بغداد/ تميم الحسن
قد يفجر رئيس الوزراء محمد السوداني مفاجأة بتقديم طعن بالموازنة التي شهدت واحدة من اطول الجلسات في البرلمان لتمريرها امتدت لـ5 ايام.
وفي اول تصريح لرئيس الحكومة بعد تمرير الموازنة، قال انه ستتم مراجعة البنود المعدلة في الموازنة.
ولا يعرف على وجه التحديد الفقرات التي قد تطعن فيها الحكومة وفيما لو كان من ضمنها الجزء الخاص بكردستان.
لكن ما يتم تداوله في الاوساط السياسية هو اشارات عن غضب حكومي لما فعلته اللجنة المالية بالنسخة الحكومية التي قلبتها رأسا على عقب، بحسب ما يوصف.
وتنقل تلك الأوساط عن مستشارين لرئيس الحكومة، بان «سكوت السوداني» طوال الفترة الماضية بشأن ازمة الموازنة سيترجم في «المحكمة الاتحادية».
وتؤكد المصادر ان الحكومة لا تستطيع تقديم طعنها على قانون الموازنة أمام المحكمة الاتحادية إلا بعد نشره في جريدة الوقائع الرسمية.
ووفق نواب فان الدستور يمنح الحكومة حق الطعن أمام المحكمة الاتحادية لإلغاء وإبطال الأحكام التي أضافها البرلمان على قانون الموازنة طبقا لأحكام المادة (13) من الدستور كونها أحكام غير دستورية.
بالمقابل قيد الدستور صلاحية مجلس النواب في المادة (62) ولم يجعلها مطلقة، إذ منحه إجراء المناقلة بين أبواب فصول الموازنة وتخفيض مجمل مبالغها، وله عند الضرورة أن يقترح على مجلس الوزراء زيادة إجمالي النفقات.
وقال رئيس الوزراء في بيان أمس، ان رؤية حكومته في تقديم موازنة لـ3 سنوات هي: «تقليل الإنفاق التشغيلي وتنمية الإيرادات غير النفطية ودعم القطاع الخاص».
وعن تعديلات اللجنة المالية أكد ان «الحكومة ستعمل على مراجعة البنود التي تمّ تعديلها في الموازنة، ودراسة مدى تطابقها مع رؤية الحكومة وأهدافها المعتمدة في المنهاج الوزاري».
وفي السياق ذاته قال وكيل وزارة المالية مسعود حيدر تعليقا على بيان السوداني: «هذا هو الاجراء الصحيح».
واضاف في تغريدة على توتير: «الذي لا يتطابق مع البرنامج الحكومي (ويقصد بنود الموازنة) الذي صوت عليه مجلس النواب، يستوجب اتخاذ قرار دستوري وقانوني مناسب بشأنه من قبل الحكومة».
وكانت وزيرة المالية طيف سامي قد هددت الاسبوع الماضي، بان وزارتها ستطعن بالموازنة في حال تم إقرارها وفيها تغيير للفقرات التي أدرجتها الحكومة.
وتسببت تغييرات اجراها فريق محسوب على الإطار التنسيقي في اللجنة المالية بدعم من الاخير على الموازنة بتفجير ازمة مع كردستان وصفها زعيم الحزب الديمقراطي مسعود بارزاني بانها «كشفت عن الوجه الحقيقي للأطراف الشوفينية».
وقال بارزاني في رسالة أمس للرأي العام انه: «مؤسف جداً ما حدث في الأيام القليلة الماضية في مجلس النواب العراقي من محاولات غير مسؤولة وغير دستورية تهدف لتعميق المشاكل وانتهاك الحقوق المشروعة للشعب الكردستاني».
وأضاف، «يدرك الجميع أن هناك حوارات أدت الى اتفاقات بناءة بين الأطراف المكونة لتحالف إدارة الدولة لإزالة العوائق وحل الإشكاليات، فالحكومة الاتحادية العراقية وحكومة اقليم كردستان قد توصلتا الى اتفاق جيد وايجابي لحل المعضلات، من أجل توطيد دعائم الاستقرار في البلد وخدمة الناس، إلا أن ما فعلته بعض الأحزاب السياسية، وللأسف، من جحود وإنكار وبطريقة غير مسؤولة بهدف تقويض كيان إقليم كردستان، إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل وأُهملت».
وتابع، «إن ما حدث في الأيام القليلة الماضية في مجلس النواب العراقي قد أزال القناع وكشف عن الوجه الحقيقي للأطراف الشوفينية ومساوماتها ومن لا يحترمون عهودهم وتواقيعهم، إنهم لا يحترمون الدستور، والآن بعد أن تمت الموافقة على مشروع قانون الموازنة في مجلس النواب العراقي، آمل أن يتم تنفيذ بنودها بحسن نية».
ولفت إلى «إننا نؤكد أن إقليم كردستان هو ملك للشعب الكردستاني، ونتاج دماء وتضحيات ونضال الشعب الكردستاني، ونعارض وبشدة أية محاولة متهورة تسعى للتجاوز وتقويض كيان إقليم كردستان، فبالنسبة لنا، إن إقليم كردستان ليس خطاً أحمر فحسب، بل هو خط الموت أيضاً، فأما كردستان أو الفناء».
ومرر البرلمان في جلسات مستمرة من يوم الخميس الماضي حتى فجر أمس الاثنين، موازنة لـ3 سنوات لأول مرة في تاريخ الموازنات بعد 2003.
وتبلغ قيمة النفقات المقترحة في الموازنة الجديدة 198 تريليون و910 مليارات دينار (153 مليار دولار) لكل عام.
ويبلغ إجمالي إيرادات الموازنة 134 تريليون و5 مليارات دينار (103,4 مليارات دولار)، بناء على سعر برميل نفط 70 دولارا.
أما حصة إقليم كردستان فتبلغ 12,67 بالمئة، على ان تمر صادرات نفط الإقليم عبر شركة تسويق المنتجات النفطية العراقية (سومو)، وعلى الإقليم «شحن النفط الخام» المنتج في الحقول الواقعة فيه إلى مخازن الشركة «وبما لا يقل عن 400 ألف برميل يوميا».
وينبغي إيداع الإيرادات المتأتية من تصدير نفط الإقليم في حساب مصرفي تفتحه وزارة المالية الاتحادية لدى البنك المركزي.
وواجهت الموازنة انتقادات بسبب العجز الكبير الذي يصل الى 64.36 تريليون دينار (49 مليار دولار)، وعدد الوظائف.
وبحسب محمد نوري، عضو اللجنة المالية بالبرلمان، إنه تمت إضافة أكثر من مليون عامل جديد، بما في ذلك المتعاقدون والموظفون اليوميون والموظفون العاملون بدوام كامل.
بالمقابل انتقد منقذ داغر الباحث في الشأن الاقتصادي فقرة في الموازنة تتعلق بإطفاء الحكومة السلف السابقة حتى نهاية العام الحالي، والتي اعتبرت بمثابة عفو عن سراق المال العام.
واكد داغر في تغريدة على تويتر نقلا عن ماجدة التميمي العضو السابق في اللجنة المالية، حجم تلك السلف كان حتى 2021، 105 تريليون دينار، فيما توقع اجمالي المبلغ الان بنحو 100 مليار دولار.
الى ذلك انتقد محمد نعناع المراقب والباحث السياسي اشغال الرأي العام بالخلافات السياسية على حساب البنية السيئة للموازنة.
وقال نعناع لـ(المدى) ان «الخلافات السياسية يمكن ان تحل في وقت من الأوقات لكن الخلل في بنية الموازنة قد يصعب اصلاحه».
وكان صندوق النقد الدولي قال نهاية ايار الماضي، إن زيادة فاتورة رواتب القطاع العام ستسهم في تصاعد العجز والضغط المالي في العراق، ما لم تحدث زيادة كبيرة في أسعار النفط.
واكد الصندوق أن الزيادة في سعر النفط تتطلب ان يصل البرميل الى 96 دولاراً، بينما بلغ متوسط السعر 71.3 دولارا للبرميل في ايار الماضي.
ويتحدث نعناع عن موقف الحكومة ازاء التعديلات التي جرت على الموازنة، ويصفها بـ «المترنحة» وبان اللجنة المالية «قفزت على الكثير من المواد التي اعدتها الحكومة».
واضاف ان تعديلات اللجنة: «كبلت الحكومة بعجز سيتحول سريعا من مخطط الى فعلي، على الاقل نصف حجم العجز».
ورغم ذلك اشار الباحث الى ان تمرير الموازنة لثلاث سنوات يعني ان «الحكومة ستستمر لولاية كاملة وهي 4 سنوات، فيما الإطار التنسيقي سيكسب بعض الشعبية بسبب فتح التوظيف».
وبحسب حسن سالم النائب السابق ان البرلمان صوت على تخصيص 175 ألف درجة وظيفية توزع بين المحافظات حسب النسب السكانية.
وعن موقف الحزب الديمقراطي الكردستاني، قال محمد نعناع ان: «كردستان استطاعت ان تفشل مشروع فصل السليمانية عن الاقليم والذي دعمت المشروع أطراف من الإطار التنسيقي وما يطلق عليهم بالمقاومة».
ويدلل نعناع بتورط الجهة الاخيرة هو رد ابو الاء الولائي أمس على خطاب بارزاني، حيث رد مسؤول كتائب سيد الشهداء بالقول: «اما العراق او الفناء».
ويعتقد نعناع انه بعد التصويت على الموازنة «سيتجاوز الحزب الديمقراطي الازمة لكن سيعيد حساباته في المرحلة القادمة لتقوية الاقليم».