TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > الصراع على سلطة الحضانة - دراسة قانونية -

الصراع على سلطة الحضانة - دراسة قانونية -

نشر في: 20 يوليو, 2023: 12:04 ص

د. اسامة شهاب حمد الجعفري

نضال مجتمعي اطلقه الاباء للمطالبة بتعديل المادة (57) من قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل التي فضلت الام على الاب في موضوع حضانة الاولاد الصغار, واستندوا الاباء على عدم دستورية هذه المادة الى ثلاث حجج: الحجة الاولى:

انتهاك مبدأ المساواة بين العراقيين المقرر في المادة (14) من الدستور, وتفضيل الام على الاب في الحضانة هو تمييز بينهما على اساس الجنس. الحجة الثانية: مخالفة لثوابت الاسلام اذ منعت المادة (2/اولاً- أ) من الدستور سن اي قانون يخالف ثوابت احكام الاسلام, واختصاص الام بحق الحضانة لمدة عشر سنوات هو مخالف لثوابت احكام الاسلام. الحجة الثالثة: حرمان الاب من حضانة اولاده يحرمه من ممارسة حقه في تربيتهم ورعايتهم المقرر في المادة (29- ثانياً) من الدستور.

فهل المادة (57) من قانون الاحوال الشخصية العراقي هي فعلاً غير دستورية بناءً على الحجج المبينة؟ ان الإجابة على ذلك يتطلب اخضاع هذه الحجج للمناقشة القانونية :

اولاً: مناقشة الحجة الاولى : (اختصاص الام بالحضانة انتهاك لمبدأ المساواة بين الذكر والانثى):

ان المشرع العراقي في المادة (57/1) من قانون الاحوال الشخصية استعمل الصياغة الاتية : (1- الام احق بحضانة الولد ...) ومفردة (احق) التي استعملتها هذه المادة تعني "التفضيل" اي مفاضلة شخص على شخص اخر على حق مشترك, و(أحق) تعني ايضاً "الاختصاص بالحق" من غير مشاركة, و(احق) تعني ايضاً الاكثر جدارة واهلية على تحمل اعباء المسؤولية و تنفيذ الواجبات. ومن هنا فإن المشرع العراقي لا يسلب الاب حق الحضانة و انما يعترف بانه حق مشترك بين الام والاب ومن اختصاصهما معاً ولا يحق للغير ان يتدخل بهذا الحق. و لكنه يفترض ان هذا الحق لا يبقى دائماً محل توافق وتفاهم بين الاب والام إذ قد تثور بشأنه النزاعات والخصومات, وفي حالة النزاع بين الام والاب على " حق الحضانة " المشترك بينهما فإن الام هي الاكثر جدارة واهلية من الاب في تحمل مسؤولية هذا الحق. فالحضانة هو "حق للصغير" حقه في عنايته وتربيته لضمان سلامته الجسدية و النفسية والعقلية والام هي الاكثر قدرة و جدارة على تحمل تلك الاعباء وفقاً لطبيعتها الخلقية البيولوجية. فالقانون لم يميز بين الذكر والانثى في الحقوق على اساس الجنس بمسألة الحضانة وانما اسند وظيفة تتفق مع استعداد الام وميولها لتتولى وظيفة العناية بطفلها الصغير, واذا صح هذا القول فان منح الاب الولاية الابوية على الصغير وتقدمه على الام بهذا الخصوص ايضاً فيه تمييز بين الذكر والانثى لصالح الاب وهذا مالا يصح, فلكلٍ وظيفته وواجباته وسلطاته في التنظيم العائلي. كما ان الحضانة ليست "حقاً" بمعنى "الميزة" وانما تعنى "الواجب" يكون اداءه لصالح الصغير ولا يحق للام استعمالها لمصلحتها. و من هنا فان اختصاص الام بالحضانة ليس تمييزاً بين الذكر والانثى التي منعته المادة (14) من الدستور العراقي

ثانياً: مناقشة الحجة الثانية (اختصاص الام بالحضانة مخالفة لثوابت احكام الاسلام):

استعمل النص الدستوري في المادة(2/اولاً-أ) مفردة (ثوابت احكام الاسلام) فالثوابت الاسلامية هي وحده التي تجعل النص القانوني غير دستوري, وثوابت احكام الاسلام تعني تلك الاحكام التي فيها اجماع عام واتفاق تام بين المذاهب الاسلامية على انها من الاحكام الثابتة التي لا تغيرها الزمان والمكان. واتفق علماء الفقه الاسلامي بمختلف مذاهبهم ان الحضانة هي سلطة مؤقتة للام تنتهي بتكوين قدرات الصغير الجسدية والعقلية في سن معين تمكنه من رعاية نفسه بنفسه فالصغير في ايامه الاولى يحتاج الى شخص اخر يتكفله في لباسه وغذائه ورضاعته ومنامه وحفظه وتربيته لتنمو شخصيته طبيعياً, وتنتهي حضانة الصغير عندما يستغني عن خدمة النساء ويستقل بنفسه في كل ذلك. الا ان فقهاء المذاهب الاسلامية اختلفوا في تقدير زمن هذا الاستقلال والاستغناء عن خدمة النساء , فالحنفية قدرت سن استغناء الصغير عن خدمة النساء للذكر سبع سنين, والبنت عند البلوغ وسن البلوغ عند ابو حنيفة (18سنة) و عند بقية علماء المذهب الحنفي (15سنة). اما المالكية فقدرت السن الذي يمكن للصغير ان يستغني عن خدمة النساء هو البلوغ للذكر وسن البلوغ عندهم (18سنة), وللانثى حتى تتزوج, والشافعية فلم تحدد سن الحضانة. والحنابلة بالمشهور عندهم سبع سنوات للذكر والانثى, وبعدها يخير بين الام والاب. اما الامامية فقد اختلفوا في تحديد مدة الحضانة فمنهم من حدد مدة الحضانة الى سبع سنين للأنثى, والذكر بعد فصاله من الرضاع , ومنهم من قال الذكر الى سبع او ثمان سنين, والانثى مالم تتزوج الام . و منهم من قال ان الحضانة لغاية البلوغ مالم تتزوج الام .اما العلماء المتأخرين فقالوا لسنتين والاحوط الاولى لغاية سبع سنين, كالسيد السيستاني و السيد الصدر .

و يتبين من موقف فقهاء المذاهب الاسلامية انهم لم يتفقوا على مدة محددة للحضانة وانما جاءت احكامهم شتى ومتباينة لذا فان تحديد مدة الحضانة في الفقه الاسلامي لا تعد من الاحكام القطعية في ثبوتها ودلالتها فهي من الاحكام الضنية التي سمحت للاجتهاد وفق متطلبات الزمان والمكان, واذا كانت مدة الحضانة ليست من ثوابت احكام الاسلام فهي لا تحمل في ذاتها ما يعصمها عن العدول عنها وابدالها بقاعدة جديدة لا تعارض حكماً شرعياً قطعياً تكون ارفق بالعباد واحفل بشؤونهم واكفل لمصالحهم فهي قابلة للتغير بتغير الزمان والمكان لضمان مرونتها وحيويتها. فمدة الحضانة تقع في منطقة متغيرة الحكم التي تحددها مصالح الصغير التي هي بطبيعتها متغيرة بتغير الزمان والمكان الذي يعيشه الصغير, ومن ثم تكون المادة (57) من قانون الاحوال الشخصية العراقي دستورية ولا تخالف ثوابت احكام الاسلام التي نصت المادة (2/اولاً-أ) من الدستور بعدم تشريع قانون يخالف ثوابت احكام الاسلام.

ثالثا: مناقشة الحجة الثالثة : (اختصاص الام بالحضانة يحرم الاب من حق رعاية ابنائهم):

ان احتفاظ الام بسلطة الحضانة لا يعني سلب سلطة ولاية الاب التي تمنحه حق رعاية صغيره و تربيته, وانما يبقى الاب ولي الصغير. حق الام بالحضانة وولاية الاب تسيران بخط متوازي لصالح الصغير ولا يتقاطعان وتنتهي حضانة الام بسن العاشرة مالم تمدد وتستمر ولاية الاب لغاية سن الثامنة عشر سنة, فولاية الاب هي اقوى سلطة من سلطة الحضانة واطول مدة واقوى اثر فهي تتسلط على نفس الصغير وامواله بينما الام لا تملك هذه الصلاحية رغم حضانتها, فحضانة الام سلطة ضعيفة بالمقارنة مع سلطة ولاية الاب فلماذا هذا الصراع على بين الام والاب؟ ومن هنا لا يحرم الاب من حق تربية ولده الصغير ورعايته. ولب المشكلة لا تكمن في اختصاص الام من دون الاب في الحضانة وانما تكمن في تعسف الام في استعمال حق الحضانة , وهذه الاشكالية القانونية ستكون محل البحث في مقال لاحق.

*******

البدائع,مرجع سابق,ج4,ص44. الدر المختار,مرجع سابق,ج2,ص881. المهذب,مرجع سابق,ج2,ص171. مغني المحتاج,مرجع سابق,ج3,ص456. المغني,مرجع سابق,ج7,ص614 وص617. غاية المنتهى,مرجع سابق,ج3,ص251. البكري الدمياطي,اعانة الطالبين,

الروضة البهية,ج5,مرجع سابق,ص458. جواهر الكلام,ج31,مرجع سابق,ص290.

الطوسي,الخلاف,مؤسسة النشر الاسلامية,قم,1417 هـ,ج5, ص131-132. يوسف البحراني,الحدائق الناضرة,مؤسسة النشر الاسلامية,قم,ج25,ص89-90.

الشيخ الصدوق,المقنع,ص360

منهاج الصالحين,مسألة 401.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

وراء القصد.. ولا تيفو.. عن حمودي الحارثي

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

العمودالثامن: فاصل ونواصل

العمودالثامن: ذهب نور وجاء زيد

شراكة الاقتصاد الكلي والوحدة الوطنية

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

 علي حسين الحزن والكآبة والتعوّد على طقوسهما، موضوع كتاب صدر قبل سنوات بعنوان "ضدّ السعادة"، حشد فيه مؤلفه إيريك جي. ويلسون جميع الشواهد التي ينبغي أن تردعنا عن الإحساس بأي معنى للتفاؤل، فالمؤلف...
علي حسين

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

محمد الربيعي (الحلقة 3)التجربة الكوريةتجربة كوريا الجنوبية في التعليم تعتبر واحدة من أنجح التجارب العالمية فقد استطاعت أن تحقق قفزة نوعية في مسارها التنموي، فحوّلت نفسها من دولة فقيرة إلى قوة اقتصادية عظمى في...
د. محمد الربيعي

مركزية الوهم العربي: بين الشعور بالتفوق ونظريات المؤامرة

قحطان الفرج الله مفهوم "المركزية" الذي يقوم على نزعة الشعور الجارف بتفوق الأنا (سواء كانت غربية أو إسلامية) وصفاء هويتها ونقاء أصلها. بحسب الدكتور عبد الله ابراهيم الناقد والمفكر العراقي، الذي قدم تحليلًا معمقًا...
قحطان الفرج الله

تفاسير فظيعة في تفخيذ الرضيعة

حسين سميسم وجد الفقهاء أن موقفهم ضعيف في تشريع سن الزواج، نظرا لضعف الروايات التي اعتمدوا عليها، اضافة الى خلو القرآن من نص صريح يوضح ذلك، فذهبوا إلى التفسير بحثا عن ضالتهم، ووجدوا في...
حسين سميسم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram