عصام الياسري
يتعرض العراق والعراقيون إلى ممارسات دولية وعربية مذلة خطيرة، ليس فيما يتعلق بشؤونه الداخلية السياسية والاقتصادية والبيئية والمائية فحسب، إنما حدوده الجغرافية التاريخية. إذ أدت السياسات الخاطئة التي انتهجها النظام الديكتاتوري المقبور في الربع الأخير من القرن الماضي إلى انتهاك دول الجوار، إيران والسعودية وتركيا والكويت السيادة الوطنية للعراق وتعريض الأمن القومي للخطر.
فخلال فترة الثمانينيات، دارت حرب طويلة ومدمرة بين العراق وإيران من 1980ــ 1988. بسبب خلافات حدودية وسياسية، شهدت تداخلا بين القضايا الدينية والاثنية. فيما الأمر بين العراق والسعودية لم يكن بنفس القدر الكبير، كما بين العراق والكويت والذي شهد ولازال توترات سياسية وجيوديموغراقية عقيمة.
إذ أدى ما يسمى بحرب تحرير الكويت في عملية "عاصفة الصحراء" في عام 1991 إلى انسحاب القوات العراقية. ولاحقا، تم تبني قرارات مجحفة بحق العراق من قبل مجلس الأمن الدولي تهدف إلى تنفيذ الانسحاب وتعويض الكويت تكاليف الحرب. بيد أن (هيئة الأمم المتحدة) لم تصدر قرار دولي رسمي يقر ضم أراض عراقية للكويت، إنما توقيع اتفاقيتين حدوديتين بين الكويت والعراق في عام 1993 1994 و2000 لتسوية القضايا المتعلقة بالحدود بين البلدين، إلا أن النظام السابق ولغاية سقوطه عام 2003 لم يقم بتنفيذها.
تعود مشكلة الحدود البرية والبحرية بين العراق والكويت، إلى مطلع ثلاثينيات القرن الماضي، ولا تزال تلقي بظلالها على مسار العلاقات بينهما، جراء استثمار نتائج حربي الخليج الثانية والثالثة في عامي 1991 و2003، لصالح الكويت في فرض وجهة نظرها ومصالحها في ترسيم الحدود بينهما، خصوصا في توسيع سيطرتها غير المشروعة على الواجهة البحرية في خور عبد الله العراقي. بيد أن الأمم المتحدة في القرار الدولي رقم 833 لسنة 1993. أكدت على أن المياه الإقليمية للدول المتشاطئة شمال الخليج العربي متداخلة وذات خصوصية معينة يصعب معها تطبيق اتفاقية الأمم المتحدة لقانون أعالي البحار لعام 1982 عليها دون اتفاق جميع الدول ذات العلاقة.
أثناء غزو التحالف الدولي للعراق 2003 كانت أم قصر من أول المناطق التي شهدت قتالا دام عدة أيام مع الجيش العراقي للسيطرة عليها من قبل القوات البحرية البريطانية. وتجدر الإشارة إلى أن مجلس الأمن طالب العراق والكويت في القرار 660 (1990) "بالبدء فورا بإجراء مفاوضات لحل خلافاتهما"، ومن بينها مسألة الحدود الأكثر أهمية، إلا أنه اعتمد إجراء مغايرا لأحكام قراره المذكور! عندما تعامل مع مسألة الحدود بمقتضى الفصل السابع من القرار 687 (1991)، لفرض أسس رسم الحدود، أيضا من خلال فرض "صيغة التحديد" فقط، مسجلا بذلك سابقة غير معروفة حتى الآن.
فيما بعد شكل مجلس الأمن الدولي وفقا للقرار 687 لجنة لترسيم الحدود العراقية الكويتية (يونيكوم) من خمسة أعضاء يعين احدهم رئيسا للجنة، وان تتخذ قرارات اللجنة على أساس أصوات الأغلبية وان تكون هذه القرارات نهائية، وان تكون مسئولة أمام الأمين العام. وقد لاحظ العراق أن تلك المقترحات لا توفر التوازن التام بين الآراء التي قد تعتمد من قبل كل طرف من الأطراف خلال عملية الترسيم، وقد لا يكون في اختيار الخبير اي دور او قادرا على التأكيد مسبقا على حقيقة استقلاله. ومن هنا فأن رأيه في سياق عملية الترسيم سيمثل عضو واحد من أصل خمسة أعضاء هم من الناحية الواقعية من التحالف الدولي.
ناقشت اللجنة الدولية عملية ترسيم الحدود البحرية بين العراق والكويت، وفق الفقرة 3 من القرار وخلال النقاش أعرب رئيس اللجنة مختار كوسوما أتماجا (أندونيسيا) عن وجهة نظره بأنه وفي ضوء طبيعة ومدى تفويض اللجنة فإنه سيكون من الصعب التعامل مع ترسيم الحدود البحرية. ويعزى ذلك إلى أن التفويض المذكور لم يخول اللجنة التعامل مع مسار الحدود فيما وراء نقطة ارتباط خور الزبير مع خور عبد الله (أي بعبارة أخرى، ما وراء تلك النقطة حتى البحر) ما لم توافق الأطراف (العراق والكويت) على غير ذلك وان اللجنة لم يكن بمقدورها توسيع حدود تفويضها على مسؤوليتها الخاصة. ولم يتردد رئيس اللجنة في الكشف عن اعمال الضغط الكويتي على عمل اللجنة ومساعد المستشار القانوني لسكرتارية الأمم المتحدة والخبيرين المحايدين، بغية حملهم على تبني موقف الكويت فيما يخص ترسيم الحدود البحرية والتدخل في إتخاذ القرار.
إن صيغة تعيين الحدود البرية والبحرية التي اعتمدها مجلس الأمن أساسا لترسيم الحدود في القرار 687 (1991)، من خلال تدخل الكويت والإدارة الأمريكية والحكومة البريطانية في عمل اللجنة والضغوط عليها، يعد مخالفات قانونية تثير العديد من التساؤلات. كما تتعارض مع رأي رئيس اللجنة الاندونيسي "كوسوما أتماجا" وتاكيد الخبيران المحايدان في اللجنة، من أن منطقة خور عبد الله هي جزء من المنطقة البحرية الإقليمية، وتخضع لمفهوم "الظروف الخاصة" بين الأطراف، وعلى ذلك فان القواعد التي يمكن تطبيقها في غياب "الظروف الخاصة" تكتسب قوة خاصة لصالح العراق لعدم وجود صيغة متفق عليها لتعيين الحدود بين العراق والكويت في خور عبد الله.
لم يكن بخاف ان ترسيم الحدود بين العراق والكويت، كان ولا يزال، مسألة معقدة ومثيرة للجدل. وهناك أسباب تاريخية وسياسية وجيوسياسية مختلفة أدت إلى التوترات والحروب في المنطقة. اشدت تعقيدا بعد احتلال العراق عام 2003 وتاسيس الإدارة الامريكية مجلس الحكم، حيث قدمت الحكومات الطائفية المتعاقبة التي تقودها "احزاب الاسلام السياسي الشيعية" التنازلات تلو الاخرى للجانب الكويتي. المراقبون يؤكدون ان الازمة ستستمر بين العراق والكويت بسبب انحياز الولايات المتحدة ومجلس الأمن الدولي لصالح الكويت، دون الاخذ بنظر الاعتبار مصالح العراق التاريخية والبشرية والاقتصادية والاستراتيجية. مما اضطر الكثير من النواب والخبراء والسياسيين العراقيين إلى كشف حقائق مهمة تؤكد إستمرار استيلاء الكويت للمدن والأراضي العراقية، منها: قاعدة أم قصر البحرية واراض عراقية بعمق 10 كيلو مترات وطول 60 كيلو مترا تعد خزينا استراتيجيا للنفط العراقي، أيضا خور عبد الله العراقي الذي لم يكن يوما كويتيا، بالاضافة لقرية أم قصر وثلاثة حقول نفطية عراقية وهي: السجيل الاعلى، قبة الصفوان، الدجيل.
السؤال: متى يستيقظ الشعب العراقي من سباته للدفاع عن ارض وطنه؟ ومتى تتحرك القوى والاحزاب الوطنية العراقية لمواجهة الطغيان والخونة ممن يتقاضون الرشاوى في السر والعلن لبيع العراق في سوق النخاسة؟
