طالب عبد العزيز
أنا من مدينة ليس بين نسائها من تتركُ نافذتها مضيئةً، حتى الصباح، فمن أين تاتي القصيدة؟ كلُّ الحدائق مسورةٌ، وكلُّ زجاج مضبب، وكلُّ ذراع لأنثى محتجبٌ وغائب، فمن أين تاتي القصيدة؟ لا زهور على اسيجة المنازل، وهم يطلون الابواب بالاسود والكحلي،
لتبدو مهملةً وياسةً، فمن أين تأتي القصيدة؟ النسوة يأخذنَّ بعضَهن الى الاسرَّة أول الليل، والرجال أضرحة ومزارات، وانا امرؤ أحبُّ تعتعة السكر، أحبُّ خذلان الشبابيك لي، وبِلى الاحذية في الازقة المغلقة الضيقة أجمل البلى عندي، وهو ما أنشده الى اليوم، فمن أين تأتي القصيدة؟ لا أحبُّ أنْ أهتدي الى البيت من أوّل ضياع، وأكره أدلّاءَ السكارى، وإن تركَتني الحافلةُ، وأهملني سائقها فما أنا بشاتمه، سأنتظر حافلةً أخرى، وأقول: أنا في المحطة الخطأ، وإن تعثرتُ بي، وسقطتُ، ملاك ما سيأتي، ليغطي جسدي بعباءة الليل الخالدة.
عن العظمتين الناتئتين بصدرك أكتبُ أو لا أكتب، هذا ما يُشغلني الآن، فدعيني أمررُ يدي واثقةً في الرخام، أحصي الندوب التي تحدثها العيون والالسن، علني أبلغَ المفازةَ الصعبة تلك، أو خذي الشرشف ناحيةً في الفراغ المخيف ذاك، واجعلي نصفه على الارض، وارفعي بكتفك نُصَيّْفَهُ القليل، فما احوجني الساعةَ لعصف آلهة الاولومب، ولا يغرّنك استوائي، المعاجمُ خديعة اللغة التي تَضْمر بالتصفّح، والمعاني تراشقُ كلماتِ شاعرين لا غير، إذْ كلُّ وقوفٍ حذِرٌ، وكلُّ قيامة تاتي وتروح، هل كانَ الالمُ تمرد الحكمة على الازميل، ومتى يتوقف دمُها قشوط الروح هذه، وهل التذكر فقدان الامل بعدد السنين، أم بضياع الاصابع في الثنايا البعيدات، تحتَ القُمص التي ظلت تمنح الجسد الانثى بلاهة الحريرَ؟
أنا أضعتُ إلاهي أيضاً، مع مَنْ أضعت في الليلة تلك، كانت الطريق مظلمةً، والذين أمامي بلا مصابيح، كانوا بلا أيدي مثلي، لذا تعمدتُ ضياع أسئلتي، إذْ كلُّ الإجابات ساذجةٌ، وكل الاصابع التي رُفِعَتْ بترتها الحقيقة. المزيد من الوقت لا يعني المزيد من الانتظار. في العام الماضي كانت الخديعةُ تمريناً لتحمل أعباء الوجود، اليوم، هي أكثر وسائل التعبير تعقيداً. على السرير، وفي رقدتِك الاخيرة، وأنت تمنح الزائرينَ ظهرك، يتوجبُ عليك انْ تنادي طائركَ الابيض، في خاصرة الوقت ثمةَ متسع لقول كلمة أخيرة ايضاً.
في الخابية، عند مشتجر عُقَلِ الورد، تمرٌ سأزيدُ من عمر انتظاره، كلما أطلتَ النظر في تاريخ فَضّه، يطالعني وجهُ أنثى، يأمرني باخراجه. الشعر والنبيذُ توامان، وكل اغنية في السهوب تخرقها بقرةٌ سوداء أنا،كلُّ تراب يفتقه نهرٌ اسميه وطني، ما ينقضي مني أكثرُ مما سأتحدث عنه.
2
أُتْركُّه حتى يجفَّ / الاملَ الذي أرضعته صبرَك.
3
ما كنتُ متعجِّلاً والله / لكنَّ المارَّة يحفرون الجسر باقدامهم / إنْ حَدّثتِني عن التراب الذي علِقَ بتنورتك / ساحدِّثك عن المصطبة التي اتلفتُها بانتظاري الطويل.
1
سيأتي أحدُهم ويفتح النافذة الوحيدة / أنا في السرير ممددٌ، منذ البارحة / عاودني ألمٌ قديم والريح محمولة على القواقع / تملأُ الغرفة، حيث يتسع الفراغ / لقد أخذوا الكرسيَّ الوحيد/ وأنزلوا اللوحة التي كانت قرب مشجب الثياب/ هو الآخر أخذوه / مثلما أخذوا المكواة والمدفأة وحافظة الاخذية بساتانها الابيض/ في الغرفة التي ظلت تفرغ تباعاً / سيأتي من يغلق النافذة الى الابد/ أنا لا أتذكر الآن شيئاً / وسوى السرير الذي كنت ممدداً عليه / لست معنياً بشيءٍ أبداً.