رزاق عداي
اعتقد ان العراقيين ما عادوا يهتمون بالديمقراطية كثيرا، بقدر ما هم بحاجة الى الاستقرار الاقتصادي والاْمني، وترتيب الاولويات للحاجات الاساسية بدلا من التنطع والتبجح الاعلامي باننا نعيش اليوم في ظل نهج ديمقراطي مع ان هذا النظام من الحكم له مخرجات سيئة جداً عبر حكوماته المتعاقبة.
الذي يجري عندنا هو ان القوى السياسية الفاعلة لا تنصاع لطلبات القوى المجتمعية الفاعلة، ففقدت صفتها التمثيلية، وبهذا يقطع المجتمع السياسي الروابط التي تربطه بالمجتمع المدني وبالدولة معاً، فلا تعود له غاية الا العمل على تعزيز سلطته الخاصة، وهذا الوضع لا يتفق مع مقومات الديمقراطية بقدر ما هو حكم احزاب، ان اخطر انواع الفساد على الديمقراطية هو ذاك الذي يُمْكًن الاحزاب السياسية من مراكمة موارد هائلة ومستقلة عن المشاركة الارادية لاعضائها بحيث يصبح بوسع هذه الاحزاب، من جراء ذلك، ان تختار مرشحيها للانتخابات وتؤمن نجاح عدد منهم، ضاربة بعرض الحائط مبداْ اختيار الحاكمين بحرية من قبل المحكومين، لذلك فالمستفيدون عندنا من النظام السياسي الراهن يسبغون طابعا مقدساً على الديمقراطية وكاْن التسمية الديمقراطية كافية لوضع الغلالة السوداء على الابصار، فالديمقراطية في احيان كثيرة مفعمة بالاخطاء والاحباط وهي كذلك منذ ميلادها الاول عند الاغريق، كما انها دائما ما كانت تواجه النقد في عقر دارها فقد رفضها افلاطون وارسطو في يوم ما، وهي على حد تعبير ونستون تشرشل اسواْ الانظمة لولا مساوئ الانظمة الدكتاتورية والشمولية، ومع ذلك فان هذه العبارة المداهنة لتشرشل تنطوي على دفاع عن الديمقراطية، واحيانا تستخدم لاسكات النقاش حول مزاياها وسلبياتها.
اما المفكر الامريكي -صاموئيل هنتنغتون - فيرى ان الديمقراطية لا يمكن اقامتها بسهولة في الدول الفقيرة النامية، محاججا باْن هذه الدول بحاجة الى تنمية اقتصادية واجتماعية بدلا من زيادات سياسية في المشاركة، بما في ذلك الانتخابات المبكرة التي قد تزعزع النظم السياسية الهشة بكينونتها النامية، والملاحظ ان الفكرة الاخيرة تكاد تطابق تجربة التحديث في سنغافورا وكوريا الجنوبية، اذ كلا البلدين انطلقا بتشريعات تقترب من الصرامة الدكتاتورية تعتمد على الكفاءة في الخيارات وليس المحاصصة، ولكنهما شرعا لاحقاً في تدشين ممارسة انتخابات وانظمة دستورية، بعد ان اكتملت البنى التحتية الضرورية للمارسة الديمقراطية، عموماً فاننا نكاد نتفق ان الديمقراطية الانتخابية هي خير سياسي كوني، وهي امر جيد ليس لنا فقط، ولكن لبقية العالم ايضاً، ومن ثم، عندما تسقط الانظمة الاستبدادية (السيئة) فانه من المفترض ان تستبدل بانظمة تظمن حق الاختيار، ومن وجهة نظر معيارية تعتبر الديمقراطية افضل الانظمة السياسية الممكنة، وبشكل ادق، هي شرط لافضل نظام ممكن، الخلاصة ان الديمقراطية تقاس بمخرجاتها وليس بخطابها والبروغندا التي تزين سلبياتها المدمرة.
