TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > مال عراقي بلا حماية ولا رقيب

مال عراقي بلا حماية ولا رقيب

نشر في: 5 يوليو, 2023: 11:40 م

رزاق عداي

ا لبغداديون في العقود الاولى من القرن الماضي كانوا يتندرون على وزير المالية العراقي في اول تشكيلة وزارية في الدولة العراقية (ساسون حسقيل) حتى انهم ابتكروا مصطلح (الحسقلة) للاْشارة الى بخله الشديد!،

والحقيقة، لم يكن هذا الرجل بخيلاً ابداً بل هو شديد الحرص على المال العراقي العام، حتى انه رفض مرة ان يطلق مبلغ عشرين ديناراً من الخزينة العامة طلبها الملك فيصل الاول لبناء مدرسة في الديوانية، رفض هذا الوزير طلب الملك، لأن المبلغ المطلوب لم يبوب اولاً في الميزانية،

ويذكر المؤرخون انه كان المؤسس الحقيقي والاول للنظام المالي العراقي، وقد ظل يشغل وزارة المالية عدة مرات خلال عقد العشرينات، مؤسسا الميزانية العامة للدولة، ونظام الضرائب، ومجمل القوانين الهيكلية للمالية العامة، وكان مفاوضاً صعب المراس مع شركة النفط البريطانية المستثمر الاكبر والاول للنفط العراقي انذاك، وقد طلب استلام العائد العراقي بالجنية الاسترليني الذهبي بدلا من الورقي للحفاظ على استقرار قيمته،

ويقال انه لم يتذمر ويمتعض عندما يسمع الاقاويل بشاْن بخله المالي العام، لانه كان يرغب ان يبدا ببداية صحيحة وصارمة، و لم يدر بخلده ان ياتي اليوم، وبعد قرن من الزمان ان يصبح المال العراقي العام بلا حماية ولا رقيب، ---

ورغم ان المقارنة هنا غير واردة بين واقعين يفرقهما امتداد زمني يزيد على القرن، ولكن ما يمكن استنتاجه ان الشعوب او البلدان عندما تريد ان تنهض او ان تضع اقدامها على سكة التقدم، فهذا مكفول ومحكوم بمدى ارتباط او انتماء الشريحة الحاكمة وصدق توجهاتها وجدية ونزاهة التنفيذ من قبلها، بغض النظر عن حجم هذه البلدان وتوفر مواردها الضرورية للبناء، وتجربة سنغافورة وكوريا الجنوبية الفقيرتين في خوض النهوض والتحديث ابان عقد الستينات من القرن الماضي خير مثال وانموذج في هذا المجال،

الحافز الاول المساعد في هدر الاموال العراقية بعد 2003 هو غياب الحسابات الختامية، وكما يظهر وكانه اجراء مقصود ومبيت رغم المطالبات المستمرة في ضرورة حضوره كاّلية حسابية ضابطة بين الداخل والخارج من الموازنة السنوية، فمبيعات الصادرات النفطية العراقية منذ الاحتلال وحتى السنة الاخيرة هي اكثر من ترليون دولار، بحسب وزير نفط عراقي اسبق، الذي اعتمد على الارقام الرسمية السنوية لقيمة الريع النفطي، فكيف تم انفاق ما يزيد على ترليون دولار؟، والبلاد تواجه انقطاعات مستمرة للكهرباء، وتخلفا حادا في التعليم والصحة وجميع الخدمات الاخرى، وزيادة في الفقر والهجرة، ناهيك عن الارهاب،,,, وبحسب وزير مالية اسبق واصفاً الحالة الماْساوية للعراق (حيث تعمل شبكات ورجال اعمال وسياسين وموظفي دولة فاسدين، في ظل سيطرة تامة على قطاعات كاملة من الاقتصاد، وسحب مليارات من الخزينة العامة) صورة كارثية قاتمة لواقع سياسي -اقتصادي، تجسد حالة النهب والهدر في اقصى مستوياته، محمية من قبل احزاب كبيرة وحصانات برلمانية وحتى قوى اجنبية، تواصلا مع اخطبوط هائل من الفساد في كل قطاعات الدولة، اخطر ما في الهدر المالي الكبير هو شرعنته كما جاء في المادة -16- من الموازنة الاخيرة الثلاثية للاعوام 2023 -2024 -2025 التي تنص ان على وزارة المالية اطفاء السلف الحكومية لسنوات طويلة بعد 2003، بذريعة ان الاموال بين اطراف حكومية فقط وليست لافراد، متجاهلين ابواب صرف هذه السلف في ظل فساد كبير المدرك ان لا متابعة ولا حسابات ختامية في نهاية المطاف، فالمبالغ الممنوحة كسلف كبيرة جداً وتتجاوز المئة مليار دولار، ولهذا جرى اسدال الستار عليه من خلال الموازنة دفعا للفضيحة المالية المدوية، هناك موازنات مالية ضائعة تماما ومجهولة المصير كموازنة عام 2014، التي لم يعرف عن اتجاهات اموالها مع ان العراق كان في تلك السنه يمر بوفرة مالية بفضل ارتفاع اسعار النفط بشكل استثنائي، وتمكنت بعض الجهات الرسمية من لغمطة الموضوع تحت يافطة ان البلاد كانت تمر بظروف خاصة للاشارة الى الحرب على داعش،

ومن القصص الطريفة في مجال الهدر الكبير للمال العام، ما رواه محافظ البنك المركزي، خلال استضافته في البرلمان العراقي في ايلول 2018 عن تلف سبعة مليارات دينار، جراء تعرض خزائن مصرف الرافدين لتسرب مياه الامطار، وهناك اشكال وقصص عديدة للهدر تتباين مابين الكوميدي منها والماْساوي ينشغل بها العراقيون لفترة ولكن سرعان ما ينسون هذه التي اصبحت قديمة لاخرى احدث من الاولى، كقضية سرقة القرن ومصرف بوابة عشتار والنفط المهرب بكميات مذهلة، وثم الاستيلاء على عقارات الدولة، ومع ذلك فما يكشف من عمليات الهدر يفوق ما يعلن عنه في الصحافة والاعلام والتقارير الرسمية، هناك اموال كبيرة غادرت العراق ويصعب اعادتها، فالافلات من العقاب هو السمة السائدة في التعامل الحزبي والسياسي مع موارد الدولة، كون الاحزاب تسيطر على كل شئ، وتحولت معظم عمليات السرقة للمال العراقي عادة حزبية، والادهى من كل شئ ان الاحزاب التقليدية باتت تعتبر ان نهب اموال الدولة العراقية يقع ضمن الحصص والاستحقاقات الانتخابية والسياسية،

اموال مكشوفة بلا حماية ولا رقيب وبدن حساب

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

وراء القصد.. ولا تيفو.. عن حمودي الحارثي

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

العمودالثامن: فاصل ونواصل

العمودالثامن: ذهب نور وجاء زيد

شراكة الاقتصاد الكلي والوحدة الوطنية

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

 علي حسين الحزن والكآبة والتعوّد على طقوسهما، موضوع كتاب صدر قبل سنوات بعنوان "ضدّ السعادة"، حشد فيه مؤلفه إيريك جي. ويلسون جميع الشواهد التي ينبغي أن تردعنا عن الإحساس بأي معنى للتفاؤل، فالمؤلف...
علي حسين

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

محمد الربيعي (الحلقة 3)التجربة الكوريةتجربة كوريا الجنوبية في التعليم تعتبر واحدة من أنجح التجارب العالمية فقد استطاعت أن تحقق قفزة نوعية في مسارها التنموي، فحوّلت نفسها من دولة فقيرة إلى قوة اقتصادية عظمى في...
د. محمد الربيعي

مركزية الوهم العربي: بين الشعور بالتفوق ونظريات المؤامرة

قحطان الفرج الله مفهوم "المركزية" الذي يقوم على نزعة الشعور الجارف بتفوق الأنا (سواء كانت غربية أو إسلامية) وصفاء هويتها ونقاء أصلها. بحسب الدكتور عبد الله ابراهيم الناقد والمفكر العراقي، الذي قدم تحليلًا معمقًا...
قحطان الفرج الله

تفاسير فظيعة في تفخيذ الرضيعة

حسين سميسم وجد الفقهاء أن موقفهم ضعيف في تشريع سن الزواج، نظرا لضعف الروايات التي اعتمدوا عليها، اضافة الى خلو القرآن من نص صريح يوضح ذلك، فذهبوا إلى التفسير بحثا عن ضالتهم، ووجدوا في...
حسين سميسم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram