رضا الأعرجي

حدث ذلك عام 1922...

كان إرنست همنغواي البالغ من العمر 23 عاماً قد تعرض للتو لواحدة من أكثر الضربات المدمرة في حياته المهنية ككاتب.

ضربة مدمرة لدرجة أنه لم يعتقد أنه يمكن أن يكتب الرواية مرة أخرى.

فكر بجدية بالتخلي عن أحلامه في أن يصبح روائياً مشهوراً، لكن في النهاية، دفعه شيء ما بداخله للعودة إلى الآلة الكاتبة.

استمر في الكتابة...

بعد أربع سنوات، أكمل (الشمس تشرق أيضاً). وبعد نحو ثلاثين عاماً، فاز بجائزة نوبل في الأدب.

هل هناك أسباب وعوامل تهدد بتخريب أهداف الكاتب وتصرفه عن الكتابة؟

أجل، ما حدث لهمنغواي في ذلك العام كاد أن يطيح بأحلامه، ويأخذ باهتماماته إلى وجهة أخرى، لكنه تمسك بخططه، وتكريس جهوده لمهنة الكتابة حتى عندما كان الواقع يبدو مصمماً على تقويضها.

في ذلك العام، 1922، كان همنغواي يعيش في باريس، ويعمل مراسلاً صحفياً لصحيفة كندية. وكان يكافح من أجل نشر قصصه القصيرة.

في إحدى مهامه الصحفية، سافر إلى سويسرا لتغطية مؤتمر دولي يعقد بمدينة لوزان. اتفق مع زوجته هادلي على اللقاء هناك بعد الانتهاء من مهمته حتى يتمكنا من الاستمتاع معاً بإجازة تزلج على الجليد.

قررت هادلي أن تفاجئه بإحضار قصصه القصيرة معها حتى يتمكن من العمل عليها خلال الإجازة، فقامت بتعبئة حقيبة ليس فقط بالأوراق الأصلية، ولكن أيضاً بالمسودات المطبوعة والكربون.

هذا يعني أن كامل عمل همنغواي كان في تلك الحقيبة الواحدة.

أثناء انتظار قطارها لمغادرة "محطة ليون"، تركت هادلي الحقيبة دون رقابة، وعندما عادت، كانت الحقيبة قد اختفت.

في إحدى مقابلاته الصحفية، يروي همنغواي محادثته مع هادلي عند وصولها لوزان:

كانت تبكي. لقد بكت وبكت كثيراً، ولم تستطع إخباري.

قلت لها بغض النظر عن الشيء المروع الذي حدث، لا شيء يمكن أن يكون بهذا السوء، ومهما كان، سيكون كل شيء على ما يرام، ولا داعي للقلق، وأية مشكلة سنعمل على حلها.

ثم أخبرتني أخيراً...

أتذكر ما فعلته بعد وصولي باريس. دخلت إلى الشقة لأجد كل شيء قد اختفى: القصص القصيرة، المسودات، الرواية غير المكتملة.

كان اسوأ كابوس يمكن أن يطبق على كاتب وهو في بداياته.

لم أكن أعتقد، بعد ما حدث، أنني أستطيع الكتابة. ذهب كل عملي، ولم يعد هناك ما يضمن النجاح في المستقبل.

ومع ذلك، لم يستسلم لهذا المصير القاسي. أصر على الاستمرار في الكتابة حين عثر، في أحد الأيام، على إحدى قصصه باقية على قيد الحياة، وقد بدت له مثل قمة سفينة غرقت بطريقة لا تصدق.

لقد وجد الدافع لالتقاط قلمه مرة أخرى.

أدرك همنغواي أن الكتابة لا تتعلق فقط باستعراض عضلاته الإبداعية، أو السعي لأن يصبح مؤلفاً مشهوراً. كان الأهم من ذلك: قراؤه.

كان الأمر يتعلق بفرصة مشاركة تجاربه مع الآخرين.

يقول همنغواي: جميع الكتب الجيدة متشابهة، وبعد الانتهاء من قراءة أحد الكتب ستشعر أن كل شئ فيها يخصك: الخير والشر، الندم والحزن، الناس والأماكن، وحتى الطقس. إذا استطعت أن تعطي القراء الشعور بذلك، فأنت كاتب.

الكتابة تدور حول العطاء، لكنها تبقى فناً صعباً. ربما كنت تعاني، ربما لا تتدفق الكلمات كما تريدها، ربما لا تجد الوقت الكافي للكتابة. ربما يرن الهاتف أو يقاطعك شخص ما، في كل الأحوال، لا توجد قاعدة لكيفية الكتابة. في بعض الأحيان تأتي بسهولة وبشكل مثالي، وأحياناً يكون الأمر أشبه بحفر الصخور ثم تفجيرها بشحنات الديناميت.

في تلك الأيام التي كانت فيها كتاباتنا تكتنفها الصعوبات، لم نستسلم. بدلاً من ذلك، واصلنا الكتابة والسعي لتحسين مهنتنا مع توقع وجود شخص ما في الخارج يحتاج إلى سماع كلماتنا.