اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > مُخْتَارَات : زُهاءُ حَدِيد

مُخْتَارَات : زُهاءُ حَدِيد

نشر في: 16 يوليو, 2023: 10:46 م

د. خالد السلطاني

معمار وأكاديمي

أستمراراً لسلسلة المقالات المكرسة لمهمة إدراك العِمَارَة المتحققة عند "الآخر" من خلال التصميم والتعبير؛

نواصل نشر مقالنا هذا المتضمن، كالعادة، اصطفاء نموذج معماري مصمم من قبل معمار معروف و التذكير بأقواله، لجهة تحقيق حضور <الافعال والاقوال> جنباُ الى جنب، متطلعين لفهم اعمق بما هو مجترح من ابداع مهني. وطامحين بعملنا هذا الى توسيع نشر المعرفة المهنية في اوساط مجتمعية واسعة، مثلما نبتغي ايلاء اهتمام لاشكالية "الآخر"، زيادة في اثراء المعرفة وتوسيع مجالات الادراك والمتابعة فيما يخض اشتغالات الفكر المهني العالمي المعاصر وقضاياه الانية الملحة.

وفي هذة الحلقة نتناول ما صرحب به المعمارة "زهاء حديد" (1950 – 2916) مع نشر احد اعمالها المميزة.

ولدت المعمارة زهاء محمد حديد في بغداد / العراق في 31 اكتوبر1950، وحصلت على شهادة الليسانس من الجامعة الامريكية في بيروت، بفرع الرياضيات عام 1971. لكنها درست العمارة لاحقاً (1972)، في مدرسة الجمعية المعمارية بلندن/ المملكة المتحدة، وتخرجت منها عام 1977، وفي ذات السنة عينت كمعيدة في المدرسة التى تخرجت منها. ولاحقاً اصبحت استاذة زائرة في العديد من الجامعات المرموقة: الاوروبية والاميركية منها. صممت زهاء مشاريع كثيرة في بريطانيا وخارجها، واحصيت البلدان التى صممت المعمارة مشاريع لها بحوالي 45 دولة، بضمنها وطنها الاصلي العراق، حيث صممت له مبنى البنك المركزي العراقي سنة 2012. حازت على جوائز مرموقة بضمنها جائزة "بريتزكر" عام 2004.

توفيت إثر نوبة قلبية في مدينة ميامي/ فلوريدا – الولايات المتحدة في 31 آذار سنة 2016.

عندما اكتمل مبنى "بي. أم. في" B.M.W. المركزي في لايبتزغ بالمانيا عام 2005، المصمم من قبل مكتب "زهاء حديد معماريون" (المبنى الذي نُظمّت مسابقة معمارية لتصميمه عام 2001 وفاز بها آنذاك مكتب زهاء)، صدر وقتها في امريكا عن مطابع جامعة برنيستون سنة 2006 كتاباُ خاصاً مكرساً لعمارة هذا المبنى. وفي هذا الكتاب اياه، تمّ نشر نصوص مقابلة مع زهاء، اجراها "تود غانون" (1971) Todd Ganon (وهو معمار وناقد امريكي مقيم في لوس انجلوس، واستاذ جامعي في <مدرسة "نولتون" Knowlton للعمارة والتصميم>).

في هذا الحوار (الذي اراه ممتعاً، وبترجمة مني)، تتحدث "زهاء حديد" عن مرجعياتها التصميمية، وعن مفاهيم معمارية جديدة وقتذاك، خصوصاً ونحن نتحدث عن زمن "انشغالات" بداية القرن الحالي، حيث لازلت المعمارة مع آخرين "يجاهدون" في ترسيخ اسمائهم واعمالهم في الخطاب والمشهد المعماريين. ولهذا فأن هذا الحوار يمتلك اهمية خاصة لجهة فهم عمارة "زهاء" وإدراك ما كانت تود ان ترسله الى متلقي عمارتها المدهشة. انه في معنى من المعاني: تفسير او تعليل وتوضيح لتلك الافكار المعمارية التى قد تبدو معقدة وشائكة وحتى عصية على الفهم بالنسبة للبعض. واذكر باني، شخصيا، كتبت مقالا في بداية الثمانينات، نشرته في جريدة "الجمهورية" البغدادية (ازعم بانه كان من اوائل المقالات بالعربي عنها) معرفاً القراء العراقيين والعرب ببزوغ "نجم" ساطع جديد في سماء العمارة العالمية اسمه "زهاء حديد"! (وليس <زها> حديد، كما يحلو للبعض المولع بالثقافة "الانغلوسكسونيـّة" في "نقل" اسمها المكتوب باللغة الانجليزية باسم "زها"؛ وكأنهم في هذا يسعون وراء "محو" اسمها العربي أو اصلها العراقي. واذ اتفهم متابعي "زهاء" من العرب لاستخدامهم اسم "زها" لها بدواع عدم المعرفة، فاني ابقى في حيرة من امري تجاه بعض العراقيين الذين يصرون على اطلاق اسم "زها" عليها. ولا ادري بواعث ذلك الاصرار في هذا الاستخدام، هل هو، يا ترى، عدم معرفة، ام هو نوع من تماهِ (في غير محله!) مع الثقافة الانغلوسكسونية؟!.. لكن ذلك قصة آخرى، فقصتنا الآن عن مختارات "زهاء"!).

يتحدث المحاور " تود غانون" مع "زهاء" عن انطباعاته عن مبنى " بي. ام. في." الذي اكتمل للتو، ويخبرها بان " بروس فيرغسون" B. Ferguson عميد مدرسة الفنون في جامعة كولومبيا، كان معه بالامس في زيارة المبنى، وابدى اعجابه الكبير به قائلا "انه يشعر، لاول مرة، بانه يرى فضاءً "ينتمي" الى القرن الحادي والعشرين"!

- زهاء حديد: نعم، قال لي ذلك، وانا اراه تعليقا ممتعا للغاية.

اعتقد بان ذلك ينبع من فكرة بان كل شئ يتحرك في المبنى، فحركة العمال ذوي الياقات الزرقاء والبيضاء مع حركة الجمهور، وبالطبع مع حركة السيارات، فالكل يتحرك ضمن فضاء واحد.

- تود غانون: عندما القي نظرة على مبنى " بي. أم. في" المركزي، استحضر الى الذاكرة اعمالك الاخيرة في "روما" و "ستراسبورغ" و "فيل ام راين" وفي امكنة أخرى، اضافة الى مشاريع سابقة مثل محطة اطفاء "فيترا"، وحتى في مشروع "قمة هونغ كونغ"؛ كيف يمكنكِ ان تضعي هذا المشروع مقارنة بالمشاريع الآخرى؟

- زهاء حديد: هذا المشروع معني باجتراح فضاء عبر خطوط. ومثل جميع المشاريع التى ذكرتها، فالامر يتعلق بفكرة بسيطة تتمثل في حركة أشخاص في حيز. وفي كل حالة يبرز هذا الفضاء من عملية خطية. انها نوع من اكتشاف طريقة يمكن بها للنظام ثنائي الخطين ان يبتكر فضاءً ثلاثي الابعاد. وبالاضافة الى ذلك، فاننا قد عقدنا العزم لتوظيف ألانشاء لخلق فضاء مميز. فالهيكل في اعمالنا ليس مجرد "بُنـّية" بسيطة لدعم مخطط تجريدي. اذ اننا نعمل لتوزيع ونشر العناصر الانشائية للحصول على اعلى جودة مكانية! في مبنى "بي. أم. في." كان احد القرارات الاساسية ازالة الاعمدة. وهنا، كما لدى المركز العلمي في فولسبورغ (المانيا) عملنا بصورة وثيقة مع الانشائيين لاحراز وتطوير فضاءات بدون أعمدة. وهذا، بالطبع، كان له تأثير قوي وعميق على التجربة المكانية.

ربما التضاريس والمناظر الطبيعية هما ايضا تقترحان طرقاً بديلة للتعاطي مع الابنية الضخمة. لقد كنا مشغولين ومهتمين في افكار الفضاءات الطبيعية "اللانديسكب" لبعض الوقت. والذي يعيد بنا الى عملنا في كولونيا وكذلك في متحف "فكتوريا والبرت" وبعد ذلك في روما واخيرا في "بي. ام. في.". ففكرة "المدرجات الداخلية" في "بي. ام. في." تستحضر الى الذاكرة تجاربنا في متحف <فكتوريا والبرت>، وربما ايضا في مشروع "غوند هول" في هارفرد. وكل تلك التجارب تكون حاضرة في الذاكرة عندما يطور المرء اعماله التصميمية.

- تود غانون: في جميع أبنيتك، أجد ثمة حركة لتتابع خطوات مدروسة خاصة بالفضاءات بدءًامن الشارع باتجاه المبنى. في مركز "بي. ام. في." عندما اكتملت اشكال الفضاءات المفتوحة وصالة العرض، قمتِ بتصميم دخول سلس يبدأ من الخارج عبر المدخل نحو المبنى. هل بالامكان اعطائنا ولو نبذة عن هذا المشروع فيما يخص "الحركة التتابعية"؟!

- زهاء حديد: اعتقد بان هذا متأتٍ من سنين التدريب في دراسة التكوين، الشواهد الارضية، والتنظيم الحضري. لقد سعينا وراء هذا النوع من الاكتشافات لسنين. انها ببساطة الطريقة التى نستكشف بها الفضاء المعماري. ومنذ البداية كنا مهوسيين في عمل رسوم بيانية للسياق.

- تود غانون: هل تطورت تقنيات ذلك "الهوس" اثناء دراستك في مدرسة ا"لجمعية المعمارية" <أي. أي.> A. A.؟!

- زهاء حديد: كما اذكر، لم تكن هناك محددات تقنية في مدرسة <أي. أي.>، لكن تلك الافكار كانت بالتأكيد جزءا من خطاب ذلك الوقت. بالنسبة الينا، لم يعد "السياق" يدور حول "التاريخانية" Historicism (بمعنى الاهتمام المفرط بالانماط السابقة)، او علاقات سياقية تقليدية. فالامر امسى محرجا وشديد الاهمية. وقد قاد ذلك الى سلسلة تقنيات متقدمة. لقد حولنا "الشواهد الارضية" الى اسلوب وطريقة للبحث والاستقصاءات.

واضافة الى ذلك، فان اموراً كثيرة تغيرت بعد "ثورة 68". اذ طمس <المشروع الاجتماعي> و"محا" <المشروع الشكلي>، وكان ذلك، حسب ما أظن، نهاية الحداثة!

عندما التحقت في مدرسة <أي. أي.> A. A. عام 1972، كان المكان بالضد من الشكل وبالضد من التصميم Antidesign، وكان كل شئ في المدينة معرض للمناقشة، ومن هذا السياق نشأت في السبعينات ما يسمى "بالعمارة الورقية" Paper Architecture. وكان ذلك العمل مهماً لنحو ثلاثين سنة، وقد أثر ظاهريا على الوضع الحالي. واظن بان ذلك قد حدث لاننا فقدنا الايمان بالحداثة. وجراء هذا الفقد فاننا ضيعنا وخسرنا "التاريخانية". كان كثر يزعمون بان اعمالهم تقع ضمن مفهوم "السياقية" Contextual. لكنها في الحقيقة كانت مجرد محاكاة "باستيجية" Pastiche. وكان عملنا منصباً في نقد هذة التصورات التاريخانية. بالطبع كان ثمة مشاريع اجتماعية ايضاً، مشاريع مرسومة عديدة، وكانت تلك مقترحاتنا للسياقية.

كان عام 1983 عاما مهما. ففي خلال اسبوع واحد كنت قد فزت في مسابقة "القمة" (قمة هونك كونغ)؛ كما فاز "برنارد تشومي" B. Tschumi في مسابقة "لا فيليت"La Villette. وفي تلك الاثناء حصلت تغييرات كبرى في مدرسة <أي. أي.> A. A.. فلم تعد، ببساطة، تلك المدرسة تنتج تصاميم تقليدية.وقد نظر الى مدرسيها وطلابتها بكونهم مؤهلين للفوز في مسابقات مهمة. بالطبع "ريم كولاهاس" R. Koolhaas كان شخصا مهما للغاية. وكانت مشاركته في مسابقة "لا فيليت" بمثابة مشروع رائد، في ذلك الوقت، حتى وإن مشروع "تشومي" نفذ في الاخير.

لقد نال كل ذلك قدرا كبيرا من اهتمام الصحافة، وكانت بداية اهتمام عام بـ "البدلاء" الحالمين الحضريين. ولكن مع هذا ظل المشروع التاريخي قويا للغاية ومتماسكا.

- تود غانون:.. ولايزال قوياً!

- زهاء حديد:.. ليس في اوربا. لقد اختفي هنا في اوربا. يمكن، في لندن، رؤية بعض المطوريين الشعبويين، ولكن في كثير من الاحوال فقد تحولت طموحاتهم من التاريخانية والتقليدية الشعبوية الى "الهاي –تك" المزيف.

في الثمانينات، بدأت ثمة رغبة جديدة للهوية بالتشكل في الولايات المتحدة. رغبة تنشد التعويض عن النقص الملحوظ للتاريخ. وكان الرد هو تبني "الكلاسيكية الجديدة" او "ما بعد الحداثة" الامر الذي كان اسهل. وكانت تلك لحظة جد خطيرة عندما تلاقت العقلانية وما بعد الحداثة والكلاسيكية وامست واحدة تقريباً.

- تود غانون: هل تفاعلتِ بشكل مباشر مع هذة التوجهات؟

- زهاء حديد: ليس بالضبط. ففي سنتي الدراسية الثالثة في مدرسة <أي. أي.> A. A كنت طالبه عند "ليو كرير" Leo Krier (يعد ليو كرير المولود في 1946 في اللوكسمبورغ، من اشهر المنظرين المعماريين الاوربيين الجدد وهو مخطط مدن، كما انه ناقد شديد وصارم للحداثة، ومروج لافكار العمارة الكلاسيكية الجديدة والعمران الجديد، وهو يجمع ما بين ممارسة المهنة التخطيطية مع الكتابة والتدريس. خ. س.) عندها ادركت باني لا يمكن ان اصدق، كما اعتقد كثيرون، بان الوسيلة الوحيدة للمضي قدماً هي.. العودة الى الوراء! في تلك الآوان لم يكن "كرير" بعد قد اعتنق التاريخية. بيد ان في ظرف عام واحد انتقل من الحداثي/ العقلاني (.. والذي احببت فيه كثيراً) انتقل نحو التاريخية بشكل كامل!

- تود غانون: ما الذي حدث؟!

- زهاء حديد: اعتقد بانه كان مؤمناً حقاً بذلك. وبغض النظر، فلدي تجربة ايجابية مع "كرير" فعندما كنت طالبة سنة ثالثة في المدرسة، كنت منخرطة في مشاريع حضرية واسعة النطاق، بينما كان معظم زملائي يقومون بتصاميم لاشياء صغيرة مثل اجنحة وما شابه ذلك. كان طموحي هو فهم "المدينة" لجهة ادراك التمدن من خلال التحليل الدقيق.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ليفربول يخسر وديا أمام بريستون

مجلس الخدمة ينشر توزيع حملة الشهادات والاوائل المعينين حديثا

البرلمان يشكل لجنة إثر التجاوزات على اقتصاد العراق وأراضيه

بايدن يرفض دعوات الانسحاب من الانتخابات الامريكية : انتظروني الأسبوع المقبل

وفاة محافظ نينوى الأسبق دريد كشمولة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram