علاء المفرجي
في نهاية التسعينيات، وبناء على مقال كتبه الصديق الناقد صفاء صنكور في إحدى الصحف حينها، عن مقترح في أن يكون العراق ساحة للإنتاج السينمائي العالمي، أسوة في بعض البلدان العربية مثل المغرب وتونس ومصر، والأردن،
وأحيانا لبنان، تشكلت لجنة من عدد المعنيين السينمائيين ومن لهم علاقة بهذا الشأن برئاسة وزير الثقافة آن ذاك، وكان كاتب المقال أحد أعضاء هذه اللجنة، والتي ناقشت الأمر بكل جدية وحماس. درجة اعتمد اقتراح فيها بتوفير كل وسائل الإنتاج التي يحتاجها صناع الأفلام، لكن الامر انتهى لحد هذا الاجتماع، حيث لم يُفعل حينها.
ولئن أقول ذلك، لأن ما سأطرحه في عمودي هذا سبق وأن تناوله السينمائيون العراقيون، منذ أكثر من ربع قرن. وأعيد التذكير به بعد أن مرت مياه كثيرة من تحت جسر الحياة منذ تلك الفترة.
فالمشروع الذي أضعه أمام وزارة الثقافة والسياحة أولا، ومؤسسات ذات علاقة منها وزارات، وهيئة الاستثمار، لتضع في حسبانها هذا المشروع الاستثماري المربح. ابتداء من تشكيل لجنة من المعنيين ترسم خريطة لهذا المشروع تعتمد العلمية والواقعية، وانشاء دائرة مستقلة ترتبط بشكل مباشر بوزارة الثقافة تحديدا، وبعيدا عن الدوائر الفنية التي أدمنت الروتين في عملها.
فالعراق ساحة انتاج مثلى إذا ما قورنت بالبلدان التي ذكرتها، إن لم تتفوق عليها، فتضاريس العراق الطبيعية، متوافرة من صحاري وجبال، وسهول طبيعية، فضلا عن –وهذا هو الأهم- وجود أماكن وشواخص أثرية وتراثية في كل بقعة منه.. وضفاف الأنهر والتنوع العرقي والتراث الشعبي الخصب، وغير ذلك.
فإزاء التطور الكبير في السينما المغربية مثلا على مستوى الإنتاج، تعمل هذه الدولة قطاع آخر لرفع مردود الفن السابع من الجانب الاقتصادي والمهني بالأساس، والأمر يتعلق بجذب كبرى شركات الإنتاج والاستوديوهات العالمية لصنع مشاريعها الفيلمية في المغرب.. ويكفي الاطلاع على الوارد الاقتصادي الذي حققه هذا المشروع خلال عام 2022، ليشير الى أهميته، وهو حصيلة استثمارات 22 إنتاجا سينمائيا وتلفزيونيا أجنبيا في المغرب، وتوزعت هذه الأعمال بين أميركية (تسعة) وفرنسية (أربعة) وإنجليزية (ثلاثة) وألمانية (اثنان) وإنتاج واحد كندي وبلجيكي وهندي، بالإضافة إلى إنتاج إيطالي أميركي مشترك.
ونشير الى السمعة الإعلامية والشهر التي نالت الأماكن التي تحققت في أفلام عامية كبيرة، ابتداء من سنوات الأربعينيات وحتى اللحظة، فيلم "عطيل" لأورسن ويلز و"الرجل الذي عرف أكثر من اللازم" لألفريد هيتشكوك و"لورانس العرب" لديفد لين و"الإغراء الأخير للمسيح" لمارتن سكورسيزي و"شاي في الصحراء" لبرناردو برتولوتشي و"غلادياتور" لريدلي سكوت وغيرها.
ولعل ما ذكرته في بلد واحد مثل المغرب وهو أحد عناصر الجدوى الاقتصادية من هذا المشروعفي حال اعتماده في العراق، غير أنه واجهة لخلق فرص الشغل المباشر للتقنيين والكومبارس ومتعهدي الخدمات اللوجستية، وكذلك ترويج الصورة السياحية والدعاية الإعلامية المتنامية للبلاد لجذب السياح.
وبسبب أن مثل هذا المشروع الذي لم يعد مرتبطا ببلد معين بل أصبح مشروعا عابرا للقارات، فيجب أن تكون هناك أمتيازات تفضيلية يعمل العراق في حال اعتمد المشروع على توفيرها، ليدخل المنافسة المحتدمة مع دول أخرى بشكل جيد، بما يقدمه من إمكانيات مالية وخدمات استثنائية، وتقديم تسهيلات تحفيزية للمنتجين العالميين، وأيضا
وسجلت الوثيقة أن الامتيازات التفضيلية التي يوفرها المغرب لم تعد كافية في ظل احتدام المنافسة بين الدول، بحيث لم تعد الصناعة السينمائية مرتبطة ببلد بعينه بل أصبحت عابرة للقارات، بحسب ما توفره كل دولة من إمكانيات مالية وفنية وخدمات ذات جودة. وتوفير جيل جديد من التحفيزات تجاه المنتجين العالميين، وتقديم تفاصيل إعلامية ودعائية على شكل مطبوعات أو مواقع رقمية، تعتمد الدقة والواقعية من جمال الأماكن، أو تفاصيل الخدمات، لعرضها على الجهات المنتجة.
المشروع فضلا عن جدواه الاقتصادية وما يجلبه للبلد من سمعة طيبة، سيسهم بلاشك في رفع وتيرة التطور السينمائي في العراق.