ثامر الهيمص

منذ عهد ارسطو وحتى هوبز ، لاحظ العديد ان الناس يسعون وراء مصالحهم الشخصية على المدى البعيد على حساب المجموع . وذلك عندما تكون الموارد مجانية ’ وغير مقدرة . وان المصادر الطبيعية كالمياه والغابات لا تتطلب بالضرورة جهات حكومية او قوانين لتتم ادارتها بشكل جيد . فالمساهمون الذين يتمتعون بمصالح طويلة المدى يستطيعون ضبط بعضهم . ( اليانور اوستروم /الاقتصاد / خلاصة اعظم الكتب / ص223/ 2020 /ط اولى ).

عرفنا جيدا دور دول المنبع في مأزقنا الحالي , وخطابنا لا زال شعبيا ورسميا يراوح عمليا(اللهم بعض الاطلاقات المتصدقة) امام الافق المغلق لحد تاريخه .

فكوننا دولة مصب لا يعفينا من تبعات ذلك , عندما نسأل انفسنا , ماهي استعداداتنا ’ وموقفنا الرسمي المصدوم يبدوا انه لازال في مرحلة صناعة او اتخاذ قرار في ضوء عدم تجانس المنبعين من حيث كمية المياه واولويات ذلك ومن حيث طبيعة العلاقة مع كلا منهم , في ضوء شراكة قبل عهد ارسطو . لان اختلاف اولويات هيئات وبيوتات الامر الواقع مختلفة .

فمن المعلوم ان العراق أخطر من قبل الجانب التركي صاحب حصة الاسد (88%) منذ عام 1975 , ولم يحدث رد فعل بمستوى الاخطار , اللهم الا سدود وخزانات لدرء الفيضانات اولا ’ بعد درس فيضان 1954 . وكان احد اسباب اقامة مجلس الاعمار .

لا شك ان ابسط الاستعدات لم تجر لمواجهة الخطر الستراتيجي هذا , فعندما تعلم دول المنبع ان الزراعة والصناعة لم يصلا لدرجة 10% من ميزانية العراق , يرتبون امورهم ان النفط كاف للعراقيين للامد المنظور . في حين تطور هذين القطاعين سيكون سببا لترشيد مياه الرافدين المجانية غير الدائمة . لان الزراعة الحديثة هي المنظم والمرشد الوحيد للترشيد , والزراعة الحديثة بالمرشات بنوعيه هي الاكثر انتاجا والاقل تملحا للارض ثم تصحرها لتتواصل الهجرة للمدن بكل احجامها وعشوائياتها . فلو انتشرت المزراع الحديثة مبكرا يكون عاملا حاسما في الحد من انتشار السلاح المنفلت الذي لم يعد للذود عن الارض والعرض بل لمأرب اخرى غالبا . وهذا السيح او الواسطة العشوائية بات ذريعة منطقية لدى دول المنبع كما يشهد شط العرب والخليج كهدر للمياه التي لم تستغلها شركات النفط , اذ كلفة استخراج برميل نفط هي 3 براميل ماء عذب . في حين تستخدم السعودية ماء البحر . ومن يرغب التفاصيل الابشع والاوسع فليراجع جريدة الصباح ليوم 8/حزيران /2023/تقرير مترجم .

قالمسألة ليست مجرد تغيير مناخي اولا واخيرا ’ بل في البيئة الحاضنة لاستقباله , فالفلاح المهاجر تجرف لاسكانه المساحات الخضراء في المدن لتعادل مناطق التصحر والسبخة التي هجرها نظرا لغياب الزراعة الحديثة , حيث نفقد سنويا مئة الف دونم للتصحر , فالامطار تذكرنا الان بالسنين العجاف للنبي يوسف (ع) التي تم تلافيها في ضوء حلم فسره .

علما اننا لانحتاج تفسير اذ بناء السدود والخزانات في ايران او تركية, لم تجر تحت الارض بل بالقرب الادنى لنا ومنذ سنين خلت , رغم ازماتهم السياسية والاقتصادية , حيث العقل السترتيجي الراسخ الفاعل . اننا لم نستعد او ننفذ العمل التقليدي للزراعة القديمة حتى الان. اين كري الانهر السنوي بما انه عمل جماعي او رسمي ؟ اللهم الا حملات اعلامية لقلع زهرة النيل مثلا . اين تبطين الانهر للحد من تسرب المياه ؟ ونحن دولة صدرنا الاسمنت في مراحل سابقة , والان نفتخر بسمنت السماوه والسليمانية . ومعلوم لدينا قبل حمورابي ان الزراعة تتم وفق نظام (نير ونير) اي زراعة نصف الارض وترك الاخر لاستعادة قوته الانباتية , وهذا النظام طوته قوانين الاصلاح الزراعي باداراته المتخلفة المسيسة, مع كري الانهر وتبطينها ’ وهكذا عقمت الارض لان البدائل عن هذه المنظومة لم تعمل , بسبب الملكيات الصغيرة لتتصحر وتتملح مع الايام ’ اي خسرنا ميزات النظامين ولحد الان .

اما الصعيد الصناعي المواكب للزراعة ,كلنا نتذكر الجرار عنتر ’ والشاحنة صلاح الدين منذ اكثر من نصف قرن والشاهد الاسكندرية . هذه الادوات وامثالها انتجت خصيصا للزراعة ’ الم تكن هذه ادانة لكل حكومة تعاقبت من تاريخه ؟ في حين تطورات وحلقت بلدان عاليا من رواند الى سنغافورة وبدون استشارة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي .

تم غلق بحيرات الاسماك علاج ثانوي وايقاف زراعة الشلب وتقليل زراعة القمح بسبب الشحة , هي عملية ايقاف نزيف ’ في الوقت الذي نتحدث عن هجرة وهلاك جاموس الاهوار نعالجها بنشر اسبعيات السمك هناك , كيف نفهمها ؟

سترتفع اسعار السمك كي نستورده مبردا ’ سعر كيلو العنبر عادة ضعف سعر الرز المستورد ليصبح مجرد فاكهة موسمية او للحفاظ على تراث النجف والديوانية (في المشخاب والمهناوية) ,حيث انخفضت زراعة الشلب من 212الف دونم (حتى وقت قريب ) الى 3الاف دونم لهذا الموسم /جريدة الصباح ليوم 12حزيران الجاري , لندخل في دوامات وزراة التجارة في الحنطه والبيض واللحم المستورد وباقي اطراف سلة الامن الغذائي ’ التي باتت مجرد جامح بشق الانفس لتغول الاستيراد المفرط بعشوائيته , التي اجهزت على القطاعين الزراعي والصناعي , لتأتي شحة المياه رافدا حقيقيا لاستيراد الكرفس فما فوق باجازات رسميه وتحويل خارجي اصولي كما معلوم لتصيد تجارة الدولار الموازي مواكبة لاستيراد ترهل وتبطر وتسيس .

نأمل بما خصص في الموازنة الثلاثية للاهوار بمبلغ خمسون مليار دينار لانعاشها , ان يكون كذلك لاعادة البسمة للعبر الافل , كما افل رز ميسان وغيره . لنقول مع القائل ’ لماذا لم تقدم دوائر الدولة كشوفات السلف البالغة 160 ترليون دينار منذ عام 2004. طريق الشعب 13/حزيران الجاري . نأمل ان لا تضيع سلفة الاهوار كذلك .

هل بهذا الجهاز نكمل الخطوات والاطلاقات الاولى من تركية؟ في الوقت الذي فيه نطمح لبناء خمس مدن جديدة ومشاريع عملاقة للسكن بملايين الوحدات السكنية ؟ وهذا الجهد الاستثنائي في السكن يبدوا له الاولوية على القطاعين الصناعي والزراعي الذان لم نسمع دبكة صناعية او زراعية . مع ذلك هذا يسر الجيران اذ صناعتنا الانشائية لا تغطي احتياجات السكن بثورته . اليس من المناسب بحصول تطورا نوعيا في الصناعة الانشائية كوننا لا نستورد الان طابوق او جص او اسمنت . اما اغلب الفقرات فهي باجازات استيراد من المرمر الايطالي وصولا للصحيات والشباك والباب الخ الخ .

بما اننا محصورين بين موازنة ثلاثية تحمل الغامها المحلية والاقليمية , علينا اولا العمل( فقط فقط) بقوله تعالى ( ان الله لا يغير قوما حتى يغيروا ما بانفسهم , صدق الله العلي العظيم).

لنعود الى مقدمتنا ففي جدول المصالح لنقول اولا ’ لا تنفعنا الامم المتحده الا ربما بالاستشارة , ولا التحالف الدولي المساند بسفاراته وسفرائه ’ ان لم يكن المردود عكسيا , ولا الصين وروسيا ولا جار او صديق او وسيط , انها ليست خصومة عابرة بل تأسيس لمستقبل وشعب ووطن.

فلأعتبارات سياسية مثلا بيع نفطنا بأقل من سعر اوبك رسميا وغير رسميا ’ من اجل ابعاد سياسية .

لذلك فجيراننا ليسوا مستعمرين وبنظرتهم الحصيفة للامور العراقية تؤهلهم لاتخاذ قرارات كنا ولا زلنا مرغمين بقبولها من زمن الطاغية كما هي اقصى شمالنا مع تركيه , اي سياسة الامر الواقع . فتطوير زراعتنا من متخلفة الى حديثة مثلا بالتعاون والتنسيق مع جيران جربناهم تاريخا وثقافيا واجتماعيا وسياسيا , هم الافضل كشركاء , فمائهم سوف لا يذهب هدرا , ونحن نكسب زراعة حديثة بالاضافة لامتيازاتها الاقتصادية باتت ركنا اساسيا من الناحية الامنية بانحسار السلاح المنفلت الذي دوخ الدولة والمستثمر , حيث تنشغل الارياف بمعاشها المبشر بالخير , بهذه القاعدة نتجه لقيام شراكة اقليمية حقيقية متواكبة مع الربط الكهربائي وطريق التنمية الفاو تركيا , اما الرافد الصناعي فله شأن اكبر واوسع سيما بعد وضوح خارطة الطريق امنيا وزراعيا كتنمية مستدامة .

فايران لديها امكانات فنية وادارية من تجربة عريقة صمدت امام اعتى حصارات لتصبح دولة عظمى اقليميا وهكذا تركية ’ اضافة للسعودية ودول الخليج لهم تجربتهم الرائدة في الزراعة والثروة الحيوانية من المياه الجوفية وتحلية وتصفية المياه والاردن وسوريا حتى في التصنيع كما نرى صادراتهم في اسواقنا , بهذ تتلاشى امام هذا الهدف المركزي الشفاف الكثير من ورقنة الاوراق المتعدده التي جعلت من الهوية الفرعية ندا وضدا نوعيا للمواطنة , والله الموفق .