ثائر صالح
تعودت البحث عن كل ما يتعلق بالموسيقى في الأماكن والمدن التي أزورها والكتابة عنها، ولم يكن الأمر مختلفاً عند زيارتي مدينة تروندهايم النرويجية قبل أسبوعين (تبعد قرابة 500 كم عن العاصمة أوسلو).
تقع المدينة الجميلة على فيورد (خليج ضيق وطويل محاط بالجبال العالية) يحمل اسم المدينة التي يبلغ سكانها أكثر من 180 ألف نسمة. وهي تعد بين أول المدن النرويجية فقد أسسها ملك الفايكنغ اولاف تريغفاسون سنة 997 وكانت عاصمتهم لقرنين من الزمان. لا تزال المدينة القديمة تحتفظ ببيوتها المبنية من الخشب المطلة على نهر نيدألفا الذي يصب في الفيورد عبر المدينة. تشتهر المدينة بجامعتها وبضمنها كونسرفتوار الموسيقى، وبعدد كبير من معاهد الأبحاث المعروفة دوليا.
تفخر المدينة بفرقة سيمفونية تقودها منذ 2017 مايسترا شابة من كوريا الجنوبية (41 سنة)، مسكت عصا القيادة بعمر 24 سنة للمرة الأولى وعملت مع أشهر الفرق.
لكن أهم مؤسسة ترتبط بالموسيقى هي متحف الأدوات الموسيقية الذي تستضيفه أبنية تعود إلى منتصف القرن الثامن عشر تقع على هضبة جميلة في شبه جزيرة خارج المدينة، تحيط بها غابات ومتنزهات وحديقة نباتية شهيرة تابعة للجامعة. يضم المتحف قرابة 2000 أداة موسيقية من مختلف العصور والكثير من بقاع العالم، بينها عود جميل من ثلاثينات القرن الماضي، وأدوات فرقة المهتر العسكرية التابعة للانكشارية العثمانية، مثل الطبول والزرنة والأبواق. ويوجد في المتحف كذلك أرشيف مهم يحفظ أعداد كبيرة من المدونات الموسيقية والوثائق والتسجيلات الموسيقية، منها اسطوانات الشمع التي استعملت وقت ظهور تقنيات التسجيل الأولى أواخر القرن التاسع عشر.
أكثر قطعة أثارت اهتمامي في المتحف هي (فورته)- بيانو من صنع يوهان أندرياس شتاين (1727 - 1792) أشهر صانع بيانوات في ألمانيا والنمسا، يعود إلى سنة 1783. وقد زار موتسارت الشاب ورشة الاسطة شتاين في أوغسبورغ الألمانية سنة 1777 وكتب إلى أبيه: "عندما يكمل شتاين صنع جسم البيانو الخشبي، يضعه في العراء تحت المطر والشمس والثلج وكل النوائب، حتى يتشقق الخشب، عندها يعالجه بالأصماغ ويصلحه ويقويه، حتى لا يحدث ذلك من جديد". وقد طور شتاين من تقنيات بناء البيانو وأهمها ميكانيكية تبعد المضارب عن الأوتار فورا، مما فسح المجال أمام ظهور العازفين الماهرين مثل شوبان وليست.
وينظّم المتحف عرضاً خاصاً مؤقتاً بعنوان "أصوات مفقودة" هو تسجيل الأصوات في أعماق البحار والمحيطات، منها أعماق فيورد تروندهايم، هيأته الفنانة يانا فيندرين. طول التسجيل حوالي ثلاث ساعات ويقدم عبر 26 قناة صوتية في قاعة معتمة.
واستكمالاً لزيارة متحف الأدوات زرت روكهايم، وهو متحف الروك الواقع في قلب المدينة. يركز المتحف على أهم فرق ومغني الروك وع اهتمام خاص بالروك النرويجي المحلي، ويعرض مقتنيات وأدوات من خمسينات وستينات وسبعينات وثمانينات القرن الماضي. ويقع المتحف في بناية صناعية مكعبة من الكونكريت لكن الأجزاء العليا منها غُلّفت بواجهة مبتكرة أعطتها طابعاً مميزاً وفريدا.