اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مرساة: غابة شيرينجا

مرساة: غابة شيرينجا

نشر في: 20 يونيو, 2023: 11:03 م

 حيدر المحسن

(إلى رفيف البحراني)

النّجمُ الأبعدُ سارَ بكلّ إقدامٍ إليكَ، وصارَ قريباً، بل هو الآن مسكنُكَ... خمسون عاماً، دون أن تدري، وأنت ترنو إليها. خمسون، هي لحظةٌ في الزمن، وأنت تنتظرُ...

زهرةٌ خضراء، زرقاء كالفيروز، زهرةٌ ناعمة الأضواء، زهرةٌ من ماء، آنستكَ، وروتكَ. قد أتتكَ صغيرتُك (رفيف) بالنّغمِ والأزاهير والأكاليل والدّمقس، صيّرتْ نومَك شالاً بنفسجياً، وكانت غابةُ (شيرينجا) في أوج زينتها، وظلالُ طيورٍ تمرّ. البحرُ أنشدَ اسمَكِ معي، والجبل الشّاهق كذلك، جبل القمر. النّخلُ أحملُهُ إليكِ من بلدي، تتلهّفين إلى ظلِّه، وإلى سلطانِ هذا الحبِّ العظيمِ والوارفِ.

أُمّي، يا أمّي...

في وجودِكِ، وجودٌ آخرُ، في كلامك كلامٌ آخرُ. في غيابك الذي مضى عليه أكثر من عقدين، المرأةُ التي هي النّصيب، نصيبي، تكلّمني الآن في البيت، بيتي في أزمير. تقول:

"اليوم لديّ حبّكَ كي أعيش".

هل تسمعينها؟ الغزالة عثرتْ عليَّ يا أمي. ملكتْني. أقول لها أنت جميلة أكثر، تقول لي: أنت أجمل. قد بنيتُ حول البيت سياجا من الأزهار، تنمو تعاريشه كلّ يوم، تصعدُ، تلتفّ ُوتورقُ أكثر، تتحرّر منها أزواجٌ من طيور شتّى. لم تكوني معي قبل عامٍ. لم تكوني معي قبل الصّيف. لم تكوني

معي قبل شهر،

قبل أسبوع

قبل يوم

قبل ساعة

كيف احتملتُ غيابَكِ خمسين عاما؟

في خصلةِ الشَّعر/ في قلم الحمرة/ في الشّمعةِ، مشرّبة بالضّوء/ في تدفّقِ الظّلال على الظّلال/ في استدارةِ الحاجبينِ/ في جبهتِكِ المقبلة أبدا/ في الوجنة/ في نُسغِكِ الذي لا يتبدّد/ في بَحّةِ صوتِكِ، وأنت تقولين:

لا لا لا/ أو نعم نعم نعم/ أصغي إليك، وأضطربُ فرحاً/ وأجدّد أمري في أن أصغي، وأضطرب/ وأعود أصغي إلى الموسيقى تعزفها أناملك الطيّعة على البيانو/...... ./ في عود الثقاب المنطفِئ، المرميّ في المنفضة/ في الماءِ الجاري، والماء الساكنِ

والماء الماءْ/ في إدباركِ الذي هو طلّةٌ أخرى، ومقدمٌ/ في نهركِ الأرضيّ، في جدولك الأعلى/ في الشّفتين في اللّسان الفرحِ في اللّؤلؤ/ في تمرةٍ تمطّقتِ بها ومضغتِها

في النّواةِ

أراكِ كُلّكِ...

عَتمتُكِ يا صغيرتي ـ حين تكونين ضَجِرَةً - هي الأخرى تُقَبَّلُ. خمسون عاما من الانتظار والحبّ.

"أليس هذا ما عليّ عملُه؟" قلتُ، ووافَقْتِني في الرّأي. ثمّ استقرّ كلّ شيء بيننا، وأيقظني عندها مطر الرّبيع الدّائم من كسل الشّتاء القديم.

طوبى للعين التي تراكِ...

المساءُ حلّ في الغابةِ، والنّعومة في الهواء أكثر ما يشدّني إلى أشجار (شيرينجا) السامقة. كان الظّلامُ شديدا حتى أني لم أستطعْ رؤيَةَ إصبعي، لكنّي أسمعُ خطفَ جناحٍ. بنيلوبي، يا... يا بنيلوبي! قد بلغتُكِ مع الهزار الأوّل، واقفا على تعريشة الورد، يطال بغنائه القمر العميق في البحر، والعالي فوق الجبل. بسبب غيابي الطّويل ووفائك يا صغيرتي، كلّ شيء يبدو الآن أزرقَ اللّون؛ البحر والقمر والجبل، وكذلك الأغنية. النّوافذُ التي سهرتْ إلى الفجر

رأتنا، وكان زهر الدّرّاق الأبيض يتفتّح برائحته الطّويلة، السّماءُ كانت سلسبيلا، وأنا أبحث عن معلمٍ في الغابة، ثم وجدته: إنه قدماكِ تدوسان على العشب، ترسمان شكلَ خطوك. ربيعاً إثْرَ ربيعٍ، وسنةً بعد أخرى، الأحداثُ تمرّ وتنطوي، والعشبُ في الغاب يذكرُ

والأشجارُ

والطّيرُ

قدميْن ترسمان على الهواء مشيتَك المختالةَ الجريئةَ.

لا أحد يرفعُ عينيه عنكِ إن رآكِ...

-----------------

شيرينجا: بلدة تقع بين الجبل والبحر في أزمير، أقصى غرب تركيا

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram