TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > في تعريف الجندر

في تعريف الجندر

نشر في: 31 يوليو, 2023: 10:38 م

هادي عزيزعلي

يعد هذا المصطلح من المفاهيم الحديثة نسبياً, فقد إستعمل من قبل الكاتبة الإنجليزية (آن أوكلي) في بداية السبعينات من القرن الماضي بكتابها الموسوم (الجنس والجندر والمجتمع) الصادر سنة 1972فضلا عن كتاب اخرين كتبوا عن الموضوع نفسه وفي الوقت ذاته ظهر للمرة الأولى في المواثيق الدولية وذلك في مؤتمر القاهرة للسكان المنعقد في العام 1994,

وقد اصبح في العقود الاخيرة جزءاً لا يتجزأ من خطاب التنمية الذي تقوده الأمم المتحدة، ولو انه ما زال في طور التشكل في بلدان التي كانت تسمى سابقا (العالم الثالث) الذي يستدعي المزيد من الدراسة والبحث بخاصة وأنه يواجه التراكم الكبير لثقافة البلدان تلك التي تحول دون اخذه الموقع الذي يستحقه.

ولما كان مفهوم الجندر حديثا نسبياً فقد وجد أكثر من تعريف له الأمر الذي دعى البعض الى تشكيل لجنة لتحديد مفهومه, ولم تتوصل اللجنة الى إتفاق حول ذلك التحديد, ولكن بعض الدراسات اوردت تعاريف عدة منهاالتعريف الذي ينص على أنه: (وصف خصائص الرجال والنساء المحددة إجتماعياً في مقابل تلك الخصائص المحددة بيولوجياً), هذا التعريف وضع التمييز بين الجنس والجندر أساساً للتأكيد على أن الأعمال التي يقوم بها الرجال والنساء وما يتوقع أن يقوموا به من أعمال –بإستثناء الوظائف المتمايزة جنسياً كالحمل والإرضاع والإخصاب- يمكن أن تتغير. بل إنها تتغير فعلاً بمرور الزمن من الوجهة الإجتماعية والثقافية، وهذا ما دفع منظمة الصحة العالمية لتعريفه بأنه: - (الخصائص التي يحملها الرجل والمرأة كصفات مركبة إجتماعية لا علاقة لها بالإختلاف العضوي بين المرأة والرجل)، فضلا عن تعريف ايضا من قبل المعنيين بعلم الاجتماع: (بأنه مفهوم ثقافي يتعلق بالأدوار والمسؤوليات المناطة بالنساء والرجال والمبنية على اعتبارات إجتماعية), لذا فإنه يتركز على معرفة وتحليل العلاقات المتداخلة بين الرجل والمرأة المؤسسة على إعتبارات إجتماعية, والهدف المنشود من ذلك تطوير العلاقة بين الرجل والمرأة من أجل الوصول الى تحقيق العدالة والمساواة بينهما وعلى وفق وجهة النظرهذه تعد المادة 14 من الدستور المتضمنة المساواة امام القانون ومن دون تمييز بسبب الجنس نصا جندريا.

تشير الدراسات والأبحاث الى وجود مفهوم مرادف للجندر فيقال أن الجندر هو النوع الإجتماعي ولتسهيل فهم ذلك يقولون: - (أن البشر يولدون ذكوراً وإناثاً, ولكن التعلم والثقافة السائدة تجعل كل واحد منهم يسلك سلوكا معينا فالصبية والبنات يصبحوا بعد حين رجالاً ونساء تحدد أدوارهم ومواقفهم ونشاطاتهم في ضوء تلك التعبئة الثقافية السائدة في هذاالمجتمع او ذاك, هذا السلوك المكتسب هو الذي يشكل الهوية الجندرية ويحدد الأدوار الجندرية لذا فإن هوية النوع الإجتماعي: هي الطريقة التي ينظر إليها النساء والرجال لأنفسهم ولبعضهم البعض حيث يمكن تحديد الأدوار والأنشطة والمسؤوليات المرتبطة بالرجل والمرأة ضمن مجتمع معين وفي زمن معين.

يذهب البعض الى القول بان مصطلح الجندر جاء تحديدا لتناول موضوع الجنس باعتباره تشكيلا بايولوجيا حسب ولا علاقة له بالادوارالاجتماعية في العائلة اوالمجتمع ويرد البعض على هذا التحديد بالقول ان ثمة اختلاف بيّن ومرسوم بدقة بين مفهومي الجنس والجندر دفعاً للخلط واللبس بينهما يوردون ما يأتي:

اولا - في الوقت الذي يرون فيه ان الجنس لا يخرج عن مفهوم البيولوجيا والفسلجة وذللك بالاعتماد على عوامل جسمانية لكل من الرجل والمراة، نجد أن الجندر لديهم لا يخضع لاعتبارات بيولوجية بل يخضع لإعتبارات إجتماعية مكتسبة وليست طبيعية.

ثانيا - هو أن الجنس طبيعة تظهر عند الولادة أما الجندر فيظهربعد حين ومن خلال الصفات والأدوار والأنشطة والمسؤوليات الإجتماعية.

ثالثا - إن الجنس ثابت غير قابل للتغير بوجه عام أي إن المرأة خلقت بهذه الهيئة التي هي عليها من عوامل جسمانية وكذلك الرجل خلق بتلك الهيئة البيولوجية المعتمد على عدة عوامل جسمانية أيضاً في حين أن الجندر متغير بتغير الظروف والأزمان والمكان. من المزايا المحسوبة للدراسات الجندرية هي كشفها التمايز الجندري بين المرأة والرجل في الانشطة الاجتماعية وعلى صعد مختلفة.

فعلى صعيد العمل فإن للنساء والرجال أدواراً يمارسونها في مجال الإنتاج والحياة العامة بدءاً بمستوى الإنتاج المحلي وإنتهاء بالمستوى الحكومي من خلال الدخول في المجال العام او الخاص، لكن للمراة وظيفة اجتماعية اخرى هي تلك الوظيفة المتعلقة بالإنجاب والعمل الأسري لذا فهي تقوم بعمل إنجابي – إنتاجي - إجتماعي في حين لا يقوم الرجل الا بالعملين الإنتاجي والإجتماعي, وعلى الرغم من العمل المضاف للمرأة إلا إنها توضع في مرتبة دونية بالنسبة للرجل ولا تتمتع بالمساواة مع الرجل امام القانون وتؤكد الدراسات الجندرية ذلك ويضربون الامثال التي تكرر في معظم تلك الدراسات وهي: (تؤدي النساء ثلثي حجم العمل العالمي. في حين يكسبن عشر الدخل العالمي، و يشكلن ثلثي عدد الأميين في العالم، يملكن أقل من 10% من الممتلكات)؛ ومعلوم ان هذه الدراسات لاتندرج تحت مفهوم الجنس بل انها وردت باعتبارها دراسات جندرية.

ثمة مسألة جديرة بالاعتبار تلك المتعلقة بثقافة المجتمع اوثقافة الهويات الجزئية فيه والمؤسسة من قبل الفقهاء المسلمين تحت عنوان الاحكام المتعلقة بالزواج والطلاق والنفقة والقوامة وبيت الطاعة وشهادة المراة وضرب الزوجة وتعدد الزوجات والحجاب والنشوز والخلع وغير ذلك الذي شكل ثقافة (فقه المراة) هي ادوار ومسؤوليات رسمها الفقه واناطها بالنساء والرجال، وفي مواجهة هذا التاسيس الفقهي تشكل فقه اسلامي مناوىء له من رموزه على سبيل المثال الشيخ الطاهر حداد جامع الزيتونة في تونس ومحمد عبدة (شيخ الازهر) حينذاك في مصر والفقيد الشيخ محمد محمود طه من كبار رجال الدين من السودان وسواهم في البلدان الاخرى اذ يندرج المنجز الفقهي لكلا الطرفين تحت المفهوم الثقافي المتعلق بالادوار والمسؤوليات المناطة بالرجال والنساء وهذه الاناطة بالمسؤوليات الفقهية لكلا الطرفين تنسجم مع التعريفات التي وضعت لمصطلح الجندر وهذا يعني ان الجهد الفقهي هذا يتماهى مع العمل الجندري في ضوء ما ذكر اعلاه.

إن الفلسفة التي تقوم عليها الدراسات الجندرية هي السعي الى المساواة بين المرأة والرجل إجتماعياً سواء كان على الصعيد العالمي الذي يهدف الى توفر السكن والأمن والخدمات لسياسية وتوفير الغذاء والعناية الصحية ورفع الدخل والإرتفاع بمستوى التعليم والحد من العنف المنزلي أو على الصعيد الستراتيجي المتمثل بتشريع القوانين التي تدعم حقوق المرأة ومشاركتها في صنع القرار وحصولها على الملكية والتحكم بها وإنقاذها من العمل التقليدي. لذا فإن علاقات النوع الإجتماعي السائدة بين الرجال والنساء والتي بسببها تحتل المرأة مرتبة دونية في المجتمع إزاء ما يتمتع به الرجل من إمتيازات ذكورية, يمكن لها أن تكون علاقات تعاون وتواصل ودعم مشترك وتوزيع للسلطة بين الرجال والنساء.

ان للامم المتحدة معجمها الخاص بالمصطلحات الجندرية منها على سبيل المثال: (مناهضة العنف المبني على النوع الاجتماعي)، (اجندة التنمية المستدامة لعام 2030)، (امكانية اللجوء الى العدالة)، (المساواة بين الرجل والمرأة)، (السكن اللائق)، (اعلان منهاج عمل بكين)، (تنمية القدرات)، (توفير الرعاية)، (اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المراة)، (زواج القاصرين)، (خدمات رعاية الاطفال)، (تسوية النزاع) (الحد من فرق الاجور بين الجنسين)، (مناهضة الاتجار بالبشر)، (مناهضة الارهاب)، (الرعاية النهارية اليومية للاطفال في سن الحضانة)، (رعاية المسنين)، (برنامج ضمان العمالة / برنامج الاشغال العامة)، (تمكين المراة هو تمكين الانسانية فكرا)، (تأنيث الفقر) و (العنف القائم على نوع الجنس) وتطول قائمة المصطلحات الجندرية المعتمدة من قبل الامم المتحدة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 3

  1. زهير كاظم عبود

    تبسيط جميل لمفهوم الجندر والنوع الاجتماعي مقابل خلط وعدم فهم لهذه المفاهيم شكرا للمتالق دوما هادي عزيز وشكرا للمدى

  2. أ. د. عامر القيسي

    افضل موضوع اطلعت عليه فيما يخص الجندر ولكن هناك ملاحظة حول ماتقوم به المرأة من عمل انجابي، انتاجي، اجتماعي، مقابل عمل الرجل المتمثل بالانتاجي، والاجتماعي، الا ان الوظيفة الانجابية هي مشتركة بينهما ولا تتم الا بوجودها تحياتي للأستاذ القاضي هادي عزيز

  3. د. انتصار عبدالسلام كرمان

    كل الشكر والتقدير ، من افضل غن لم يكن الافضل على الإطلاق المواقع التي شرحت مفهوم الجدند وأزالت اللَّبس الحاصل بينه وبين مصطلح الجنس

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: حدثنا نور زهير!!

وراء القصد.. ولا تيفو.. عن حمودي الحارثي

فشل المشروع الطائفي في العراق

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

العمودالثامن: فاصل ونواصل

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

 علي حسين إذا افترضا أن لا شيء في السياسة يحدث بالمصادفة، فإنه يفترض أن نوجه تحية كبيرة للذين يقفون وراء كوميديا نور زهير الساخرة ، فبعد أن خرج علينا صاحب سرقة القرن بكامل...
علي حسين

باليت المدى: الرجل الذي جعلني سعيداً

 ستار كاووش كل إبداع يحتاج الى شيء من الجنون، وحين يمتزج هذا الجنون ببعض الخيال فستكون النتيجة مذهلة. كما فعل الفنان جاي برونيه الذي أثبتَ ان الفن الجميل ينبع من روح الانسان، والابداع...
ستار كاووش

كلاكيت: ألان ديلون منحه الطليان شهرته وأهملته هوليوود

 علاء المفرجي في منتصف السبعينيات شاهدت فيلمه (رجلان في مأزق) وهو الاسم التجاري له، في سينما النجوم في بغداد، وكان من إخراج خوسيه جيوفاني، ولا يمكن لي أن انسى المشهد الذي يوقظه فيه فجرا...
علاء المفرجي

شراكة الاقتصاد الكلي والوحدة الوطنية

ثامر الهيمص وقد اراد الله ذلك فاستهل النبي ابراهيم عبادته وهو(الدعاء) الذي يعد (مخ العبادة) فدعا الله بقوله: (رب اجعل هذا البلد امنا) فكانت الاولوية للاوطان وليس للاديان دون تعارض. (رحيم ابو رغيف /...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram