TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > تغير المناخ والنزوح الداخلي والأزمات الإنسانية في العراق

تغير المناخ والنزوح الداخلي والأزمات الإنسانية في العراق

نشر في: 21 يونيو, 2023: 11:49 م

بيرتيل دومالاين*

ترجمة: المدى

يعمل تغير المناخ كتهديد مضاعف عندما يرتبط بعوامل أخرى تتعلق بعدم الاستقرار السياسي مثل انعدام الأمن، وانعدام الفرص الاقتصادية، والتدهور البيئي، وكلها أسباب تدفع الأفراد إلى مغادرة مناطقهم الأصلية. إذ تطرح الأزمات الإنسانية الناتجة العديد من التحديات الجديدة، لا سيما عندما تكون المخاطر المناخية هي سبب النزوح.

في عام 2020، تم تسمية العراق من قبل وزير البيئة العراقي الأسبق، كخامس دولة في العالم أكثر عرضة لدرجات الحرارة القصوى، وتراجع توافر الموارد الغذائية والموارد المائية.

وتشير هذه التعليقات، التي تستند إلى تقرير توقعات البيئة العالمية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الذي نُشر في عام 2019، إلى ارتفاع درجات الحرارة، وانخفاض ونقص هطول الأمطار، واشتداد الجفاف ونقص المياه، والعواصف، وتكرار العواصف الرملية والترابية والفيضانات،إلى جانب تملح الأرض، وتلوثها والمخاطر الصحية الناتجة عنها والتي تشكل عوامل إزاحة مرتبطة بتغير المناخ فانتشارها في العقود الأخيرة يمكن أن يؤدي إلى مزيد من نزوح السكان.

وفي العراق، أجبرت الكوارث الطبيعية ما لا يقل عن 150 ألف شخص على الانتقال بين عامي 2008 و 2021،وعلى الرغم من أن السبب الرئيسي للنزوح لا يزال الصراع السياسي، كما يتضح من وجود ستة ملايين نازح أثناء احتلال تنظيم الدولة الإسلامية، فإن آثار تغير المناخ، أكثر وأكثر وضوحًا، فكيف يمكن ألا تصبح المسبب الأول للأزمات الإنسانية في العراق؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل الاستجابات على الأرض تتكيف مع تحديات الغد؟

يتأثر القطاع الزراعي بسبب تغير المناخ إلى جانب عدم وجود سياسات وطنية حقيقية لإدارة المياه مايسرع من التدهور البيئي. وفي عام 2016، ذكر تقرير جيولوجي أن العراق يفقد حوالي 250 كيلومتر مربع من الأراضي الصالحة للزراعة كل عام بسبب التصحر. كما أعلن 39٪ من المنتجين الزراعيين العراقيين عن تقليص مساحة مزارعهم في عام 2022، وفي نفس العام، انخفض الإنتاج الزراعي والإنتاج الغذائي على التوالي بنسبة 16 و 6 ٪.

ويؤدي انخفاض الغلة أو حتى غيابها إلى انخفاض دخل الأسر التي تعتمد اقتصاديًا على هذا النشاط. ففي العراق، يوفر القطاع الزراعي 20٪ من الوظائف. وبين عامي 2020 و 2021، قام المجلس النرويجي للاجئين بتقييم تأثير الجفاف على الإنتاج الزراعي خلال موسم الحصاد. ووفقًا للمسح الذي أجراه، انخفض متوسط الدخل الشهري في ست من المحافظات السبع التي شملها الاستطلاع بسبب ضعف المحاصيل، والخسائر المسجلة في المزارع وقلة الفرص للعاملين فيها. وفي النصف الثاني من عام 2022، توقع البنك الدولي أنه إذا تم الحفاظ على درجات الحرارة وانخفض إمدادات المياه بنسبة 20٪، فيمكن تسجيل انخفاض بنسبة 15.8٪ في الناتج المحلي الإجمالي في القطاع الزراعي.

وتجدر الإشارة إلى أن الزراعة هي المصدر الرئيسي لدخل المرأة في المناطق الريفية، والمهمشة بشكل عام داخل المجتمع العراقي. وتعتمد الأسر التي تعيش في المناطق الريفية، وخاصة النساء، بشكل أكبر على المحاصيل التي تشكل مصدر رزقها، سيما في غياب الدخل.

وكما ذكرنا سابقًا، يؤدي تغير المناخ إلى انخفاض الإنتاجية الزراعية، مما يؤدي إلى انخفاض المحاصيل والدخول. وبدورها، تؤدي ندرة الغذاء إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية. وهومامن شأنه أن يزيد الفقر بنسبة 1.6 إلى 4.4٪. وفي سياق جيوسياسي مضطرب، اتسمت به الحرب في أوكرانيا، زاد الطلب العالمي على القمح بنسبة 6٪ في عام 2022، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الحبوب بنحو 6٪ في العراق. كما أدى الجفاف الشديد ودرجات الحرارة المرتفعة القياسية إلى زيادة اعتماد العراق على الواردات الزراعية. وعلى الرغم من المخاطر، لم تتمكن سلطات الدولة من اتخاذ قرارات ذات مصلحة عامة.

