جمال العتابي

في مثل هذا اليوم من عام 2014 تعرض الشعب الايزيدي الى ابشع جريمة انسانية، بعد ان اجتاحت وحوش الظلام سهل نينوى، واستباحت اهله وساكنيه، منذ أقدم العصور، في هذه الذكرى المأساوية، وجدنا من المفيد استعراض احدى الكتب التي صدرت قبل الاجتياح، الا انها تتضمن غزارة في المعلومات والاحداث التاريخية، التي تتبع وترصد بشكل علمي الجذور الاولى للعنصرية في العالم.عنوان الكتاب: (العنصرية والتعصب العرقي. . من التمييز الى الابادة الجماعية).

يتبنى الكتاب لمؤلفه(ليان لوو)، الصادر عن المركز القومي المصري للترجمة، مناقشة اعتقاد العديد من الناس ان العنصرية الحديثة ولدت مع حركة العبودية التي تلت الكشوفات الجغرافية في نهاية العصور الوسطى، اذ تم نقل قسري لملايين من الافارقة للعمل عبيداً في مستعمرات العالم الجديد، غير ان مراجعة التاريخ تثبت ان الممارسات العنصرية أعمق في عمرها من ذلك.

ويحتفظ التاريخ الحديث بأبرز صور التخلص من الشعوب (غير المرغوب فيها) ضمن حركة الاستعمار الاوربي في العالم المشار اليه سلفاً، حين بدأت في نهاية القرن 15، ومطلع القرن16 عمليات احتلال اوربي تجاهلت خلالها حقوق السكان الأصليين في الارض التي عاشوا عليها، وآقاموا عليها حضارات مشهود برقيها، وبرر الغزاة عنصريتهم تجاه هذه الشعوب بمبررات دينية تحمل شعار (انقاذ ارواح السكان الأصليين من الكفر والضلال ونشر المسيحية بينهم)، بل انه حين بدأت عمليات ابادة السكان البدائيين، كان التبرير، حينذاك جزءاً طبيعياً من التقدم نحو الحداثة الانسانية.

وفي سياق الاستيطان الاستعماري، قتل 15 - 20 مليون انسان افريقي تم نقلهم عنوة الى مستعمرات العالم الجديد، ويعزو مؤلف الكتاب اسباب الصراعات العرقية، وموجات الكراهية والعنصرية الى التنازع والسيطرة على الارض والموارد الاقتصادية، وكذلك النزاع حول فرص التعليم والعمل، والصراع حول امتلاك رأس المال، ويمكن للتدهور الاقتصادي أن يصعد بين الثقافات المختلفة، عندما يرتبط بالبطالة وتقليص الثروات، وتلعب سياسة التهجير دوراً كبيراً في هذا الصراع أيضاً.

أما الأسباب الثقافية للصراع، فغالباً ما تتمحور حول اللغة والعقيدة، على هذا النحو تزايدت أشكال العنصرية المتخفية بأقنعة حديثة، وتتمثل النتائج المشتركة في تعرض جماعات كثيرة في العالم لانتزاع انسانيتهم، ومعاملتهم كسلع في سوق النخاسة.

يستعرض الكتاب نماذج عنصرية وممارسات وانتهاكات لا انسانية في التمييز العنصري من قبل انظمة عديدة في العالم، التي تحولت فيما بعد الحملات ابادة للبشر، كما يؤكد المؤلف على ان الفعل العنصري يؤدي بالضرورة الى مزيد من الافعال الأعنف في المستقبل، ورغم سمو الافكار ومفاهيم الدفاع عن الأقليات والكيانات الإثنية التي تحدث عنها (ليان لوو)،الا انه أغفل حملات التمييز العنصري وعمليات الابادة الجماعية التي تعرضت لها بعض شعوب منطقة الشرق الأوسط،ونعني تحديداً ما تعرض له الشعب الأيزيدي من حملات ابادة عديدة في مراحل مختلفة من تاريخ العراق المعاصر، الا ان الكتاب يمثل محاولة أولية، ونقطة انطلاق مشفوعة بكم وافر من المراجع لمن يرغب في الاستزادة والبحث.