علاء المفرجي
يكفي ان أتصفح الرسائل التي بيننا في مواقع التواصل الاجتماعي لأتأكد، من أنني لم اخطئ بتقييمي لهذا الفتى الموهوب في السينما، منذ تعرفت عليه أول مرة، وكانت على ما أظن، خلال مشاركتنا في مهرجان الخليج السينمائي في دبي، والحق أقول أن لهذا المهرجان الفضل في التعريف بسينما الشباب في العراق، وأيضا في معرفتي بالعديد من هؤلاء الشباب، فعلى مدى حضوري في ست دورات منه، شارك العديد من الشباب فيه، وكان (لؤي) أحد المشاركين الموهوبين في هذا المجال.
ففي دورة 2013 على ما أظن كان لؤي أحد المدعوين للمهرجان، وباستحياء تقدم مني في صالة الانتظار، في المطار ليعرفني بنفسه، ويطلب مني ان أشاهد فيلمه المشارك (قطن) في المسابقة، وأبديت سروري لذلك، وشاركنا أنا وهو بمشاهدة الفيلم عن طريق كومبيوتره المحمول، وأمام جمع من زملائه ياسر حميد، وملاك عبد علي، ويحيى العلاق، ومناف شاكر، واخرين، أخبرته أن فيلمك هذا ذاهب لاقتناص الجائزة الأولى، وهذا ما حصل.. وكتبت حينها عن الفيلم في العمود
المخرج لؤي فاضل عباس رسخ حضورا واضحا في المشهد الفيلمي العراقي.. فقد تجلى من فيلمه هذا نضجا ووعيا وتمكنا من أدواته، وأيضا حساسية واضحة باختيار الفكرة وأسلوب معالجتها.
يعتمد الفيلم المستوحى من قصة قصيرة للكاتب العراقي إبراهيم أحمد ثيمة إنسانية بمعالجة بصرية ذكية.. راعية غنم في قرية بالقرب من طريق عام، يفاجئها للمرة الأولى الطمث.. ويدخلها في دوامة تجربة جديدة في حياتها لا تجيد التعاطي معها، وهنا تبرز مهارة المخرج في إظهار الحيرة والقلق على محياها من خلال الارتباك الذي تعيشه للحظات، وبالتقاطات مشحونة بالرموز ترصد كاميرا فاضل أدق التفاصيل لهذه الحالة.
بينما ننتظر على الطريق العام مرور سيارة تحمل جنازة يتطاير القطن من فتحة التابوت غير المحكم الغلق، حيث تأخذ الريح قطع منه إلى حيث مكان الفتاة وحيرتها.. إلى حيث ما تحتاجه في فهم ناموس الطبيعة هذا.
ما يمز هذا الفيلم وينأى به عن نمط الأغلب الأعم من الأفلام العراقية التي صنعها الشباب بعد عام 2003 هو حس المغامرة لدى المخرج في اكثر من جانب، فهو من جهة يتناول بجرأة واضحة موضوعاً يبدو للكثير محرما الخوض فيه، ويحسب له انه تعاطى معه بدراية.. ومن جهة أخرى غامر في ان يكون فيلمه هذا غير ناطق وهي مغامرة صعبة، وإن كان موضوع الفيلم لا يتطلب حوارا باعتبار ان ذلك من شأنه ان يغرق الفيلم بتقليدية مباشرة تفسد جماليته.. أما الصعوبة فإنها تتمثل بكونها تجربة لم يلج غمارها سوى القليل من الأفلام..
من كل هذا يبرع المخرج فاضل بالخوض في موضوعة تعتمد ثنائية المدنس والمقدس، الحياة والموت.. وهي ثنائيات ليس من اليسر الخوض فيها من دون عدة تجعل المتلقي يتماهى معها، وهو ما برع فيه لؤي فاضل باختيار زوايا التصوير وأيضا أداء بطلته.
فيلم (قطن) يخرج أيضا عن نمط أفلام الشباب حيث موضوع واحد هيمن على النتاج الفيلمي العراقي، خلال السنوات العشر الأخيرة، وهو الحدث العراقي بتفاصيله، وتداعياته، وأثره الاجتماعي والنفسي..
خاصة مع الأفلام التي حظيت بمشاركات في المهرجانات السينمائية، والتي استطاع البعض منها ان ينتزع جوائز مهمة في هذه المهرجانات.
الرحمة للؤي، الذي كان يتمنى في أن يحقق حلمه بفيلم روائي طويل، لكن الموت قال كلمته.