زهير الجبوري

يُعَدُ الفنان التشكيلي العراقي محمد مهر الدين واحداً من أهم الأسماء التي اشتغلت في منطقة الحداثة الفنية ومنطقة التجريب ،

وهذا الأمر شكل انتباهة كبيرة لدى المتابع والمختص في التشكيل العراقي والعربي ، ولعل مدركات الفنان ووعيه الكبير في عالمه التشكيلي وممارسته العمل المهني ، فتح له منافذ كثيرة في كسر ثابت الأشياء المتداولة ، الأمر الذي جعله مجددا في عالم اللوحة، وأذكر أني حين زرت معرضه في قاعة (أثر) بعد الأحتلال أدركت أنه فنان يمضي بتفاصيل (عولمية) واضحة من خلال كسر الثوابت وابراز الأشياء المسكوت عنها في واقعنا المفعم بالأضطرابات وما آلت إليه الحروب وما نتج عنها من حالات عشنا تفاصيلها وتذوقنا مرارتها..

من خلال كل ذلك، جاء كتاب (محمد مهر الدين عظيم/ الأبداع المتجدد) للأستاذ عبد الواحد سكران ساهي السلطاني، الذي قام بتقديمه مع مشاركة مجموعة من النقاد الذين لهم بصمة كبيرة في الفن التشكيلي العراقي ، ليبرهن مدى أهمية هذا الفنان ودوره البارز في عالم التشكيل العراقي والعربي ، وكيف كانت مناطق اشتغالاته منذ بواكيره الأولى عندما درس الفن التشكيلي في معهد الفنون الجميلة وتخرج منه نهاية العقد الخمسيني من القرن الماضي ، ثم دراسته للبكالوريوس وبعد الماجستير في (وارشو/ بولندا) ، ثم العمل في مهنة التدريس، وما الى ذلك من تفاصيل حياته الأبداعية والمهنية.

من فقرات الكتاب تناول الناقد صلاح عباس موضوعة (محمد مهر الدين/ رائد الحداثة في الرسم العراقي المعاصر)، واشار الى أهم المراحل التي عاشها الفنان (مهر الدين) منذ فترة نشوئه وحتى الفترات التي عاش تفاصيلها في العقود الأولى مرورا بالعلاقة التي تربطه بالفنان ذاته، وباعتقاد شخصي أحسب انها مهمة للغاية ، لأنها تكشف حقيقة الفنان ليس على المستوى الأبداعي حسب انما على المستوى الشخصي ايضا، ليتسنى للمتلقي معرفة تكوين المبدع الذي انتج لنا كل هذا الفن الكبير، وصلاح عباس (عرّاب) الفن التشكيلي العراقي، وله صلة بكل الفنانين داخل وخارج البلد.

أما الناقد الدكتور عاصم عبدالأمير، فقد تناول في موضوعته (محمد مهر الدين/ بين منطق التصميم ولا منطق الرسم)، مشيرا في قراءته النقدية الى (أنه رسام يخالط السياسي بالثقافي بالجمالي بوحي من عقل رياضي)(ص16)، ثم الأشارة الى وجود عملية وفاق في رسومات (مهر الدين) بين منطق التصميم ولا منطق الرسم..

في حين جاءت قراءة الناقد جاسم عاصي (جدار الفنان محمد مهر الدين/ الباحث عن المستقرات) مشيراً في ذلك الى بعض العنوانات الفرعية (الجدار وذاكرة وتداعيات) و(جدار مهر الدين.. رؤى وحيوية) و(يقظة العقل الفني) و(تفاصيل أخرى)، كانت في هذه العتبات قراءات تحليلية مفصلة وشاملة عن تجربة الفنان.

فيما كانت قراءة الناقد الدكتور جواد الزيدي (محمد مهر الدين/ بنية المجرد وألفة القوى المتنازعة)، اشارة لأهم المراحل التي مارسها الفنان ذاته، وأهم المدارس التي اشتغل عليها، لكنه يشير الى ان الفنان (تجربته متحركة لا تقف عند حدود التعبير أو خصائص أومدرسة فنية أو اسلوب ، لتبدله المستمر والمقترن بتبدل حركية العالم)(ص30).

أما القراءة الأخيرة في الكتاب فقد كانت للناقد خالد خصير الصالحي (الرسام محمد مهر الدين: الرسم (بدمٍ بارد)/ فاعلية المادة وصرامة المخططات الأولية)، تناول فيها بعض العتبات المعنونة بـ(الموقف والأسلوب والتقنية) و(البلورة الأولى: المشخص والا مشخص) و(الرسم بدمٍ بارد) و(حركة النقطة .. التواصل والأتزان) و(التفاعلات المحيطية) و(الهندسة والمخططات الأولية) و(مخططات أولية: منطقية/ تراثية ـ حداثية/ علمية/ شكلية) و(مستويات الأنقطاع) و(اكساء خروق اللوحة وعلاماتها) و(اكتظاظ النموذج) و(التراكم والتعرية) و(كتاب عن تجربة مهر الدين).

كما تضمن مضمون الكتاب لوحات الفنان مهر الدين وبعض الصور الخاصة بمعارضه السابقة، بالأضافة الى نسخة مترجمة باللغة الأنكليزية مرافقة للكتاب، وهي تجربة تحسب لكل من ساهم في تسليط الضوء على واحد من أهم فناني العراق في الفن التشكيلي، تمنياتنا ان تستمر هذه المسألة مع اسماء فنية أخرى.