات غير مسبوقة تصل إلى مايقارب الخمسينات بل وفي ايام القيض الشديد جدا تصل مايقارب بداية الستينات تترافق مع استمرار فجوة في تلبية احتياجات الطاقة التي لازالت قائمة بسبب نقص محطات الكهرباء التي تعتمد على الغاز الطبيعي ما يدفع لاستيراد الطاقة المكلفة من ايران، يضاف لكل ذلك تنامي مساحات الجفاف والتصحر التي بدورها اثرت بشكل خطير على الدورة الحياتية للموارد المائية - الغذائية للسكان.
لذا كان لابد من تكثيف الجهود الرسمية وغير الرسمية لرسم خارطة طريق لمجابهة التحديات البيئية. ضمن هذا السياق عقد في محافظة البصرة ليومي ال12- 13 من آذار 2023 مؤتمر العراق للمناخ بحضور اقليمي وعربي ودولي تحت رعاية وتوجيه السيد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وبالتنسيق مع الوزارات والجهات القطاعية ذات العلاقة ولجنة الصحة والبيئة البرلمانية وبعثة الامم المتحدة والمنظمات الدولية والبعثات الدبلوماسية. رسالة السيد السوداني أكدت على ضرورة الاهتمام الاستثنائي لمواجهة التغيرات المناخية من قبل المجتمع الدولي والمنظمات وصناديق التمويل الدولية لدعم جهود الحكومة العراقية في وثيقة المساهمة الوطنية لإتخاذ إجراءات عملية حكومية ومجتمعية ترتبط اساسا بإرتفاع منسوب درجة الوعي للتعامل مع مخاطر وجودية للتغيرات المناخية. إن التشخيص السليم لكون التغير المناخي لم يعد فقط تغيرا بيئيا طبيعيا بل قضية أمن وطني وتنمية أنسانية للجيل الحالي والاجيال القادمة مسألة يجب الاقرار بها والمتابعة المستمرة لها من خلال إيجاد حلول ناجعة لها ما يستوجب قيام البرلمان العراقي تخصيص موازنة وطنية كبرى لتغير المناخ في عام 2023 للبدء بتفيذ حقيقي لاولويات المساهمة. علما بإن الموازنة للسنوات الثلاث 2023- 2025 لم تتضمن تخصيص مبالغ استثمارية لمجابهة تحديات المناخ بل انها في الغالب الاعم تغطي كلفا مالية تشغيلية (الرواتب للموظفين او للعاملين في القطاع البيئي والصحي وللقطاعات الاخرى ذات العلاقة).
اما مسألة النهج التشاركي بين الجهات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص ومنظمات الامم المتحدة والبنك الدولي وغيرها من كيانات دولية فهي مسالة تحتاج للمزيد من الجهود السياسية - الدبلوماسية،، الادارية، المالية والتقنية - الفنية والبشرية المتخصصة وعلى راسها ضرورة أستقطاب الكفاءات العراقية واستيعابها في كافة مجالات التنمية البيئية الانسانية المستدامة بغية الارتقاء بنوعية ومستويات الحياة للمواطنين. علما بإن استثمار مثل هذه الجهود الضخمة بشريا وماديا يحتاج ايضا لخطط وترتيبات زمنية ومكانية تحدد ملامحها ومضمونها وفقا لإحدث المعاييرالعلمية والتقنية عالية الجودة والاداء.
