TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > السلطة واستثمار التاريخ في إدامة الهيمنة

السلطة واستثمار التاريخ في إدامة الهيمنة

نشر في: 1 أغسطس, 2023: 11:31 م

حيدر نزار السيد سلمان

غالبا ما تلجأ الدعاية السلطوية الى استخدام التاريخ وأحداثه التي تشكّل عقائد الناس وثقافتهم كوسيلة في فرض الهيمنة والتغطية على الفشل وحماية الامتيازات، بادعاء أنّ السلطة تمثّل التاريخ، وهي امتدادٌ له.

وتأخذ هذه الدعاية الناس للعيش بغيبوبة تستثمرها السلطة للحفاظ على وجودها ومنع تشكيل جبهة معارضة وطنية تعيش بالحاضر أو تشكيل مجتمع سياسي بإطار وطني، عبر أحزاب وتجمعات تمتد بايديولوجيتها على كلّ الجغرافية الوطنية، جامعة موحدة وهذا مايثير قلق السلطة ويغرقها بالتحديات والمخاطر التي تهددها؛ ولذا تجد في الاستعارات التاريخية العاطفية، وما يفضي الى استعادة عوامل الفرقة والتشرذم وسيلة ناجعة لمواجهة التحديات المستجدة، وهنا يرجع القائمون على دعايتها وترويجها الايديولوجي والثقافي إلى خزّان التاريخ، لكي ينهلوا منه ما يضمن لأوضاعهم الاستقرار والثبات، عبر استثمار التاريخ وشخصياته، فلا غرابة أن تسود متضادات خطابية كيزيد العصر مقابل مختار العصر على سبيل المثال أو (القوم أبناء القوم) في حملة خلق الكراهية والنفور وأخذ الحاضر بعيدًا من خلال التوغل بالتاريخ لإسقاطه على حادثة تاريخية ضمن محاولة الرفض أو القبول، وهذا الأسلوب هو الأخطر؛ لأنه يعتمد أحداث التاريخ كمعيار لقياس الأحوال والقضايا العامة والخاصة رغم عصريتها وحداثتها.

في ثقافة السلطة يكون التاريخ هو الحاكم، وكل ما صدر عن رموزه مقدسٌ، غير قابل للنقاش، ولابد من أخذه دون مساءلة، رغم التطورات في جميع مجالات الحياة العلمية والفكرية والحياتية، وهي -أعني السلطة- ودعاتها مسؤولة عن التحقق من انسجام الجديد مع القديم، أو اختلافه، وعلى هذا الأساس تقوم عملية ربط مختلقة بين السلطة كراعية وحامية ومنفذة لإرادة التاريخ وبين إلزامية القبول بها بحكم منطق التلفيق التاريخي، ويعني الخروج عن سياقها خروجًا عن قدسية التاريخ أو التمرد على رموزه وايديولوجيته الحاكمة.

- تبذل الدعاية السلطوية جهوداً حثيثة بالتركيز على الانقسامات التاريخية واظهار اختلافاته كحالة مقبولة مرغوبة لايمكن الخروج عنها، إذ يمكن أن يفضي الخروج الى زعزعة العقيدة وانهيار سلطة من يمثلوها، كونهم حراس العقيدة وحاميها، ورغم أن النفور الواضح من هذا الخطاب الهادف للهيمنة وفرض الطاعة غير أنّ مستخدميه يلحون باستثماره إذ أمسى فاعلاً ببقائهم بمراكز الحكم والنفوذ وهم بجهازهم الدعائي الثقافي يجعلون من التاريخ بأحداثه وشخوصه هوالحاضر والمستقبل، لايمكن الخروج عن خط سيره المثقل بالمشكلات، فرغم بعد المشكلات زمنياً الا انها مشكلات آنية، كون ورثتها مازالوا على حالهم فهم(أحفاد وأبناء) و(القوم نفس القوم) والدولة الحالية حسب الترويج الثقافي إما أموية او عباسية، بحسب نوع المعارضة وطبيعة الدولة وتبدو عملية ترسيخ الثقافة الخلافية وكأنها سياسة عامة تتعارض مع منطق الدولة وسلطتها بتفتيت الخلافات والعمل على الصهر الاجتماعي وبناء مجتمع بهوية وطنية جامعة، بل بلغ الحال بفوضى الاستغراق بالتاريخ المطالب المتكررة بنقل أزماته إلى مناهج التربية والتعليم.

- فتحت وسائل الاتصال الحديثة والإعلام والسياحة الخارجية ومنظمات المجتمع المدني وحريات انتقال الثقافات والكتب الأبواب أمام أجيال واعدة لاستنشاق ثقافات جديدة والتحرر من إسار الماضي وخلافاته والتطلع إلى المستقبل بروح حالمة بالعيش بوطن موحد وثقافة تشاركية، الأمر الذي أحدث تخلخلاً في أنماط التفكير وبروز نفور من كل محاولات نقل الحاضر إلى الماضي وإجراء المطابقات مع أحداثه، وعلى الرغم من الاتهامات الموجهة لأمثال هؤلاء فإن كتلتهم الوطنية تتماسك وتزداد توسعًا، ويمكن لنا في هذا الصدد متابعة التشكيلات الاجتماعية الجديدة والخطاب الجديد المستند إلى روح وطنية، كما يمكن الاطلاع على نقاشات وسائل التواصل الاجتماعي وماتظهره من محاولات لرفض الخضوع والقبول بمبدأ الطاعة لخطابات قديمة لم تعد تتلاءم مع منطق العصر ولا مع خطاب الدولة الحديثة القائم على المواطنة والعدالة والرفاهية والصهر الاجتماعي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: حدثنا نور زهير!!

وراء القصد.. ولا تيفو.. عن حمودي الحارثي

فشل المشروع الطائفي في العراق

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

العمودالثامن: فاصل ونواصل

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

 علي حسين إذا افترضا أن لا شيء في السياسة يحدث بالمصادفة، فإنه يفترض أن نوجه تحية كبيرة للذين يقفون وراء كوميديا نور زهير الساخرة ، فبعد أن خرج علينا صاحب سرقة القرن بكامل...
علي حسين

باليت المدى: الرجل الذي جعلني سعيداً

 ستار كاووش كل إبداع يحتاج الى شيء من الجنون، وحين يمتزج هذا الجنون ببعض الخيال فستكون النتيجة مذهلة. كما فعل الفنان جاي برونيه الذي أثبتَ ان الفن الجميل ينبع من روح الانسان، والابداع...
ستار كاووش

كلاكيت: ألان ديلون منحه الطليان شهرته وأهملته هوليوود

 علاء المفرجي في منتصف السبعينيات شاهدت فيلمه (رجلان في مأزق) وهو الاسم التجاري له، في سينما النجوم في بغداد، وكان من إخراج خوسيه جيوفاني، ولا يمكن لي أن انسى المشهد الذي يوقظه فيه فجرا...
علاء المفرجي

شراكة الاقتصاد الكلي والوحدة الوطنية

ثامر الهيمص وقد اراد الله ذلك فاستهل النبي ابراهيم عبادته وهو(الدعاء) الذي يعد (مخ العبادة) فدعا الله بقوله: (رب اجعل هذا البلد امنا) فكانت الاولوية للاوطان وليس للاديان دون تعارض. (رحيم ابو رغيف /...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram