TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > في الذكرى الثامنة والسبعين لكارثة أول استخدام للسلاح النووي

في الذكرى الثامنة والسبعين لكارثة أول استخدام للسلاح النووي

نشر في: 2 أغسطس, 2023: 11:43 م

د. كاظم المقدادي

في السادس من آب الجاري تحل الذكرى الثامنة والسبعين لكارثة هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين، التي يستذكرها الشعب الياباني ومعه كل محبي السلام في العالم في كل عام بوصفها أفضع جريمة حرب دولية إقترفتها الإدارة الأمريكية، بإلقائها أول قنبلة ذرية على مدينة هيروشيما، يوم 6 / 8/ 1945، تلتها بعد 3 أيام بقنبلة ثانية على مدينة ناغازاكي،

وفي ساعة كان مئات الآلاف من السكان متواجدين في المؤسسات والمصانع والمدارس والجامعات والمستشفيات والمتاجر، وغيرها، مسببة أبشع المجازر البشرية، التي لم يشهد لها التأريخ المعاصر مثيلآ

الذاكرة الحية لن تنسى أبداً ما حصل قبل 78 عاماً. فقد دمرت القنبلتان المدينتين عن بكرة أبيهما خلال دقائق قليلة، وحولتهما إلى أكوام من اللهب والرماد، بمحيط انفجار بلغ 14 كيلومترا مربعا. وأحدثتا أبشع الكوارث الإنسانية وأفضع الأضرار الصحية والنفسية والبيئية والإجتماعية في القرن العشرين، حيث أهلكتا أكثر من 226 ألف يابانياً، وشكل المصابون ثلاثة أضعاف عدد القتلى، ومات منهم فيما بعد أكثر من 25 في المائة، متأثرين بالجروح والحروق والتسمم الإشعاعي وإنتشار الأمراض والوفيات السرطانية،خاصة سرطان الدم، والأورام الخبيثة. وكان معظم الضحايا من المدنيين الأبرياء. وروى الناجون قصص محن وفواجع واَلام تقشعر لها الأبدان.وقد تركت ندوبا عميقة لا تبرأ في نفوس الناجين، الذين ما فتئوا يعانون منها هم وأطفالهم وأحفادهم.

دولياً، ومن منطلق إنساني بحق،،كان يفترض بعد الكارثة الرهيبة التي تعرض لها اليابانيون، وما سببته القنبلتان من إبادة جماعية وحشية ودمار وحراب ومعاناة إنسانية لا مثيل لها، ان يتوقف فوراً تصنيع وإنتاج ونشر الأسلحة النووية..

بيد ان ما حصل هو العكس تماماً، حيث إستمر إنتاجها،وإزداد عدد مالكيها (9 دول). ونشرت أمريكا أسلحتها النووية في 5 دول أوربية أخرى من أعضاء حلف الناتتو، وإبتزت 23 دولة أخرى وخضعت لقبول تواجدها في أراضيها، بذريعة " تعزيز أمنها القومي". وهناك دول تمتلك مفاعلات نووية للأغراض السلمية قابلة للتطوير لتصبح قنابل ذرية فتاكة.

وبشهد العالم عودة سباق التسلح، ومنه أيضاً السلاح النووي، مع إمكانية انهيار اتفاقات دولية للحد من سباقات التسلح. وإرتفع الأنفاق العسكري العالمي من 2.113 ترليون دولار في عام 2021 إلى 2.240 تريليون دولار في عام 2022، بنسبة 6.5 في المائة (من دون التعديل حسب مستوى التضخم)- وفقاً لأحدث تقرير لمعهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)..

ولا تزال أمريكا تتصدر الإنفاق العسكري، بنسبة 39 في المائة من الإنفاق العالمي، منفقة 877 مليار دولار)، تليها الصين (13%)، ثم روسيا (3.9%)، قافزة من المركز الخامس إلى الثالث بسبب الحرب على أوكرنيا، منفقة 86.4 مليار دولار.وأنفقت دول أوربا بالإجمال 480 مليار دولار، بزيادة 13 في المائة، وهي الأكبر منذ أكثر من 30 عاماً.

وتواصل الدول النووية عملياً تحديث ترسانتها، بدلآ من نزعها، خلافاً لرغبة المجتمع الدولي.وكشف SIPRI عن تورط واشنطن وموسكو في برامج تحديث ضخمة ومكلفة تستهدف الأنظمة الناقلة والرؤوس النووية وإنتاجها. وهو ما شجع بقية الدول التي تمتلك أسلحة نووية على توسيع ترساناتها.

وفعلآ حصل تطور رهيب في السلاح النووي، حيث أصبح أكثر تطوراً وتنوعاً (قنابل وصواريخ وقذائف) وأشد تدميراً وفتكاً بما تحتوية من مواد متفجرة وشديدة الإشعاع، وأسهل حملآ وإطلاقاً. ولعل التغيير الأكبر للردع النووي هو ظهور أنواع جديدة من الأسلحة الأسرع من الصوت، والتي تُعدُ بعكس الصواريخ الباليستية القديمة العابرة للقارات، صواريخ مُوجَّهة، ما يتيح استهداف مساحة أعمق بكثير باستخدام صاروخ واحد، ويجعل الدفاع في مواجهة مثل هذه الصواريخ أمراً بالغ الصعوبة- بحسب "Defense One" في 15/4/2022.ويتصاعد السعى المحموم للحصول عليها من قبل الصين وروسيا الى جانب أمريكا.

وتعزيزاً لنهجها المهدد للسلام العالمي رفضت الدول النووية "معاهدة حظر الأسلحة النووية"، التي تبنتها الأمم المتحدة في تموز 2017 ودخلت حيز التنفيذ في كانون الثاني 2021، ضاربة عرض الحائط برغبة شعوب العالم.

وتواصلت التوترات والإستفزازات العدائية، التي أعقبت حل حلف وارشو لنفسه، وعدم إيفاء حلف الناتو بحل نفسه، وواصل، بكل صلافة وإستهتار، توسعه نحو الحدود الروسية، وإقامته للقواعد العسكرية المهددة لأمنها. وكجزء من الخطة الاستراتيجية الأمريكية لتطويق روسيا بأنظمة الدفاع الصاروخي نشر صواريخ "باتريوت" في بولونيا ورومانيا، والضغط على الدول الأخرى المجاورة لروسيا للإنضمام له حتى بلغ عدد أعضاءه 32 دولة.

رداً على ذلك، أعلنت روسيا ان سلاحها النووي لا يوجد خارج حدودها، لكنها ستكون مضطرة ان توجه صواريخها النووية نحو أتباع أمريكا والمنفذين لخططها العدوانية من القريبين من أراضيها.

وتصاعدت التهديدات أكثر عقب الحرب على أوكرنيا والتدخلات الخارجية المستفيدة من إطالة أمد الحرب وإفشال المفاوضات والحلول السلمية.وإستغل حلف الناتو أستراتيجية القيادة الأوكرانية الغبية التي حولت البلد الى " حقل تجارب"، ومسرح لـ " إبراز العضلات" لأحدث وأخطر الأسلحة، بما فيها أسلحة الدمار المحرمة دولياً، كالقنابل العنقودية وذخائر اليورانيوم، دون التفكير بأضرارها على الشعب الأوكراني.

وواصل صقور الحرب تهديد السلم والأمن الدوليين، مصعدين من حدة التوتر ونذر المواجهات المباشرة على وقعها، من أوكرانيا وشرق أوربا وشمالها،الى تايوان وجنوب شرق اَسيا،والتي تهدد بنشوب حرب عالمية ثالثة تستخدم فيها شتى أنواع الأسلحة الفتاكة، بما فيها الأسلحة النووية، حيث بلغ التصعيد حد وضع قوات الردع النووي في حالة تأهب قصوى، بوجود أكثر من 13 ألف رأساً نووياً فتاكاً حول العالم جاهزة للإستخدام. في أي لحظة، مهددة البشرية وكافة الأحياء على كوكب الأرض بالفناء التام.

الى هذا، أعلن الرئيس الروسي بوتين، قبل أيام قلائل: " لا نريد حدوث مواجهة بين روسيا وحلف الناتو، ولكن إذا أراد أحد ذلك، فنحن مستعدون".

وهذا التحذير جدي وخطير، وقد أكده رؤساء ثلاث وكالات استخباراتية أميركية بإخطارهم المشرعين بالكونجرس بـ "إرتفاع المخاطر المرتبطة بالأسلحة النووية من جديد، بالتزامن مع الغزو الروسي. ولم يكن من المفترض أن تسير الأمور على هذا النحو".وكان قائد الجيش البريطاني، الجنرال نيكولاس كارتر، قد نبه في تشرين الثاني 2021، من" أن خطر اندلاع حرب بالصدفة حالياً بين روسيا والغرب هي أكبر من أي وقت مضى".وحذر السياسيين من إثارة التوترات غير الضرورية التي تؤدي الى تصعيد يفضي إلى تقديرات خاطئة ".

وكل هذا يجري والقوى الكبرى تعلم جيداً بان أحداً لن يكون رابحاً من إستخدام السلاح النووي، وإنما سيضع مصير البشرية على كف عفريت.وتعلمُ أيضاً ان الأسلحة النووية تُعدُ اليوم من أخطر أنواع أسلحة الدمار الشامل قاطبة، إذ بإمكان صاروخ واحد أو قنبلة نووية واحدة ان تدمر مدينة كبيرة بأكملها وتحولها الى أنقاض، وتفني مئات الآلاف من البشر وبقية الكائنات الحية، وتدمر البيئة وتجعلها غير قابلة للعيش.

أزاء ذلك، أطلقت جماعة الناجين من القنبلة الذرية (الهيباكوشا) صرخة مدوية جديدة ضد السلاح النووي، بوجه قادة (مجموعة السبع) أثناء إجتماعها في مدينة هيروشينا، في اَيار 2023، لأوصلها لهم رئيس الوزراء الياباني كيشيدا فوميئو، داعية للتخلص الفوري من الأسلحة النووية، والإقرار بأنها أكبر عدو للبشرية. وفي المؤتمر الصحفي الذي عقدته الجماعة، قال رئيسها توشيوكي ميماكي: "يتوقف جعل الإنسانية تعيسة أو سعيدة على موقف السياسيين في جميع أنحاء العالم". وقال عضو "لجنة التخلص من الأسلحة النووية" أكيرا كاواساكي: "نريد من القادة أن يعلنوا أن استخدام الأسلحة النووية، أو التهديد النووي، يجب عدم التسامح معه تحت أي ظرف من الظروف، وتأكيد التزامهم بتحقيق القضاء على السلاح النووي".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: حدثنا نور زهير!!

وراء القصد.. ولا تيفو.. عن حمودي الحارثي

فشل المشروع الطائفي في العراق

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

العمودالثامن: فاصل ونواصل

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

 علي حسين إذا افترضا أن لا شيء في السياسة يحدث بالمصادفة، فإنه يفترض أن نوجه تحية كبيرة للذين يقفون وراء كوميديا نور زهير الساخرة ، فبعد أن خرج علينا صاحب سرقة القرن بكامل...
علي حسين

باليت المدى: الرجل الذي جعلني سعيداً

 ستار كاووش كل إبداع يحتاج الى شيء من الجنون، وحين يمتزج هذا الجنون ببعض الخيال فستكون النتيجة مذهلة. كما فعل الفنان جاي برونيه الذي أثبتَ ان الفن الجميل ينبع من روح الانسان، والابداع...
ستار كاووش

كلاكيت: ألان ديلون منحه الطليان شهرته وأهملته هوليوود

 علاء المفرجي في منتصف السبعينيات شاهدت فيلمه (رجلان في مأزق) وهو الاسم التجاري له، في سينما النجوم في بغداد، وكان من إخراج خوسيه جيوفاني، ولا يمكن لي أن انسى المشهد الذي يوقظه فيه فجرا...
علاء المفرجي

شراكة الاقتصاد الكلي والوحدة الوطنية

ثامر الهيمص وقد اراد الله ذلك فاستهل النبي ابراهيم عبادته وهو(الدعاء) الذي يعد (مخ العبادة) فدعا الله بقوله: (رب اجعل هذا البلد امنا) فكانت الاولوية للاوطان وليس للاديان دون تعارض. (رحيم ابو رغيف /...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram