TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > هل سيعزز إجتماع جدة لآفاق التسوية الأوكرانية جهود السلام؟

هل سيعزز إجتماع جدة لآفاق التسوية الأوكرانية جهود السلام؟

نشر في: 9 أغسطس, 2023: 10:27 م

د. فالح الحمراني

تنظر موسكو بعين الشك الى جدوى اجتماع جدة ( 5 و6 آب)الدولي لمناقشة آفاق التسوية الأوكرانية، وترى أن الاجتماع يجري للترويج ل "صيغة السلام لزيلينسكي" دون مراعاة الحقائق "على الأرض" ومصالح روسيا.

فضلا عن كسب بلدان الجنوب العالمي لدعم الصيغة والموقف الغربي عموما من النزاع في أوكرانيا. ويرى مراقبون أن هدف الرياض من احتضان الاجتماع رغم عدم دعوة موسكو، ينحصر في أن المملكة تسعى من أجل المضي في مساعيها للوساطة، الى فهم موقف أوكرانيا وحلفائها من أفاق تسوية النزاع الذي ترك تداعيات سلبية على اقتصاديات الدول وفاقم الوضع الأمني العالمي.

وعلى حد رأي وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف فإن الغرض الوحيد لاجتماع جدة هو جذب أكبر عدد ممكن من البلدان لشبه، ليس من المهم بأي قدر، مناقشة "صيغة زيلينسكي"، التي لا تطلب أقل من استسلام روسيا تماما، وتوافق على العبث بأمنها، والقذف إلى مصير مجهول بملايين الروس، الذين عاش أسلافهم على هذه الأراضي لقرون، وخلقوا الظروف الملائمة لها، وبناء المدن والطرق والموانئ." وأضاف " يجب على كل من يتودد إليه الغرب بهدف دفع "صيغة زيلينسكي" أن يدرك أن مصير هؤلاء الأشخاص، الذين يعد نظام كييف علانية بتصفيتهم، على المحك". واكد ان روسيا منفتحة لمناقشة أي مبادرة.

عُقد في نهاية شهر يونيو الماضي، في كوبنهاغن" في ظل ظروف من السرية الشديدة "فعالية السلام " بشأن أوكرانيا شبيه باجتماع جدة بحضور مسؤولين من الهند وتركيا، والبرازيل وجنوب أفريقيا والسعودية. وكان مركز الاجتماع الدولي هو مناقشة " صيغة السلام " التي طرحها الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي المكونة من لـ 10" نقاط أساسية.

ولكن، لم يكن كل شيء بسيطا وسلسا بالنسبة لكييف. فرغم من أن غالبية المشاركين في اجتماع كوبنهاغن اتفقوا بشكل عام على أن أي تسوية نهائية يجب أن تتوافق مع المبادئ الأساسية للأمم المتحدة، أظهر بعض الضيوف اختلافات خطيرة حول تفاصيل وتكتيكات العملية. على سبيل المثال البرازيل، اختلفت تقليديا مع "صيغة زيلينسكي السلمية". وأكدت مجموعة "البريكس" ضرورة دعوة الجانب الروسي لمواصلة مثل هذه المفاوضات.

وستكون " فعالية السلام" التي في المملكة العربية السعودية استمرار رسمي لـ " لفعالية كوبنهاغن". وفي الواقع، لم يتغير المشاركون، وإنما يتغير المكان فقط. ودعت حكومة المملكة مستشاري الأمن القومي والدبلوماسية من أوكرانيا، بالإضافة إلى ممثلين عن الهند والبرازيل والصين وتركيا واليابان وبريطانيا العظمى وجنوب إفريقيا والاتحاد الأوروبي إلى الاجتماع. ودُعيت بكين إلى الاجتماع السابق في كوبنهاغن، لكن لم يكن يحضر أحد من الصين. و وستشارك الصين في اجتماع جدة بمستوى منخفض.

وظلت أكبر الاقتصاديات الناشئة – بما في ذلك في العالم العربي – محايدة إلى حد كبير بشأن القضية الأوكرانية. ولم تتخلَ هذه الدول عن الاتصالات مع روسيا، بل وتعززت العلاقات أكثر مع عدد من الدول. ومن الواضح أن الغرب غير مرتاح لهذا الوضع، ولهذا السبب تحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها بإصرار تحويل أي منصة تفاوضية إلى "جهاز" لتجنيد الدول النامية إلى جانبهم ضد روسيا.

يجدر بنا أن نتذكر على الأقل القمة الأخيرة لـ" السبعة الكبار"، التي عقدت في مايو في هيروشيما باليابان، حيث تم تحديد التفاعل مع الجنوب العالمي كهدف رئيسي. وقد من المشكوك فيه إنها أحرزت النجاح. هذه الدول مستقلة تماما، وبالتالي فانه تتبنى أي قرار على أساس مصالحها الخاصة.

في هذا السياق، لنعود عن الحديث عن المملكة العربية السعودية نفسها. إن المملكة تواصل الحفاظ على علاقات متينة مع روسيا، معتبرة موسكو حليفا مهما في موازنة سوق النفط العالمية. وبالمناسبة، ناقش وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ونظيره السعودي فيصل بن فرحان آل سعود في النصف الأول من شهر يوليو، قضية استمرار التعاون في صيغة "أوبك ".‎

أظهرت الرياض فيما يتعلق بمسألة أوكرانيا، دائما ضبط النفس، في محاولة لطرح نفسها كوسيط فعال بين موسكو وكييف. وتجدر الإشارة إلى أن الأمير فيصل بن فرحان زار موسكو في مارس من هذا العام، إي بعد عشرة أيام بالضبط من زيارته لكييف. ثم أكد الوزير فيصل أن الرياض مستعدة لبذل كل جهد ممكن لحل النزاع بين روسيا وأوكرانيا.‎

والسؤال الذي يطرح نفسه بحق الآن لأي غرض قررت المملكة العربية السعودية توفير منصة في جدة لـ " لقمة السلام"؟ علاوة على ذلك، بدون دعوة روسيا، والأخذ بالاعتبار أيضا أن هذا المؤتمر يأتي بمبادرة من كييف.

وبهذا الصدد أوضح نائب رئيس رابطة الدبلوماسيين الروس سفير روسيا السابق في الرياض أندريه باكلانوف في حديث مع صحيفة موسكوفسكي كومسمولسك:

- توسع المملكة العربية السعودية نطاق اتصالاتها الدبلوماسية في اتجاهات مختلفة: علاقات جديدة مع إيران، وقضايا أمنية في الخليج. كما تشارك البلاد في شئون أخرى، أحيانا في منافسة مع تركيا، التي تسعى أيضا إلى إثبات نفسها في مجال الوساطة، " وأضاف: إن " المملكة العربية السعودية تعرف وجهة نظرنا. الآن يبدو أنها تريد دراسة وجهة نظر الطرف الآخر بمزيد من التفصيل من أجل التوصل إلى استنتاج: هل يستحق الأمر مواصلة جهود الوساطة".

وقال: "أقدر تقديرا عاليا التعاون بين موسكو والرياض في قطاع الطاقة، فقد أظهرت المملكة العربية السعودية بُعد نظر أكبر من ممثلينا. كان علينا أن نتعلم الكثير منهم قبل ظهور أوبك +. هذا نعم. لكن بالنسبة لفهمهم لحالات النزاعات والأزمات، فانهم لم يتحلوا بمثل هذه الصفات: لقد ارتكبوا خطأ استراتيجيا في التسوية السورية (لقد دافعوا عن أولئك الذين لا ينبغي حمايتهم). وبعد 12 عاما فقط تم تعديل هذا الموقف.

وأشار الدبلوماسي أيضا إلى أنه لا يرى وجود إمكانات لدي المملكة العربية السعودية الجادة للمساهمة في حل مثل هذه الأزمات، ويشكك في قدرة الدول العربية على تقديم مساهمة كبيرة في تسوية النزاع.

ويقول أندريه باكلانوف:" إنهم (العرب) لا يفهمون أساس أزمتنا". إننا نعتبر هذا استمرارا للحرب العالمية الثانية، استمرارا للقتال ضد الفاشية. أما الدول العربية، فتعتبر الحرب العالمية الثانية مفهوما مجردا تماما. إن الفهم العربي لهذه القضية بعيد جدا عن الواقع. لذلك، يمكن أن يكون دورهم في الوساطة مفيدا فقط في حل القضايا الإنسانية (على سبيل المثال، تبادل الأسرى)، وإذا انضمت المملكة العربية السعودية إلى اتفاقية على أساس جديد لما كان يسمى تقليديا سابقا "صفقة الحبوب". سيكون من الجيد أن تحل المملكة محل الجانب التركي.

نحن بحاجة إلى تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية: لقد فشلت صفقة الحبوب، وخسرنا عاما كاملا، وكان هذا خطأ أولئك الدبلوماسيين الذين دافعوا عن تمديدها. من ناحية أخرى، يتم الآن إقامة العلاقات الثنائية ببطء شديد، لذا فإن ضرب من آلية للتسوية قائمة على الحل الوسط سيكون مفيدا لنا. وإذا قامت المملكة العربية السعودية بذلك، فسيكون من المثير للاهتمام لنا مراقبته. وسيحتاج زملاؤنا، الذين سيتم تكليفهم بتطوير هذا العمل، إلى التحليل هذا العام، والتخلص من الأوهام وعناصر عدم الاحتراف وإيجاد حل وسط على أساس جديد (بناء على تقييمات واقعية). بالطبع إذا سارت الحركة في هذا الاتجاه.

واستطرد الدبلوماسي بالقول: "لا يبدو أن المملكة العربية السعودية تتهيأ للقيام بعمل أو تحرك فيما وراء ظهر روسيا، وعلى ما يبدو، إنها تريد دراسة وجهة نظر هذا الجانب في جو هادئ، دون تبادل الانتقادات اللاذعة بين ممثلي الاتحاد الروسي والغرب، وفهم ما مصدر مشاغلهم. لكن في الوقت نفسه، قد لا يعجبوا الجانب السعودي مثلما لا يعجبونا."‎

اعتمدت المادة على تقارير وسائل الإعلام الروسية

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

 علي حسين في السبعينيات سحرنا صوت مطرب ضرير اسمه الشيخ امام يغني قصائد شاعر العامية المصري احمد فؤاد نجم ولازالت هذه الاغاني تشكل جزءا من الذاكرة الوطنية للمثقفين العرب، كما أنها تعد وثيقة...
علي حسين

زيارة البابا لتركيا: مكاسب أردوغان السياسية وفرص العراق الضائعة

سعد سلوم بدأ البابا ليو الرابع عشر أول رحلة خارجية له منذ انتخابه بزيارة تركيا، في خطوة رمزية ودبلوماسية تهدف إلى تعزيز الحوار بين المسلمين والمسيحيين، وتعزيز التعاون مع الطوائف المسيحية المختلفة. جاءت الزيارة...
سعد سلّوم

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

احمد حسن تجربة الحكم في العراق ما بعد عام 2003 صارت تتكشف يوميا مأساة انتقال نموذج مؤسسات الدولة التي كانت تتغذى على فكرة العمومية والتشاركية ومركزية الخدمات إلى كيان سياسي هزيل وضيف يتماهى مع...
احمد حسن

الموسيقى والغناء… ذاكرة الشعوب وصوت تطوّرها

عصام الياسري تُعدّ الموسيقى واحدة من أقدم اللغات التي ابتكرها الإنسان للتعبير عن ذاته وعن الجماعة التي ينتمي إليها. فمنذ فجر التاريخ، كانت الإيقاعات الأولى تصاحب طقوس الحياة: في العمل، في الاحتفالات، في الحروب،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram