TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > أما وقد بلغت العشرين...

أما وقد بلغت العشرين...

نشر في: 6 أغسطس, 2023: 12:22 ص

لاهاي عبد الحسين

يُحكى أنّ لعمر الإنسان ربيعاً هو أنْ يبلغ العشرين. وكذلك يكون ربيع "المدى"، وهي تحتفل بالذكرى العشرين لصدورها من بغداد. ولكن عندما يُختار للمولود أنْ يكون في العراق، فله أنْ يحسب للمطبات والكبوات والمستجدات التي تنال من طاقته وتحاول الحد من مواهبه حتى يحظى برعاية أبوية حانية تنتشله وتشد أزره.

عندها يصبح الأمر مختلفاً لتشق ذات العشرين طريقها بخطوات راسخة تحكي مسيرة صحافية وطنية عراقية بعقلية مثقفة وعالِمة. صحيفة شقت طريقها لترتقي إلى مستوى مؤسسة ثقافية تستقطب وترعى وتطلق المنجزات بأقلام تحترم أسماءها. ولا تهمل "المدى" نزع الأشواك العالقة بأردانها وأذيالها لتوصل رسالتها إلى أوسع الأوساط وبأكبر قدر من النزاهة والتجرد والشعور العميق بالمسؤولية الوطنية. هكذا رأيت "المدى"، مذ تعرفت على طاقمها القيادي والإداري والفني متجسداً بمختلف المشتغلين فيها من زملاء وأصدقاء.

حرصت "المدى" منذ صدورها على تقديم نموذج ممتاز للمؤسسة الثقافية العراقية التي تهتم بالشأن المحلي الداخلي دون أنْ تتردد في مدّ أذرعها لتشمل الشأن العربي والدولي منطلقة في ذلك من رؤية المثقف العلماني العالمي بالضرورة. ومن أجل أنْ يصبح ذلك الاهتمام مادة للعمل فقد تبنت أعمال قامات عراقية من أمثال القاص والروائي غائب طعمة فرمان والمثقف الثوري المتمرد هادي العلوي وأعادت طبع أعمالهما لتقدمها بمنظومة كاملة وبأسعار مناسبة للجميع من الراغبين في الاطلاع عليها ودراستها. وفتحت "المدى" بوابتها للفنانين والأدباء والكتّاب على اختلافهم فكان أنْ أحيت ذكراهم وساهمت بتكريمهم من خلال صبيحة الجمعة التي دأب كثيرون على حضورها أو متابعتها إلكترونياً. وفتحت باباً لفنانين مغتربين ساهموا بتطوير الذائقة وإغنائها كما مع الفنان المغترب ستار كاووش الذي لم يكتف بتقديم منجزه المتميز بل وتعداه ليعرّف بفنانين عراقيين وعالميين مهمين كلاسيكيين ومحدثين. وبذلك صار لدينا مثقفون يناقشون من بوابة واسعة دور المثقف ليمدوا قنوات التواصل مع قامات أودعت منجزها كما في عالم الاجتماع العراقي علي الوردي والكاتب الناقد ادوارد سعيد والفيلسوف الفرنسي ذائع الصيت والسمعة جان بول سارتر وآخرين نشروا وانتقدوا وحللوا.

على صعيد النشر والتوزيع لعبت "المدى" دوراً مهماً لدعم عدد كبير من الكتّاب والصحافيين والروائيين العراقيين والعرب والأجانب مما وفر فرصة للقارئ العراقي بتوسعة أفق تعرفه واطلاعه. أعطت "المدى" كل هؤلاء وبخاصة العراقيين الأمان والشهرة والدعم المعنوي والمادي. استفاد عدد منهم من هذه الفرصة الأمر الذي عبروا عنه بطرق متعددة. اهتمت "المدى" بالأعمال المترجمة والروايات والكتب الفلسفية والأدبية حتى صارت بيتاً لها. وقد شُملت بهذه الرعاية عندما نُشر لي أكثر من عمل كان آخرها كتابي "في علم اجتماع الحياة العامة"، الذي ضم المقالات التي نشرتها في "المدى" على مدى سنوات، تناولت فيها مختلف القضايا العراقية من وجهة نظر اجتماعية. وصارت "المدى" بيتاً لنشر ترجمات ومقالات السيدة الكاتبة والمترجمة الروائية لطفية الدليمي وآخرها ترجمتها لكتاب "روح عصرنا: تنويعات معرفية في عالم مشتبك". كما كان للمقالات المعرفية الواسعة في ميدان الأدب والفلسفة والفنون وشذرات بارزة من الفكر العالمي والاسلامي للأستاذ الكاتب علي حسين مكان قصده متابعوه باهتمام متزايد. لم يكن الأمر سهلاً فقد تحملت "المدى" كدار نشر مسؤولة عبء القيام بأكثر من دور لتقديم الخدمة اللازمة على صعيد الاتصال والتعاقد مع المؤلف، والتحرير، والطبع، والتدقيق، والنوع، والمخططات، وطرق التجليد، والاعلان، والتسويق، والتوزيع، إلخ. هذا إلى جانب الاهتمام بالنواحي القانونية الخاصة بحقوق النشر وذوق القارئ والحس الفني للمؤلف بغية المساعدة على تسويق العمل بقدر عالٍ من الحرص والاهتمام والمسؤولية والمحافظة على كرامة المنجِز والمنجَز.

ولم تتوقف "المدى" عند هذا الحد على أهميته بل رعت عدداً من معارض الكتب التي أقامتها في أكثر من محافظة (بغداد وأربيل والبصرة) لتصبح هذه المعارض فرصة لنشاطات ثقافية متنوعة استقطبت عموم المواطنين والقراء والطلبة والتدريسيين لما وفرته من ظروف وإمكانات سعت لترضي مختلف التوجهات. لم تعد معارض الكتب التي رعتها "المدى"، سوقاً لبيع الكتاب فحسب بل صارت ميداناً للفكر واللقاء والحوار وتبادل الآراء. صارت معارض "المدى" للكتاب مدارس تعمل بآليات مفتوحة لما حشدت له من شخصيات ثقافية وعلمية أكاديمية من العراق وخارجه خاضت في مختلف القضايا ذات الاهتمام بالجوانب الثقافية والاعلامية والأدبية أو القضايا ذات الصلة بالشأن العام كالطلاق أو الإشكالات القانونية التي شغلت بال الجماعات الدينية كالصابئة واليزيدية والمسيحيين في مجتمع مسلم أو القومية والعرقية وقضايا الفقر والتنمية وقواعد الحكم الرشيد. يبدو لي لو أنّ إدارات مسؤولة تابعت مثل هذه الندوات واللقاءات فإنها ستكون قادرة على وضع معالجات مرضية لكل هذه الجماعات مما يساعد على الحد من المشاكل السياسية التي تسبب بها أشخاص لا يفهمون من السياسة غير المنصب المجرد وما يدر به عليهم من فوائد مادية شخصية مباشرة.

لعل المشاركة في إحياء الذكرى السنوية لـ "المدى" صارت بالنسبة لي تقليداً يسعدني كثيراً المساهمة فيه لما تمثله من حضور مستقل وحر بعيداً عن التحزب والتكتل، وقريباً مما نطمح إليه كمثقفين بالتفاعل مع مؤسسات تحترم أصدقاءها دون أنْ تتعصب لهم، وتحتضنهم دون أنْ تفرض هيمنتها عليهم. كل عام و"المدى" وأهل "المدى"، بخير.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: حدثنا نور زهير!!

وراء القصد.. ولا تيفو.. عن حمودي الحارثي

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

فشل المشروع الطائفي في العراق

العمودالثامن: فاصل ونواصل

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

 علي حسين إذا افترضا أن لا شيء في السياسة يحدث بالمصادفة، فإنه يفترض أن نوجه تحية كبيرة للذين يقفون وراء كوميديا نور زهير الساخرة ، فبعد أن خرج علينا صاحب سرقة القرن بكامل...
علي حسين

باليت المدى: الرجل الذي جعلني سعيداً

 ستار كاووش كل إبداع يحتاج الى شيء من الجنون، وحين يمتزج هذا الجنون ببعض الخيال فستكون النتيجة مذهلة. كما فعل الفنان جاي برونيه الذي أثبتَ ان الفن الجميل ينبع من روح الانسان، والابداع...
ستار كاووش

كلاكيت: ألان ديلون منحه الطليان شهرته وأهملته هوليوود

 علاء المفرجي في منتصف السبعينيات شاهدت فيلمه (رجلان في مأزق) وهو الاسم التجاري له، في سينما النجوم في بغداد، وكان من إخراج خوسيه جيوفاني، ولا يمكن لي أن انسى المشهد الذي يوقظه فيه فجرا...
علاء المفرجي

شراكة الاقتصاد الكلي والوحدة الوطنية

ثامر الهيمص وقد اراد الله ذلك فاستهل النبي ابراهيم عبادته وهو(الدعاء) الذي يعد (مخ العبادة) فدعا الله بقوله: (رب اجعل هذا البلد امنا) فكانت الاولوية للاوطان وليس للاديان دون تعارض. (رحيم ابو رغيف /...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram