بغداد/ حسين حاتم
التغييرات المناخية، وشح المياه لأكثر من ثلاث سنوات متتالية، والجفاف الذي ضرب أغلب المحافظات العراقية، جميعها عوامل دفعت سكان الأرياف للهجرة الى المدن تاركين أراضيهم واعمالهم نحو حياة جديدة "مربكة" غير معتادين على طبيعتها. وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي منذ بداية موسم الصيف صوراً مفزعة لما وصلت له حالة دجلة والفرات من جفاف، حيث يبدو قاع كل منهما واضحا عند الضفاف في المحافظات الجنوبية والجنوبية الشرقية من البلاد.
ويقول المتحدث باسم وزارة الموارد المائية خالد شمال في حديث لـ(المدى)، إن "التغيرات المناخية، ظاهرة عالمية، تسببت بارتفاع درجات الحرارة والاحتباس الحراري وقلة الامطار، مما وسع من ظاهرة الجفاف".
ولفت الى، أن "العراق يقع ضمن أحد الدول شبه الجافة، وهو أكثر دول الاقليم تضرراً"، مبينا أن "العراق في المرتبة الخامسة بالدول الأكثر تضررا في العالم بالجفاف". وأوضح شمال، أن "التغير المناخي مرتبط بطبيعة المناخ العالمي وطبيعة النشاط البشري بالإضافة الى طبيعة المشاريع المنفذة والانبعاثات من تلك المشاريع". وبين، أن "الوزارة لا تستطيع ضخ المزيد من كميات المياه للأنهر بسبب قلة المناسيب وعدم وجود إطلاقات كافية من منابع دجلة والفرات"، مشيرا الى أنّ "الضخ الحالي الذي تقوم به وزارة الموارد المائية يقتصر على الزراعة واستخدامات مياه الشرب".
ولفت شمال، إلى أن "هناك سببين لشح المياه في العراق، الأول سبب خارجي يتمثل بكون العراق متلقي للمياه من دول الجوار المائي".
وأضاف، أن "الإيرادات المائية التي تأتي الى العراق تعتمد اعتمادا كبيرا على معدلات السقيط المطري والغطاء الثلجي في تلك الدول، بالإضافة الى المشاريع المائية المنفذة وطرق تشغيلها والمتمثلة بمشاريع السدود الكبيرة".
وأشار شمال، الى أن "السبب الثاني هو داخلي، مرتبط بإدارة وتوزيعات المياه في العراق وطبيعة البنى التحتية والتجاوزات والاستهلاكات على مستوى القطاع الزراعي والتي تصل الى 75%". وأوضح، أن "غياب الاتفاقيات المائية، ألقى بظلاله على الواقع المائي للعراق وأدى الى استنزاف الخزين المائي، وشح مياه نهري دجلة والفرات".
من جهته، يقول الباحث بالشأن المائي والزراعي عادل المختار في حديث لـ(المدى)، إن "تأثيرات الجفاف على العراق باتت جداً واضحاً، مما ادى الى تضرر البيئة نتيجة زيادة التلوث وانخفاض مناسيب المياه والمساحات الخضراء". وأضاف المختار، أن "تدهور القطاع الزراعي دفع الى نفوق الحيوانات، وهجرة سكان الأرياف الى المدن لعدم توافر المياه لسقي مزروعاتهم وتوفير متطلبات المواشي".
وأشار، أن "شح المياه دفع الى توسع التصحر، وكثرة الامراض كذلك نتيجة تلوث المياه".
وأوضح، أن "خزين العراق المائي، الاسوأ منذ ثلاثينيات القرن الماضي"، مشيرا الى أن "الوضع المائي وصل الى مراحل خطرة جداً".
وشدد المختار على "ضرورة تشكيل خلية ازمة لإدارة ازمة المياه بصورة صحيحة"، لافتا الى أن "الازمة في تصاعد، مع عدم وجود أية حلول، وأن ما يتم طرحه هي مجرد حلول إعلامية لا وجود لها حقيقي على أرض الواقع".
وأكد، أن "أزمة الجفاف ستدفع أكثر من 7 ملايين شخص للنزوح من الريف إلى المدينة، وستكون لها تبعات اقتصادية خطيرة على عموم الوضع في العراق"، محذرا من "مواسم قاسية قد تصل الى شح مياه الشرب".
من جانبه، يقول أحد الفلاحين الذين تركوا الريف وهاجروا الى محافظة كربلاء، إن "شح المياه، وصعوبة الزراعة، دفعنا الى الانتقال لمحافظة كربلاء".
وأضاف الفلاح محمد كاظم في حديث لـ(المدى)، أن "العيش في المدينة، أصبح أفضل بكثير من الريف، نتيجة لما شهدته أراضينا من جفاف قاس وموت لأغلب المواشي". وأشار الى، أن "أكثر من 50% من سكان الأرياف تركوا أراضيهم نحو المدن"، مبينا أن "الحكومة لم تحرك ساكناً لمعالجة الأزمة التي تمر بمناطقنا، والصعوبات التي تواجهنا".
وتحذر وزارتا الزراعة والبيئة في العراق، من أن البلاد تفقد سنوياً 100 ألف دونم (الدونم 1000م مربع)، جراء التصحر، كما أن أزمة المياه تسببت بانخفاض الأراضي الزراعية إلى 50% وفق تصريحات رسمية قبل أسابيع.
ووفقا لوزارة الزراعة، فإن مساحة الأراضي المزروعة بالقمح والشعير خلال عام 2022 تراجعت من 11 مليوناً و600 ألف دونم إلى أقل من 7 ملايين دونم، وهي أقل نسبة زراعة للمحصولين منذ سنوات طويلة.
وبحسب وزارة الزراعة فإن العراق خسر نحو مليوني دونم من الغطاء النباتي خلال الأعوام العشرة الماضية. يشار الى أن "مؤشر الإجهاد المائي" لعام 2019 توقع أن يكون العراق أرضاً بلا أنهار بحلول عام 2040، ولن تصل مياه النهرين إلى المصب النهائي في الخليج العربي.
تم نشر هذه المادة الصحفية بدعم من صندوق الأمم المتحدة للديمقراطية UNDEF ومؤسسة صحفيون من أجل حقوق الإنسان jhr.