ويمكن أن يؤدي نضوب الموارد في بعض الأماكن، إلى التنافس على تقاسم هذه الموارد. ففي جنوب العراق، المنطقة الأكثر تضرراً، ليس من غير المألوف أن تندلع النزاعات القبلية حول تقاسم المياه. وفي غياب الوساطة والحلول المشتركة، تفسح الخلافات أحيانًا المجال للنزاعات. ومع ذلك، فإن تصاعدها أدى إلى تفاقم عدم الاستقرار عبر الحدود. وفي حالة التدهور البيئي الشديد، يمكن أن يؤدي انعدام الأمن الغذائي إلى انعدام الأمن الاجتماعي.

وفي ضوء السيناريوهات المذكورة سابقاً، يسود سيناريوهان. إما أن يلجأ الأفراد إلى أنشطة اقتصادية أخرى، وأحيانًا غير رسمية، أو يتخلون عن الحياة الريفية لصالح المراكز الحضرية. وحتى نهاية الخمسينيات من القرن الماضي، كان العراق يسمى بالمجتمع التقليدي. ويمثل سكان الريف 75٪ مقابل 25٪ من الحضر. واليوم،يعيش 70٪ من السكان في المناطق الحضرية، مقابل 30.2٪ في المناطق الريفية.

ومع ذلك، فإن ظاهرة التحضر السريع هذه لم تصاحبها سياسات تخطيط حضري طويلة الأجل إذ يواجه العراق عجزًا متزايدًا في الإسكان، لا سيما بسبب عقود من العقوبات والصراع. بالإضافة إلى ذلك، لم تستثمر السلطات السياسية في البلاد ما يكفي في هذا القطاع. وفي عام 2022، قدر العجز السكني بحوالي 3.5 مليون و 49. بالإضافة إلى ذلك، تتدهور جودة المساكن المبنية وتتزايد المستوطنات العشوائية، كما يتضح من تحويل الأراضي الزراعية بشكل غير قانوني إلى مناطق سكنية.

وفي الوقت نفسه، تتضاءل الخدمات الأساسية المقدمة للسكان، لا سيما إمدادات المياه والحصول على الكهرباء، بسبب نقص الموارد اللازمة لتحسين البنية التحتية. وفي ظل هذه الظروف،يكافح الوافدون الجدد للعثور على وظيفة وليس لدى معظمهم خيار سوى الاستقرار في الضواحي، أو حتى في الأحياء الفقيرة. وعلى العكس من ذلك، يتمكن الأغنياء من مصادرة الأراضي الزراعية لإسكانهم ورشوة السلطات المحلية لتلبية احتياجاتهم. وتقسم هذه الديناميكيات سكان المدن ويُنظر إلى الناس من الهجرة الجماعية من الريف على أنهم تهديد اقتصادي وعبء إضافي على الخدمات العامة. ويتم تبني هذه الحجج من قبل السلطات المحلية التي تفاقم التوترات. وردًا على ذلك، فإن وصم الفئات الأكثر ضعفًا واستبعادهم يخلقان أرضًا خصبة للتجنيد في الجماعات المسلحة ويعززان تطوير الشبكات الإجرامية.

ومع تطور الأحداث المناخية المتطرفة، يمكن تعزيز هذه الاتجاهات. ففي عام 2019، قدرت المنظمة الدولية للهجرة أن 21،314 شخصًا هاجروا من المناطق الريفية إلى المراكز الحضرية بسبب المناخ أو نقص الموارد0ومن بين العوامل التي تدفع الأفراد إلى المغادرة، فإن ندرة المياه هي السائدة. وفي نهاية عام 2021، سجلت المنظمة الدولية للهجرة حوالي 20000 نازح بسبب ندرة المياه، وارتفاع الملوحة

· مستشارة في الأمن والمخاطر

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

وراء القصد.. ولا تيفو.. عن حمودي الحارثي

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

العمودالثامن: فاصل ونواصل

العمودالثامن: ذهب نور وجاء زيد

شراكة الاقتصاد الكلي والوحدة الوطنية

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

 علي حسين الحزن والكآبة والتعوّد على طقوسهما، موضوع كتاب صدر قبل سنوات بعنوان "ضدّ السعادة"، حشد فيه مؤلفه إيريك جي. ويلسون جميع الشواهد التي ينبغي أن تردعنا عن الإحساس بأي معنى للتفاؤل، فالمؤلف...
علي حسين

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

محمد الربيعي (الحلقة 3)التجربة الكوريةتجربة كوريا الجنوبية في التعليم تعتبر واحدة من أنجح التجارب العالمية فقد استطاعت أن تحقق قفزة نوعية في مسارها التنموي، فحوّلت نفسها من دولة فقيرة إلى قوة اقتصادية عظمى في...
د. محمد الربيعي

مركزية الوهم العربي: بين الشعور بالتفوق ونظريات المؤامرة

قحطان الفرج الله مفهوم "المركزية" الذي يقوم على نزعة الشعور الجارف بتفوق الأنا (سواء كانت غربية أو إسلامية) وصفاء هويتها ونقاء أصلها. بحسب الدكتور عبد الله ابراهيم الناقد والمفكر العراقي، الذي قدم تحليلًا معمقًا...
قحطان الفرج الله

تفاسير فظيعة في تفخيذ الرضيعة

حسين سميسم وجد الفقهاء أن موقفهم ضعيف في تشريع سن الزواج، نظرا لضعف الروايات التي اعتمدوا عليها، اضافة الى خلو القرآن من نص صريح يوضح ذلك، فذهبوا إلى التفسير بحثا عن ضالتهم، ووجدوا في...
حسين سميسم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram