اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: الجمال الغائب في الفن العراقي

قناطر: الجمال الغائب في الفن العراقي

نشر في: 11 يوليو, 2023: 11:49 م

طالب عبد العزيز

لم تطرح الثقافة العراقية إنموذجاً خارج الشعر، وأيُّ حديث عن ثقافتنا بعيداً عن المتنبي وابي نؤاس والجواهري والسياب وسعدي وحسب.. وكلهم شعراء، يصعب تسويقه عراقياً عربياً وعالمياً، ولا أتحرج من قولي بأنّها فقيرة في القصة القصيرة والرواية والنقد والفكر والترجمة والسينما والمسرح والفن التشكيلي... قد لا يصحُّ التعميم والاطلاق، لكنَّ تداول النماذج المتميزة منها(إن وجدت) وأهميتها وفعاليتها في صنع وتغيير الحياة العراقية لا أثر له، فهي شبه معدومة. نعم، الفنون الاخيرة خارج دائرة اهتمام المواطن العراقي.

طوال أكثر من ثلاثة أرباع القرن تسيدت الرواية والقصة القصيرة المصرية على عرش السرد العربي، ومعها المسرح والسينما والصحف والدوريات الشهرية، وترسخت صور أغلفة المجلات الثقافية والفنية وروايات نجيب محفوظ ومحمد عبد الحليم عبدالله ويوسف السباعي وإدورد خراط ويوسف ادريس وغيرهم في عين القارئ قبل تأسيسها في ذائقته، ومثل ذلك صنعت صور جميلات السينما وحوارات الاعمال الدرامية واشرطة المسرح المتلفزة الينا وبدائع الرقص الشرقي والفلكلوري، وباتت مصادر لا بد منها عند الباحثين والمشاهدين والقارئين على حد سواء، وظلت الحاجة قائمة لها الى اليوم، صارت مادة أحاديث الناس اليومية، حتى باتت الانموذج في الحياة العامة.

الشباب العرب الذين ابتدأوا كتاباً وقعوا تحت إغواء واسم نجيب محفوظ ورهطه، والشباب المراهقون كانوا أسارى صوت عبد الحليم حافظ ومن كانوا وكنَّ معه، وهاجسهم الاول عمر الشريف ورشدي أباظة وحسين فهمي، أما النساء العربيات، فهن، والى اليوم يتراجعن أمام طفولة سعاد حسني وجسد نبيلة عبيد وسهير رمزي وبقية حسناوات الشاشة المصرية. ولكي لا أبخس ناظم الغزالي حقه، أقول هذا الاستثناء الوحيد في الغناء العراقي، الذي لم يجاوزه أحدٌ، وكل ما استطاعه كاظم الساهر هو ردم الهوة التي ظلت عميقة بعد موته، منتصف الستينات، أمّا النماذج الاخرى في الاغنية العراقية فقد ظلت فقيرة عاجزة، لم تستطع أن تتجاوز حدود الكويت وعبادان.

يتصفح العراقي الأعمال الفنية(الرسم والنحت) فينبهر بما قام به الفنانون في العالم، الذين رسموا الطبيعة باجمل ما فيها، وتفننوا في تقديمها، وظلت قائمة باعمالهم، على مدار الحقب والمدراس الفنية، ورسموا وجوه واجساد النساء الجميلات، فكانت تحفاً فنية بحق، فهي تزين قاعات العرض والبيوت والصالات، وتجاوزت في فاعليتها حدود التزيين، الى الوجود الضرورة، فهي اسهامة في توازن النفس الانسانية. مؤسف أن لا نجد بين الاعمال تلك عملاً عراقياً واحداً، ألا تدفعنا الحاجة الى تعليق صورة جميلة لأمرأة فاتنة عراقية على حائط بيت عراقي!

حين يحتاج المدون أو المتصفح البسيط الى وضع خلفية جميلة لمادة كتبها أو فكرة ابتدعها عن الجمال فأنه يلجأ الى النفائس العالمية تلك، لأنه لا يجد ضالته في الاعمال العراقية. نبحث في ما انتج من الفن العراقي(السينما والتشكيل والنحت)والذي قارب عمره المئة سنة فلا نجد الا القليل المقبول منه، في ذائقة المتلقي البسيط! -بوصفه مستهدفا - وبافتراض أنه أراد أن يزين جدار بيته بعمل فني ما، ترى ما الذي سيغريه؟ أين الطبيعة المشغولة بفنية عالية، وأين الرومانتيكية؟ وإلى أيّ صورة لامرأة جميلة سيذهب ببصره؟ لا نريد أن نقفز بمادتنا هذه على الحدود الاجتماعية والدينية، لكننا نرى بأنَّ علة الثقافة العراقية والتشكيل بخاصة تكمن في التجريب والقفز على المراحل، وعدم امتلاك الجرأة بتحدي الواقع الاجتماعي، فهو يذهب الى التجريد هارباً من التجسيد أولاً، وإن تجرأ على تقديم المراة فيذهب الى أسوأ صورها، فهي قطعة كرافيك معتمة، ملفعة بالسواد، تصرخ وتولول، خلف جنازة ابنها.

اعتقد بأننا بحاجة الى صناعة أنموذج ما، ربما تمكنا من ذلك في الشعر، وهناك علامات لا بأس بها في الرواية، واسس التشكيل العراقي لنفسه دائرة كبيرة، لكن خارج الحدود، حيث يتقبل التجريب والتحديث، أما في الداخل فهو نادر وغير مستعمل في الحياة، لكنَّ حياتنا تتصحر من حولنا ما تزال، والفن هو المنقذ هنا. ينقل عن يوسف وهبي حين سأله احد المخرجين عن الفن في العراق أنه قال:" المسرح العراقي جاد وعريق، لكنْ لن تقوم للسينما عندهم قائمة". أظنه كان يوعز ذلك الى ما تعانية المرأة لدينا، إذْ لا سينما بدون امرأة جميلة، ولا بلاد دون طبيعة ساحرة، ولا تشكيل باستبعاد الانوثة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

وزير الداخلية في الفلوجة للإشراف على نقل المسؤولية الأمنية من الدفاع

أسعار الصرف في بغداد.. سجلت ارتفاعا

إغلاق صالتين للقمار والقبض على ثلاثة متهمين في بغداد

التخطيط تعلن قرب إطلاق العمل بخطة التنمية 2024-2028

طقس العراق صحو مع ارتفاع بدرجات الحرارة خلال الأيام المقبلة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram