اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > سينما > بعد الجسر وثائقي يرصد أم إيطالية تبحث عن السلام الروحي

بعد الجسر وثائقي يرصد أم إيطالية تبحث عن السلام الروحي

نشر في: 16 أغسطس, 2023: 11:55 م

عدنان حسين أحمد

تشكِّل القصة السينمائية الجيدة مادة أولية لفيلم ناجح شرط أن تقع بيد مخرجٍ متمكن من أدواته الفنية، ومطوِّر لها باستمرار،

ويسعى لتحقيق رؤيته الإخراجية التي تنتمي إليه ولا تُحيل إلى مخرج آخر حتى وإن كان متربعًا على قِمة الإبداع وذروة المجد والنجومية. والقصة السينمائية أو السيناريو بما ينطوي عليه من حوار، وبوح، ومناجيات، وتعالقات سمعية وبصرية قد لا تفلح في أن تصنع فيلمًا وثائقيًا جيدًا ما لم ينتظم في حبكة قوية يقول فيها الكاتب أو السينارست، ما يُقنعهُ أولاً، ويُقنع المتلقّي العضوي الذي يشارك في صنع الحدث أو يكون طرفًا متفاعلاً معه، يشاهد الفيلم، ويستقبله بكل جوارحه، وحواسه، ومشاعره الداخلية.

تُرى، هل أنّ الفيلم الوثائقي المعنون "بعد الجسر" للمخرجَين الإيطاليين ديفيد ريزو ومرزيا توسكانو هو من هذا النمط المحبوك أم أنه يفتقر إلى البنية السردية الشائقة التي تستجيب لمواصفات الفيلم الوثائقي الرصين الذي لم يضيّع منك وقت المشاهدة التي تتجاوز الساعة الكاملة بخمس دقائق؟

تتمحور قصة الفيلم على شخصيةرئيسة وهي فاليريا كولينا، امرأة إيطالية اعتنقت الإسلام، وتزوجت من رجل مغربي وعاشت معه في مدينة فاس، وقد عادت بعد عشرين عامًا إلى مدينة بولونيا Bologna الإيطالية في صيف عام 2015 م، حيث أقامت في منزل صغير على مشارف المدينة يُتيح لها التنزّه في الغابة المجاورة، والاستمتاع بجدول المياه العذبة التي تتدفق بين صخور الوادي. وعلى الرغم من تركيز المُخرجَين على ماضي الأم فاليريا إلاّ أننا كمتلقين لم نعرف عنها شيئًا سوى أنها ممثلة مسرحية وناشطة نسوية أحبّت الشعر الصوفي، واختارت لنفسها مسارًا دينيًا واضحًا يمكن تلمّسه في جلسات قراءة القرآن الكريم وتعليمه لعدد من النساء اللواتي يرغبن في الاستزادة الدينية من هذا الكتاب المقدس ومعرفة أصول ومنابع الدين الإسلامي الحنيف. كما رأيناها وهي تمارس رياضة اليوغا على اليوتيوب في البيت، وتستذكر صورًا مختلفة انتقتها من طفولتها ومرحلة شبابها المرحة والخالية من الهموم في مدينة بولونيا وهي مُحاطة بعناية الوالدين واهتمامهما الكبير بها قبل أن تسقط في خانق العزلة والتوحّد الذاتي الذي كانت تنتصر عليه قبل ذلك الوقت في الأدوار الفنية التي كانت تجسّدها على خشبة المسرح ويمكن القول إن قصيدة "عرفتُ الهوى" للشاعرة رابعة العدوية هي خير أنموذج للذوبان والتماهي في الذات الإلهية المقدّسة حيث كانت ترددها دائمًا وتقول:"أحِبُكَ حُبَيْنِ حُبَ الهَـوى / وحُبْــاً لأنَكَ أهْـلٌ لـِذَاك / فأمّا الذي هُوَ حُبُ الهَوى/ فَشُغْلِي بذِكْرِكَ عَمَنْ سـِواكْ " إلى آخر هذه القصيدة الصوفية المعروفة التي تنتهي بالقول:" فلا الحَمْدُ في ذا ولا ذاكَ لي / ولكنْ لكَ الحَمْدُ فِي ذا وذاكا". أفاد المُخرجان من لقطات ومَشاهد أرشيفية كثيرة صوّرت في بولونيا وفاس ولندن يرصد بعضها رحلتها الإيمانية، وتعلّقها الصوفي، وانقطاعها للحياة الروحانية التي وجدت فيها الهدوء، والسكينة، والتصالح الذاتي الذي يدفعها للاستمتاع بعناصر الطبيعة من أشجار باسقة، ومياه متدفقة، وحيوانات أليفة كانت ترعاها على مدار اليوم.

تنقلب حياة فاليريا رأسًا على عقب في 3 يونيو / حزيران 2017م إثر حادث إرهابي قام به ثلاثة أشخاص من جنسيات مختلفة حيث قام العقل المدبر للعملية بدهس المارة بسيارة ان على جسر لندن، ثم ترجلوا منها وطعنوا الناس بالسكاكين، وكان ابنها "يوسف زاغبا" هو أحد هؤلاء المنفذين الثلاثة الذين أصبحوا جهاديين متطرفين يُزهقون أرواح الناس على أرصفة الشوارع، ويطعنونهم على الجسور، وفي الأسواق، والميادين العامة من دون أن يرفّ لهم جفن. لم يستثمر المخرجان هذا الحادث الدرامي المروع جدًا مع أنه ينطوي على عناصر محبوكة من تلقاء نفسها حيث يقول البيان الذي أصدرته شرطة الميتروبوليتان "أنّ الهجوم على جسر لندن وسوق بورو استمر لـ 10 دقائق فقط قَتل فيه الإرهابيون الثلاثة ثمانية أشخاص وأصابوا 48 آخرين بجروح خطيرة، 19 منهم في حالة حرجة، قبل أن يُقتلوا برصاص الشرطة". وأن العقل المدبر هو خورام بات، باكستاني المولد، ويبلغ من العمر 27 عامًا. وقد شاركه في الهجوم الإرهابي رشيد رضوان الذي يدعّي بأنه مغربي الجنسية، ويوسف زاغبا، ابن فاليريا الذي يحمل الجنسية الإيطالية وانجرف إلى هذا التنظيم المتطرّف الذي قاده إلى ممارسة العنف وارتكاب الجرائم التي يحاسب عليها القانون. لقد اكتفى المخرجان بالتركيز على الأوضاع النفسية للأم المفجوعة التي يتنازعها الشعور بالذنب، والصدمة القوية، والإحساس بالندم. وحينما يحاصرها الصحفيون والقنوات الإعلامية المحلية والعالمية تحسم أمرها في خاتمة المطاف وتُدين بالفم الملآن تصرف ابنها الأهوج وتقرّر عدم حضور جنازته في مدينة فاس. تُرى، هل تكفي الإدانة بحد ذاتها؟ وما هو ذنب الضحايا الذين ماتوا دهسًا بالسيارة أو طعنًا بالسكاكين؟ وهل يمكن لهذه السيدة أن تعيد ترتيب أوراقها وحياتها من جديد، وأن تجد بعض العزاء في عزلتها الاجتماعية؟ مع أن فاليريا كولينا لا تحضر جنازة ابنها إلاّ أننا نراها قبل نهاية الفيلم وهي تبحث في إحدى المقابر بمدينة فاس المغربية عن قبر ولدها ونسمعها تقرأ بصوت مسموع تسع آيات من سورة "يس" التي تقول:" {‏ يس، وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ، إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ، عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ، تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ، لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ، لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ، إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ، وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ‏}‏. ومع ذلك فهل يكفي الأم إقرارها بأنّ ولدها كان أعمى لا يبصر شيئًا من حوله، وأنه ضلّ سواء السبيل؟ ما يعكسه المخرج ديفيد ريزو والمخرجة مرزيا توسكانو أنّ الأم كانت تسعى بشكل محموم لأن تحقق الهدوء والاطمئنان النفسيين وهي تعيش في غابة من الأسئلة التي تطوّقها مثل حلقة ضيّقة بدأت تتسع شيئًا فشيئًا كلما تقادمت الأيام رغم أنها لم تجد بعد إجابة شافية للابن الذي استمرأ العنف والإرهاب ودفع حياته ثمنًا لمغامرة رعناء، وقناعة كاذبة متهورة لم تُتح له أن يمضي أبعد من سن الثانية والعشرين.

جدير ذكره أنّ ديفيد ريزو هو مخرج ومنتج إيطالي، أنجز عددًا من الأفلام التي تركز على حقوق الإنسان والذاكرة الجمعية مثل "بروستولين"و، "السينما القديمة: بولونيا ميلودراما"، و"فيلم غربي بلا خيول" و"آنا وبسّام". أمّا مارزيا توسكانو فهي مخرجة إيطالية أنجزت "فيلم غربي بلا خيول"الذي كتبته وأخرجته بالاشتراك مع ديفيد ريزو، يدور هذا الفيلم عن المخرج الهاوي المتميز ماورو مينغاردي الذي أنجز غالبية أفلامه في مدينة بولونيا من بينها "البحث عن المستحيل"و "أجنحة الملائكة" و "العودة إلى الصمت". عُرض فيلم "بعد الجسر" في قسم "جدل" في الدورة الثلاثين لمهرجان شفيلد للأفلام الوثائقية لعام 2023م.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

واشنطن تحذر بغداد من التحول الى "ممر" بين ايران ولبنان

تقرير أمريكي: داعش ما زال موجوداً لكنه ضعيف

انتخابات برلمان الاقليم..حل للازمات ام فصل جديد من فصولها؟

صورة اليوم

المباشرة بتطبيق الزيادة في رواتب العمال المتقاعدين

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

أفضل عشرة أفلام هروب من السجن

النجم غالب جواد لـ (المدى) : الست وهيبة جعلتني حذراً باختياراتي

أفضل عشرة أفلام هروب من السجن

معاهد متخصصة فـي بغداد تستقبل عشرات الطامحين لتعلم اللغة

متى تخاف المرأة من الرجل؟

مقالات ذات صلة

حين تتستر الإيدلوجيا الثورية بقبعة راعي البقر!
سينما

حين تتستر الإيدلوجيا الثورية بقبعة راعي البقر!

يوسف أبو الفوزصدر للكاتب الروائي السوري، المبدع حنا مينا (1924- 2018)، الذي يعتبر كاتب الكفاح والتفاؤل الانسانيين، في بيروت، عن دار الآداب للنشر والتوزيع، عام 1978، كتاب بعنوان (ناظم حكمت: السجن… المرأة.. الحياة)، يورد...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram