اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > هل ثمة لوحة كبيرة الحجم مجهولة لجواد سليم؟

هل ثمة لوحة كبيرة الحجم مجهولة لجواد سليم؟

نشر في: 16 يوليو, 2023: 12:26 ص

شاكر لعيبي

جرى تداول صورة، منقولة من صفحة المهندس خالد ناظم رمزي. الصورة تمثل جواد سليم (1919-1961) مع أحد أعماله المجهولة المصير الآن، بعدسة الفنان ناظم رمزي (1928-2013)، يقول الأستاذ خالد في موقعه الشخصيّ أنها من عام 1958.

الصورة - العمل تثير التساؤلات، فالعمل غير معروف سابقا، والعناصر التشكيلية فيه تتقاطع مع عناصر نصب الحرية، ونصف من التكوين فقط معروف في منشورات سابقة، فالمنشور على غلاف كتاب نوري الراوي "تأملات في الفن العراقي الحديث" (صادر عن وزارة الإرشاد 1962) هو بالضبط نصف تكوين عمل الصورة الفوتوغرافية، ويبدو ما نشره الراوي وهو يقدّم، بصرياً، تكوينا composition مكتملا متوازنا. لقد ظنَّنا أن بقية التكوين مطبوعة على الغلاف الثاني من كتاب الراوي لكن لا وجود لذلك. العبارة على غلاف كتاب الراوي تحت اللوحة "ثورة 14 تموز، جواد سليم"، غامضة ولا تشير بالضرورة أنها حقا من عمل سليم (لا يوجد توقيع في اللوحة خلافا لتقاليد الخمسينيات الواضحة)، من الغريب في السياق نفسه أمر نشر لوحة، والكتابة تحتها على غلاف بأنها من عمل فلان. لماذا لم ينشر الراوي العمل كاملا؟ مسألة حجم؟ وهل سمح الراوي لنفسه اقتطاع جزء من العمل؟ من المشكوك بذلك بشكل حاسم لاعتبارات كثيرة.

العمل نفسه منشور أيضا على غلاف مجموعة بلند الحيدري "جئتم مع الفجر" الصادرة عام 1960، ودائما نفتقد القسم الثاني منه المرئي في صورة ناظم رمزي الفوتوغرافية؟، لعل الرسم-اللوحة على غلاف مجموعة بلند رسم هو تخطيطي أصلي فعلا لجواد أو لمقربيه من العائلة أو الفنانين، خاص بالديوان (لا أعرف فيما إذا أشار بلند لجواد في المطبوع أو لصاحب العمل؟ لا أعتقد) نحن إذن أمام تخطيط بالأسود والأبيض وليس لوحة، وليس ثابتا أنه لجواد. الديوان من مطبوعات الرابطة عام 1960، بغداد. بالأصل باللون الاحمر.

هل أضيف الجزء الثاني من التكوين (الذي نراه في الصورة) في وقت ما؟ هذا هو السؤال الجوهري. من الناحية الأسلوبية، غالبية العناصر المرسومة مشابهة لعناصر جواد المعروفة، وتشير إلى أنها ليست بالضرورة من أسلوب وتقنيات جواد المعروفة، بدءا من الحصانين مرورا بالجنديين و(الشمس) وليس انتهاء برسم السيدة أقصى اليسار التي لم يرسم جواد مثلها قط.. ولا رسْم يد الرجل المنحني على (الشهيد) يسارا ايضا، هذه اليد ليست من طبيعة رسم جواد. هناك عناصر مستعارة بجلاء تام من رسامين آخرين قدّموا سنوات الخمسينيات موضوع الشهادة والشهيد.. الخ. طريقة الرسم ليست من أسلوب جواد سنوات نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات، وإذا كانت له فهي ليست من خيرة أعماله.، إذا لم نقل شيئا آخر.

بالنسبة للصورة الفوتوغرافية، من بين ملاحظات أخرى، هل يُعقل أن مصوّرا كبيرا مثل ناظم رمزي يصوّر جواد سليم بهذه الطريقة، مُقتَطعَا هامشياً في طرف قصي من العمل؟ هل الرجل هو جواد سليم. وأظن أن على الاستاذ المهندس خالد، معرفيا وإيطيقيا، الإجابة على التساؤلات المتعلقة بتاريخ ومكان وأصالة الصورة، في المقام الأول رفعا للالتباس، وقراءة ما قد يكون مكتوبا على قفاها. وإثبات بالدليل العلمي والمنطقي أننا واهمون وقد نمتلك تصورا فنتازيا بشأن أصالتها. هل يُعقل أن عملا لجواد بهذا الحجم يظل طيّ النسيان كل هذا الوقت؟ شيء مثير بل مريب.

وإذن:

1 - افتتح نصب الحرية عام 1961، واللوحة (نصفها فقط) معروفة من عام 1960 أو 1961. فهل رسم جواد اللوحة قبل أم بعد افتتاح النصب؟هناك بعض التناقض واللبس.

2 - توفي جواد سليم في كانون الثاني عام 1961، لُيطرح السؤال السابق نفسه.

3 - نصف العمل معروف ومنشور لمرتين: 1960 و1962 والنصف الآخر لا يظهر إلا في صورة فوتوغرافية لناظم رمزي؟؟ هذا شيء يحتاج تغسيرا منطقبا.

4 يذكر الأستاذ خالد في صفحته: "يعود تاريخ هذه اللوحة إلى عام 1958". ومن المعروف أن هذا العام هو الذي بدأ العمل فيه على نصب الحرية الذي كمل عام 1961 في بغداد. يقول الأستاذ خالد: في الصورة الأصلية، يمكن رؤية جواد سليم في أقصى اليمين وهو يحمل اللوحة". هل يقصد بالصورة الأصلية ((In the original photograph Jawad Selimcan be partially seen on the extreme right holding up the painting) في النص الإنكليزي المرافِق، هذه الصورة نفسها، وقد خانه التعبير؟ أم يعني شيئا آخر؟

5 لا يظهر جواد سليم في الصورة إلا جزئيا لأن النية كانت على ما يبدو تصوير العمل نفسه وليس حضور جواد، ربما على أن توظَّب الصورة لاحقا كي لا يظهر فيها إلا العمل التشكيلي وحده. لم توظّب الصورة ابدا، فظهر جواد لهذه الطريقة غير المألوفة.

عند نشرنا لهذه الملاحظات على مواقع التواصل الاجتماعي كتب الرسام كمال سلطان: "نعم هناك أكثر من علامة استفهام! لا أجد أي مقارنة بين تخطيطات جواد المعروفة وهذا العمل الذي يبدو لي أنه تقليد ضعيف لأعماله". وكتب الرسّام علي النجار: "لا أدري. هناك تفاصيل. وظلال لم نألفها في أعمال وملّونات جواد سليم. وبالنسبة لجزئية الجندي المأخوذة من نصب التحرير وبعض مقاربات أجزائه. فلا أعتقد كان لجواد وقت لرسم هذه الجدارية، ما عدا تخطيطاته التي اعتمدها في انجازه لنصبه. يبدو انه عمل إشكالي!".

وذكر لنا الرسام يوسف الناصر أن تكوين العمل الفوتوغرافيّ: "مملوء بالتكوينات الضعيفة كحقيبة المدرسة في أسفل الجهة اليسرى التي تركها الطالب لينشغل بموت أخيه، والتكوين المضحك للسلسلة اسفل يسار الوسط وفوقها الخطوط العشوائية الضعيفة، واختلال نسب ساق المتظاهر الذي تعلوه الورود والتي تبدو قصيرة جدا مقارنة بساقه اليمنى، كما أن الطير ليس سوى نقل عن جورج براك الرسام الفرنسي وأن حاملي سعف النخيل هي نقل حرفي عن الواسطي، وتعلو المرأة الرداحة اقصى اليسار صورة الطفل الميت والتي تبدو صورة رسمها بيكاسو لابنه..".

هذه اللوحة الطويلة لها بنية تشابه بنية اللافتة، مما يعني أنه عمل توضيحيّ أو إعلاني موجَّه للجماهير العراقية في لحظة توافق بالضبط يوم افتتاح النصب رسميا. ومما يدل أنه كان يقوم بدور اللافتة أن في صورة ناظم رمزي مساحة فارغة بيضاء أعلى العمل (لعلها تبلغ 20 أو 30سم؟)، وهذا أمر مستغرب لأن الإطار (الشاصي) في العادة يحيط العمل بالتمام دون هذه المساحة (الصورة).

فلماذا هذه المساحة؟ لم يتبيّن لي سببها في البدء، مع أنها كانت الدليل القوي على أننا لسنا أمام لوحة تشكيلية خالصة وإنما عملا المطلوب منه أن يُعلّق كي تراه الناس في الشارع وربما تُدق عليه المسامير لتعليقه فوُضعت المسافة هذه كي لا يطال الأذى الرسم نفسه. وقدّمتُ الفكرة للصديق الناصر، الذي قدّم تأويلا آخر مقنعا لهذه المساحة الطولانية الفارغة، مما سنذكره لاحقا.

أضف لذلك أن أجزاء من العمل المرسوم (في صورة ناظم رمزي) تظهر في فيلم وثائقي عن افتتاح نصب الحرية عام 1959

(نُشر الفيلم على موقع تيك توك Tik Tok)، وبين ثنايا مونتاج الفيلم، تظهر أجزاء من العمل نفسه الذي قدّم المهندس خالد ناظم رمزي صورته الفوتوغرافية. ومن الواضح الآن من سياق الفيلم أن العمل المرسوم كان ينوي تقديم نوع من الشرح لعناصر النصب الأصلية، لكن من غير الواضح مرة أخرى أن العمل المرسوم هو لجواد سليم. وهذا الأمر قد يؤكد فرضيتنا أن الرسم هو رسم توضيحي (أو دعائيّ)، للترويج جماهيريا للنصب، منجز حسب رأيي من طرف ورسّام مقرّب من عائلة وأصدقاء جواد سليم، أو من جواد نفسه في جزء منه، مع أن طريقة الرسم لا تماثل أسلوبه.

ممكن رؤية الفيلم على هذا الرابط:

https://www.facebook.com/watch/?ref=search&v=1091665071455845&external_log_id=fb0e98e8-be41-4690-a16e-d0d221c1f333&q=افتتاح%2520نصب%2520الحرية

في السياق نفسه ساهم مثقفون آخرون في نقاشنا للعمل منهم الشاعر جمال جمعة الذي لم يقنعه، على ما يبدو، قولنا إن العمل غير موقَّع، فأرسل لنا صورة رمزي وقد أشار الى التوقيع المفترض (الصورة) تحت أقدام المرأة يسارا.

لكن الكتابة هنا لا تشابه توقيع جواد المعروف في غالبية لوحاته المعروفة. وقد تكون دمغة المصوّر رمزي على النيكاتيف، لأننا نرى شيئا يماثله تحت اللوحة وليس في صلبها. من هنا طلبي من ابن المصور توضيحات عن الصورة وأصالتها وما هو مكتوب عليها من الوجه والقفا. الشاعر المرموق جمال جمعة أجاب بأن "التوقيع ليس نسخة متطابقة بل منوط بمادة العمل وحجم الفرشاة" وأرسل لتأكيد رأيه عملا موقَّعاً آخر لجواد. وهو أمر صحيح في العموم مع أن اسم سليم في صورة ناظم رمزي مشوش أصلا إذا كان موجودا. رغم ذلك وحتى لو وقّع جواد جدلا هذا العمل (ولا أظن) فالعمل توضيحيّ، آني، لافتة اعلانية في جوهره لم تكن تستحق التوقيع. وذكر جمعة أن "نصب الحرية بمجمله مصمم على هيئة لافتة في الحقيقة". وقد أحسن بهذا التأويل.

وأضاف جمعة: "يتهيأ لي استنادًا إلى ملاحظة ثمينة لك حول العمل بشأن اختلاف الأسلوب، أنها ربما تكون لوحة مشتركة مع نوري الراوي مثلًا، فثمة اسم غير بائن في الصورة يجاور اسم جواد. محض افتراض". فذكرتُ لصديقي جمال أنه افتراض سليم بالعموم بغض النظر عن نوري الراوي، لكن افتراض نزيهة سليم أو نزار سليم هو الأقرب مع مساهمة ما من جواد (في القسم الاول من العمل يسارا بشكل خاص): لقد أرادت العائلة تقديم لافتة اعلانية عن النصب بهذا العمل في حمى تنفيذه وقريبا من وقت إطلاقه. لذا فقد اسْتُخدم هذا العمل غالباً لافتةً وأتلف بعد انتهاء وظيفته. وبالعودة إلى نقاش صديقي الفنان يوسف الناصر، قدّم الناصر تفسيرا مهما ومقنعا للمساحة البيضاء المتروكة على طرف العمل الأعلى، فحواها أنها مكرسة للكتابة المناسباتية عليها. وهو تأويل آخر مقنع جدا. وإذن فقد أُتلف العمل بعد انتهاء المناسبة، وهذا ما يفسّر غيابه النهائيّ.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ليفربول يخسر وديا أمام بريستون

مجلس الخدمة ينشر توزيع حملة الشهادات والاوائل المعينين حديثا

البرلمان يشكل لجنة إثر التجاوزات على اقتصاد العراق وأراضيه

بايدن يرفض دعوات الانسحاب من الانتخابات الامريكية : انتظروني الأسبوع المقبل

وفاة محافظ نينوى الأسبق دريد كشمولة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram